في عالمِ الصراعاتِ الجيوسياسية، غالبًا ما تكون الاستعاراتُ البلاغية بمثابة أدوات قويةٍ لالتقاطِ جوهرِ نضالِ الأُمَّــة. ومع ذلك، فعندما يستخِفُّ البعضُ بالدورِ الذي يلعبُه اليمنُ في تحدي العدوانِ الإسرائيلي وحصارِه المفروضِ على غزة من خلالِ تشبيههِ بعصفورٍ يتحدّى نَسراً، فَــإنَّهم يفشلون في إدراكِ عمقِ الروحِ اليمنيةِ وأصالتِها.
دعونا نثبِتُ فشلَ مقارنتِهم بالتعمقِ في جوهرِ التحدي اليمني، وسَردِ ملامحِ التأثير الكبيرِ الذي أحدثتهُ عملياتُ القوةِ البحريةِ اليمنيةِ في الدفاعِ عن شعبِ فلسطين، بما تقومُ بهِ مِن مَنعِ مُرورِ سُفنِ كيانِ العدوّ الإسرائيلي في البحرِ الأحمر والبحرِ العربي وكذلك السفنِ ذاتِ الجنسياتِ المختلفةِ المُبحرةِ مِن وإلى موانئِ العدوّ.
أقولُ بدايةً، إن تقليصَ دورِ اليمنِ إلى دورِ عصفورٍ يتحدّى نَسراً هو تبسيطٌ مُبَالغٌ فيهِ لسردٍ غنيٍ بالمبادئِ والإرادَة والإحساس العميقِ بوجوبِ الانتصار للعدالةِ والتضحيةِ؛ مِن أجلِها.
فالتحدي اليمنيُ يتجاوزُ حدودَ الرمزيةِ المُجَـرّدة؛ لأَنَّهُ شهادةٌ على روحِ العزيمةِ التي لا تنضبُ للأُمَّـة التي ترفضُ الهوانَ. ولأنه أَيْـضاً تجسيدٌ لٍلإرادَة الجماعيةِ لشعبٍ تحمّلَ مصاعبَ هائلةً ومع ذلك تغلّبَ عليها.
إنَ استعارةَ أُولئك للنَسرِ ـ رمزِ القوةِ والهيمنة ـ جنباً إلى جنبٍ مع العصفورِ ـ الذي غالبًا ما يتمُ تصويرُه على أنه هَشٌّ وغيرُ مهمٍ ـ تفشلُ في تلخيصِ الطبيعةِ الحقيقيةِ لنضالِ اليمن.
فأجنحةُ اليمنِ ليست ضعيفةً؛ لأَنَّها مُحصّنةٌ بتاريخٍ وإرثٍ يمتدُ إلى قرونٍ مَضتْ في مواجهةِ الغزاة، وتستندُ إلى شعبٍ عظيمٍ نجا من عواصفَ لا حصرَ لها، وخرجَ منها بقوةٍ تفوقُ التوقعات.
دعونا إذن نستخدمُ نحن الاستعاراتِ البلاغيةَ اللازمةَ ليتمكّن أُولئك من استيعاب تأثير عملياتِ القواتِ البحريةِ لشعبِنا العزيز.
فليتصوّر الجميعُ هذا المشهد، حَيثُ عاصفةٌ رعديةٌ تلوحُ في الأفق، ثم ينهمرُ المطرُ بلا هوادةٍ، ولكنْ وسطَ العاصفةِ تتجذّر بِذرةٌ صغيرةٌ. قد يبدو الأمرُ غيرَ مهم، ولكن هناك ـ تحتَ السطح ـ ما يمنحُها القدرةَ على النموِ لتصبحَ شجرةَ بُـنٍ يمنيٍ عظيمةً، تمتدُ أغصانُها نحوَ السماء.
إنَ دورَ اليمنِ قد يبدو مثلَ تلك البذرةِ الصامدةِ صغيراً في مواجهةِ التحديات التي يواجهُها. ومع ذلك، ففي جوهرِها يكمنُ التصميمُ الذي لا يتزعزع على تحدي كُـلّ الصعاب.
وهكذا، قد يتحدّى العصفورُ النسرَ، لكنه بفضلِ روحِ الجهادِ في اليمن، يصبحُ صقراً ينهضُ من رمادِ الشدائدِ ويحلِّقُ بمرونةٍ وقوٍة.
صقراً يؤمنُ بأنَّ الوقتَ قد حانَ لردعِ العدوّ الإسرائيلي ولَجمِ طموحاتِه الاحتلاليةِ، فيجمعُ قُواهُ ليُحرّر غزةَ مِن قبضةِ الحصار.
صقراً يقتحمُ السماءَ ليغيّرَ مسارَ الأحداثِ والخذلان، ولا يهدأُ له بالٌ وهو يقتنصُ سُفنَ العدوّ أَو يمنعُ مرورَها مِن مياهِه، أَو يرقبُها بعينيين حادتين وهي تذهبُ بعيدًا وتغيّرُ مسارَها نحوَ طريقِ رأسِ الرجاءِ الصالح، تجرُّ معها أذيالَ الهزيمةِ والخيبةِ والخجل، وتتلقى فيه صفعاتِ أمواجِ المحيطِ المتلاطمةِ على وجوهِها.
صقراً يدركُ أنَ معركتَه ليست مُجَـرّد تحدٍ للاستعراض، بل هي رمزٌ للثباتِ والصمودِ، وشاهدٌ على أن العزمَ والإرادَة قادران على تحويلِ مَجرى التاريخِ لا مجرى السفنِ وحسب، وذلك بتركيعِ العدوّ الإسرائيلي ووقفِ عدوانِه الوحشي على غزةَ هاشمٍ وإنهاء حصارِه الجائرِ على أهاليها.
إن صدى دورِ اليمنِ هذا يتردّد اليومَ في جميعِ أنحاءِ العالم. ويتردّد في قلوبِ وعقولِ الأحرار وكذلك يتردّد في قلوبِ وعقولِ أُولئك المقهورين الذين يتوقون إلى العدالة.
صوتٌ ليسَ منفرِداً في هذا الدفاعِ المقدّسِ عن الشعبِ الفلسطيني، فجَوْقةُ الأصوات المتضامنةِ من محورِ الجهاِد والمقاومةِ تعزفُ معاً سيمفونيةَ النصرِ بألحانٍ متناغمة، فيشكلون قوةً لا يمكنُ إيقافها، قادرةً على تحدي أمريكا وإسرائيل ودولِ الشرِ في هذا العالمِ ومَن معها من دولِ الخيانةِ والتطبيعِ في الوطنِ العربي والعالمِ الإسلامي.
إن دورَ اليمنِ ليسَ تحدياً تافهاً، بل ملحمةٌ استراتيجيةٌ تتغلبُ على صَلفِ العدوّ الإسرائيلي والهيمنةِ الأمريكية.
كما أن قوةَ التحدي اليمني ليست وهماً فارغاً، بل قوةٌ ملموسةٌ ستشكلُ مسارَ التاريخ. يخطئُ مَن يستهينُ بها.
إنَ دورَ اليمنِ نورٌ في أحلكِ الليالي، يُرشِدُ الأُمَّــة إلى طريقِ حريتِها واستقلالها وعزتِها وكرامتِها. فمثلُ منارةٍ لا يمكنُ أن تنطفئَ، يَسطِعُ دورَ اليمنِ عبرَ ضبابِ القمعِ والاستسلام، ليدعو أحرار العالمِ إلى التوحدِ لوضعِ حَــدّ للعدوانِ على غزةَ والحصارِ الخانق.
وكما أنَّ شعلةً واحدةً يمكنُ أن تُشعِلَ ناراً في الهشيم، فَــإنَّ روحَ اليمنِ التي لا تتزعزعُ تشعلُ العاطفةَ في القلوبِ والشعوب، وتُوقِظُ ضميرَ العالمِ النائمِ وتلهمُه للعملِ على رفضِ الظلم.
وكما تصنعُ حَصاةٌ صغيرةٌ موجاتٍ تمتدُّ عبرَ محيطٍ شاسع، فَــإنَّ دورَ اليمنِ يصنعُ تأثيراً مضاعفاً يتردّد صداهُ إلى ما هو أبعدُ من حدودِه.
فهو يلهِمُ الدولَ لإعادة تقييمِ تحالفاتِها.
ويحفّزُ الأفرادَ على مراجعةِ مواقفِهم من حُكّامِهم الذين خانوا قضيةَ فلسطين.
ويطالبُ المجتمعَ الدوليَ بمواجهةِ المظالمِ المُستمرّة.
فيا أيُها الناطقونَ بالاستهجانِ والتحجيم، لا تُقلِّلوا من اليمنِ ودورِه، فهو سيكونُ ـ بإذنِ اللهِ سبحانه وتعالى ـ الدورَ الفعّالَ في وقفِ العدوانِ الإسرائيلي على غزةَ وإنهاء الحصار.
لا تستهينوا بإيمانِ وإرادَة أحرار اليمن، فبفضلِهم صارَ دورُ اليمنِ الركنَ الأهمَ في أركان النضالِ العربي.
لا تُحجِّموا قوةَ اليمن، فهي القوةُ التي ستنتصرُ رغمَ كُـلّ الصعاب، وهي القوةُ التي ستلجؤون إليها عندَ مواجهةِ الشدائد.
تذكّروا المثلَ الشعبيَ “من لا يعرفُ الصقرَ يَشويه” لتعلموا أن اليمنَ ليس عصفورًا كما تزعمون، بل صقرٌ حازمٌ ومُهيبٌ يَحمي الأُمَّــة.
فدعوا جناحَي صمودِه يرتقيان بكم عاليًا ليَصغُرَ في أعينِكم أعداؤكم.
انظروا إلى عينَيهِ لتستلهموا رؤيةً قرآنيةً تُرشِدُكم نحوَ بناءِ نهضتَكم.
تعلّمُوا من مِخلَبَيهِ كيفَ تَحموا أوطانكم وشعوبَكم مِن أي عدوانٍ أَو احتلال.
فاليمنُ يحملُ لكم الوعدَ الصادقَ بمستقبلٍ مُشرق، حَيثُ تنتصرُ العدالةُ، وتُستعادُ الكرامةُ، وتتحرّر فلسطين.