خاضت القيادة السعودية مغامرات شريرة كثيرة على مدى سنوات بخاصة مع بداية القرن الواحد والعشرين، وكلها فشلت فيها. غامرت في العراق وتعاونت مع أمريكا من أجل ترسيخ فتنة سنية شيعية وتقسيم العراق، وما كان إلا أن تمت هزيمتها وهزيمة أمريكا أمام المقاومة العراقية الباسلة وأمام إيران. حاولت القيادة السعودية الاستنجاد بأمريكا من أجل طرد إيران من العراق فتم طرد أمريكا والسعودية إلا من جيوب بسيطة غرب العراق. وتوجهت نحو لبنان لإقامة فتنة سنية شيعية أيضا، ودفعت عملاءها من أجل إشعال حرب داخلية تكون نهايتها القضاء على حزب الله، لكنها فشلت وقامت بمغامرة أخرى غير محسوبة عندما احتجزت سعد الحريري والذي هو بطل فلمها في لبنان. والنتيجة أن حزب الله أصبح أقوى، والحريري ومن معه فقدوا الكثير من تأييدهم الشعبي في لبنان.
أما المغامرة السعودية الكبرى فكانت في سوريا. لقد ضخت السعودية أموالا طائلة دعما للمعارضة وقدمت لها كل أنواع الأسلحة الأمريكية. عملت السعودية على إسقاط النظام السوري وعلى تقسيم سوريا وإقامة فتنة سنية شيعية، لكنها اندحرت في النهاية وذهبت أموالها للشياطين، ووقعت أغلب الأسلحة في أيدي الجيش السوري.
ومغامرتها في اليمن ما زالت مستمرة دون أن تتعلم أن انتصارها على الشعب اليمني مستحيل. إنها تستهتر بمقدرات الشعب العربي في الجزيرة العربية وتستهتر بمقدرات أهل اليمن وتمعن فيهم القتل والتشريد، ولا يبدو أنها ستتمكن من تقليص مستوى العلاقات بين إيران وحلفائها في اليمن. إنها تستنجد بأمريكا وبريطانيا لحسم الحرب في اليمن، لكنها تتورط ومن معها بالمزيد، ودون إعادة تفكير في هذه الحرب الهمجية المتوحشة العبثية.
حاولت السعودية حشد أمريكا والكيان الصهيوني ضد إيران عساهم يشنون حربا بالنيابة عنها. وكان في هذا التطلع غباء شديد. الصهاينة والأمريكان لا يشنون حروب الآخرين، بل حروبهم وحدهم ويجندون أنظمة بائسة مثل الأنظمة العربية لترسل جنودها إلى حروبهم. صحيح أن السعودية أثرت كثيرا على أوضاع إيران الاقتصادية والسياسية، وأرسلت إرهابييها إلى هناك، لكنها لم تستطع أن تنجز شيئا حقيقيا في زعزعة النظام الإيراني.
حاولت السعودية أيضا التخلص من النظام في قطر وحشدت معها دولا خليجية ودولا عربية أخرى فلم تتمكن، وبقيت قطر صامدة بمساعدة آخرين على رأسهم تركيا وإيران.
الغباء السعودي الأشد ظهر جليا وبدون رتوش تجميلية في قضية الخاشقجي. أولا، هذا إعلامي وكاتب يقول رأيه، وطالما خدم الأسرة السعودية ودافع عنها وجمّل جرائمها ومواقفها المتخلفة الإجرامية. حاول أن ينظف نفسه من أوساخ الماضي، فانقضت عليه الأسرة بوحشية. فكرت العائلة بقتل الرجل ووضعت الخطط والاستراتيجيات للوصول إلى الهدف، ثم نفذت. وقد كان التنفيذ في غاية السذاجة والجهل والبدائية والتخلف. لم يقم الفريق السعودي المجرم بأي خطوة نحو التخلص من الخاشقجي إلا ترك وراءه أدلة تشير إليه. كان الفريق في غاية الغباء بحيث أنه لا يعرف ولا يعي كيف يمحو الأدلة من خلفه. ومن هذا الفريق من هم مختصون بالبحث الجنائي.
الرجل قتل في القنصلية وأصروا في البداية أنه خرج من القنصلية على قدميه. العالم يضج من حولهم وتشير كل الأصابع إلى إجرامهم، وهم يتوهمون أن ترامب الذي أصبح مكبلا بسوء أعمالهم سينقذهم. لقد ورطوا أنفسهم ولم يتركوا للرئيس الأمريكي مجالا لمساعدتهم. هو بالطبع يتحفز لمد يد العون لهم وإخراج العائلة المالكة من مأزقها، لكنه محاصر كما وكلاؤه السعوديون.
وعندما أيقن السعوديون المالكون أن لا مفر لهم، أخذوا يتلاعبون بقصص متعددة حول مقتل خاشقجي داخل القنصلية وترفع من درجة الشكوك بضلوعهم في الجريمة. حتى الآن لم تتقن العائلة المالكة قصة معقولة يمكن أن تكون منطقية يقبلها الآخرون. فرواياتهم تؤكد أنهم أجرموا بحق الرجل، وكل همهم هو تبرئة محمد بن سلمان ولو على حساب الذين خضعوا لأوامر الفاسقين. ومنذ البداية، كان رأيي أن السعوديين سينشغلون في كيفية إتقان أكاذيبهم التي لن تخرج عن توصيات ميكافيللي.
لقد أثبت السعوديون صبيانية ومراهقة في تنفيذ عملية القتل، وهم الآن يثبتون صبيانية أكبر في قصصهم ورواياتهم المصطنعة حول قتل الرجل. وهم يتمادون بالمزيد ويعرضون أنفسهم لمزيد من الانتقادات العالمية بإصرارهم على عدم الإجابة عن أسئلة الرئيس التركي. لو كانوا عاقلين لأجابوا من اللحظة الأولى لأنه لا مفر أمامهم، ولا أحد يعرف عن مصير الجثة سواهم.
إنهم لا يستطيعون إتقان رواية ذات صدقية، والسبب أنهم يكذبون. والكاذب لا يستطيع ضبط روايته مهما حاول. ومن ضعف فطنة الملك أنه عين ابنه المتهم والذي تدور حوله الشكوك مسؤولا عن إعادة ترتيب أجهزة أمنية. وربما لا يعرف الملك أن ابنه هو المتهم الآن على الساحة الدولية لأن الثقاة الذين يتحدث عنهم ليسوا أمناء في قول الحقيقة. ومن كان استبداديا لا يمكن أن يستعين بحاشية من أهل الثقة. تاريخيا، حاشية الاستبدادي من المنافقين والكاذبين والشهوانيين البائسين.
واضح أن كبير آل سعود ضعيف الحيلة والمنطق كصغيرهم. استنجد ولي العهد الجاهل بأبيه ليتدبر الأمر، فظهر أن الأب ليس أكثلا علما ومعرفة. حاول الملك أن يكحّلها فعماها برواياته المستحدثة. فألا يوجد في السعودية رجل رشيد؟ موجود بالتأكيد لكنه في السجن أو دفنوه حيا أو فر من البلاد.
من غير المعقول ألا يتعلم السعوديون الدروس ويستخلصوا العبر بعد كل هذه الإخفاقات والهزائم والإحباطات. لقد فشلوا وفشلوا وفشلوا، وهم على ما كانوا عليه لا يغيرون ولا يبدلون. يتعلم الإنسان من أخطائه ولو بالتدريج، ومع السنين يتمكن من التغلب على غبائه وجهله ويبدأ بتكوين رؤية للأمور. لكن آل سعود لا يتعلمون، ويفضلون الانشغال بشهواتهم والأموال التي يبذرونها هنا وهناك بلا فائدة. وعلى شاكلتهم حكام العرب أجمعين الذين أعمتهم شهواتهم عن مصالح الناس وأسباب التقدم والنهوض.