إنّ كل سيناريو لا يقوم على حتمية هزيمة الكيان في هذا العدوان، سيناريو يشوبه العوار، حتى إنّ السيناريوهات التي تفترض بقاء العالم بعد السابع من تشرين الأول/ أكتوبر كما قبله، هي سيناريوهات ضحلة حد استحالة التصديق، لذا فإنّ السيناريو الوحيد القابل للتطبيق، هو السيناريو القائم على انتصار غزة وانتصار محورها.
ما يجري من عدوانٍ همجيٍ بربريٍ غير مسبوق على قطاع غزة، لا ينفي فقط فكرة إمكانية تعايش الكوكب مع وجود الكيان، بل ينفي فكرة استحقاق الوجود أصلاً للكيان، إنّه كيانٌ لا يستحق البقاء، وتجب إزالته من جذوره، لا يمكن لبشريٍ احتمال التعايش مع كائنٍ دمويٍ منقرض، عاد للحياة بمحض خرافةٍ تاريخية، لذا يجب تدميره تدميراً كلياً وإلى غير رجعة.
هناك طرفٌ على طرفي الصراع يعيش في كوكبٍ موازٍ، حيث إنّ طرفاً يتبنى هدف الحرب التحريرية وإزالة الكيان، بغض النظر عن التباينات بين الانتصار بالنقاط، أو بالضربة القاضية، وهناك طرفٌ يعيد لوك فكرة حل الدولتين، أو وجه سلطة غزة ما بعد حماس، ولكن حين نبدأ بالتفنيد، نكتشف أنّ طرفاً يتعامى عن نتائج السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، كأنّها لم تكن، أو اعتبارها فرصةً لمنح المهزوم وسام الانتصار، وهؤلاء حقاً يعيشون في الكوكب الموازي.
إنّ تسارع الأحداث في جبهات الإقليم، ينبئ بما لا يدع مجالاً للشك، بأنّ الكيان لم تعد فيه نقاطٌ آمنة، لا شمالاً ولا وسطاً ولا جنوباً، وفكرة الأمن هي هاجس الكيان ومغريات مستوطنيه الجاذبة، كذلك إنّ العجز العسكري عن إحراز صورة نصر أو حتى شبه صورة نصر، بالتوازي مع ارتكاب جرائم حربٍ على مدار الساعة، يجعل فكرة الأمن حتى خارج أسوار الكيان أيضاً في مهب الريح.
إنّ ما يؤكد أنّ الكيان قد مات فعلياً، هو أنّ الولايات المتحدة الأمريكية هي من تدير العدوان تخطيطاً وتدبيراً، وهذا ما يكف يد "نتن ياهو" وحكومة الحمقى الهمج التي يديرها، عن الذهاب بعيداً في ردّ الفعل على استباحة حزب الله لكل الحدود ولكل المواقع الصهيونية، حيث إنّ "نتن ياهو" قطعاً يفكر في توريط الولايات المتحدة الأمريكية في حربٍ إقليمية، كأحد الحلول للتخلص من مأزقه الشخصي أولاً، ومأزق الوجود والبقاء للكيان ثانياً، وطالما أنّه لم يفعل، فهذا يعني أنّ قرار الحرب وإدارتها في واشنطن، لا في "كابينيت" الهمج الحمقى والمهزومين.
حتى قرار الهدنة الإنسانية، هو قرارٌ أمريكيٌ بحت، وما المماطلة التي أبداها الإعلام باعتبارها من فعل "نتن ياهو"، ما هي إلّا شراء أمريكي للوقت، لتحقيق أكبر قدرٍ من المكتسبات قبل انفلات الجبهات، وما زيارة ذي السحنة الصفراء والضحكة الصفراء كمبعوثٍ أمريكيٍ إلى بيروت، إلّا جزء من محاولات جس النبض ومعرفة الوقت المتبقي لفوران البركان.
والحقيقة أيضاً أنّ كل هدنةٍ مهما كان شكلها وشروطها وطبيعتها، هي هزيمةٌ منكرة لـ"نتن ياهو" ومجلس حربه، لذا فإنّ حصولها هو قرارٌ أمريكي، حيث إنّ نتائج العدوان لا تفي حتى بالأغراض الدعائية لحكومة الحمقى، فكيف باحتياجات الكيان الوجودية، وإن حصلت بلحظ شروط المقاومة، فكيف بالرضوخ لها كلياً أو جزئياً؟
كذلك من اللافت حتى اللحظة، اكتفاء الكيان بالتنديد بالسيطرة اليمنية على السفينة "الإسرائيلية" في البحر الأحمر، والاكتفاء الأمريكي بمطالبة اليمن بإطلاق سراح السفينة وطاقمها وبضاعتها، دون اتخاذ أيّ شكلٍ من أشكال الردود العسكرية، وهذا يعني أنّ الحرب الإقليمية، هي آخر ما تريده الولايات المتحدة الأمريكية، وأنّ الهدف هو الحفاظ على الجبهات مهما اشتعلت ووجهت الضربات المؤلمة، بعيدةً عن الحرب المفتوحة، خصوصاً أنّ أمريكا اختبرت التصميم والعزم اليماني على مدى سنوات العدوان على اليمن الثماني.
إنّ كل سيناريو لا يقوم على حتمية هزيمة الكيان في هذا العدوان، سيناريو يشوبه العوار، حتى إنّ السيناريوهات التي تفترض بقاء العالم بعد السابع من تشرين الأول/ أكتوبر كما قبله، هي سيناريوهات ضحلة حد استحالة التصديق، لذا فإنّ السيناريو الوحيد القابل للتطبيق، هو السيناريو القائم على انتصار غزة وانتصار محورها، وانطلاقاً من هذه الحقيقة الصلبة، تستطيع التشعب بكل ما أوتيت من حنكةٍ وقدرةٍ على الاستشراف، في كل سيناريوهات المستقبل الممكنة، طالما يأخذ بعين الاعتبار أنّ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، وضع الكيان على طرف المنحدر نحو هاوية الزوال، في أسابيعٍ أو شهورٍ أو حتى عدة سنوات.
* نقلا عن : لا ميديا