ما تمر به الأمّة الإسلامية في هذا العصر من احتلال وهيمنة يهودية، ليس إلا حصيلة لتراكمات من الثقافات المغلوطة التي حرفت مسارها الثقافي الأصيل، واستبدلته بمسارات أخرى مدجنة، لا تسمن ولا تغني من جوع.
ويتجلى في هذا الزمن خطورة تلك الثقافات المنحرفة مع ظهور أي حركة تدافع عن فلسطين، أو تطالب بتحريرها من قبضة اليهود، ولعل أبرز شاهد على ذلك ما يقوم به شيوخ السعودية وسائر الخليج من تكفير وشيطنة طرف معادٍ لإسرائيل، وتغاضيهم في الوقت نفسه عن المذابح الصهيونية بحق الفلسطينيين، وإن كان ضحاياها نسوةً وأطفال.
لقد نجح اليهود عبر التاريخ في اختراق الصف الإسلامي، والتحدث باسم الدين لضرب الأمة من الداخل، ليس من باب العبث بعقائدنا وحسب، بل وتمهيداً لهذا اليوم الذي نرى فيه اليهود يحكمون العالم، بعد أن أقنعوا المسلمين في التخلي عن دورهم المحوري في نشر الإسلام الصحيح الذي يكفل لنا تحرير البشرية كافة.
وهنا نورد بعض الشواهد على ذلك الاختراق: فالحركة الوهابية اليوم تقف بكل أذرعها إلى جانب إسرائيل؛ وتحرم الجهاد في سبيل الله ضدها وهذه الحركة تشكلت في النصف الأول من القرن الثامن عشر على يد داعية نجدي اسمه محمد بن عبدالوهاب، ولكن تحت تشجيع وإشراف مستشرق بريطاني يُدعى “المستر همفر”، وقد نشر الأخير مذكراته لاحقاً، وشرح فيها كيف أقنع النجدي بإعلان حركته المشؤومة.
وفي مراحل متقدمة من التاريخ الإسلامي، تمكن الكثير من أمثال مستر همفر في تحريف عقائد المسلمين عبر دس الآلاف من الروايات اليهودية، المعروفة باسم: “الإسرائيليات”، حتى غدت اليوم جزءاً من تراثنا الثابت، وقد يتعرض المشككون فيها للتكفير حتى لا تستقيم مسيرة الأمة التحررية.
فنجد مثلاً أن اليهودية دين سماوي، وأن موسى عليه السلام كان يهودياً، رغم أن الله عز وجل قد نفى ذلك مراراً في كتابه، حتى على لسان موسى نفسه عندما قال: “وقال موسى ياقومِ إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين” سورة يونس 84.
إضافةً إلى كل ذاك، فالتاريخ الذي يدرسه العرب ويدرسونه في مراكزهم ووسائلهم التعليمية، يعتمد بشكل رئيسي على الرواية الإسرائيلية للتاريخ، ومن هنا نجد أن القدس أقدم من مكة، وأن الفراعنة لقب لكل ملوك مصر، وأن بناة الإهرامات من بني إسرائيل، وأن العبرية لغة مستقلة بذاتها، وغير ذلك الكثير من المفاهيم والمصطلحات التاريخية والاجتماعية المحرفّة.
لقد تكفل القرآن الكريم بتصحيح كل تلك الخرافات والأكاذيب، وعلى المسلمين اليوم أن يرجعوا إليه فقط كي يميزوا بين الغث والسمين، وأن يحتكموا إلى كلام الله للتفريق بين الحق والباطل، لا للسائد أو العتيق من العقائد والأفكار.
وفي حال رجعت الأمة إلى كتابها، ستعرف من هم حماتها في هذا العصر، فقد تكفل الله عز وجل بخلق ورثة لكتابه في هذا العصر وكل عصر يسيرون على هديه ولا يتخلفون عنه، وبهم لا بغيرهم ترتفع راية الحق وتنتصر الأمة وتصان الحقوق والحريات.
* نقلا عن : السياسية