منذ أكثر من 110 أيام يتحدثون عن شهداء غزة، وعن مجازر غزة، وعن عدم سماح الصهاينة بدخول شاحنات الغذاء والدواء، وعن عدد المباني السكنية التي تهدمت، لكن لم يتحدث أحد عن أمهات غزة، أمهات الشهداء. عن شعورهن حين يصلهن نبأ استشهاد أبنائهن.. عن مشاهدتها لعملية إخراج العالقين من تحت الأنقاض، وعن انتظارها بجانب الأنقاض تنتظر خروج طفلها وهي تتمسك بآخر أنفاسه. وعن الأكفان الجماعية التي تتسع لأسر كثيرة وأطفال كثيرين.

الأمهات هن أساس الوجود، وهن أساس التربية، فكل هؤلاء المجاهدين ربتهم أمهاتهم أكثر مما رباهم آباؤهم. أما الأمهات اللواتي يتلقين نبأ استشهاد أبنائهن بكل ثبات وصبر وتماسك فلا أستطيع أن أقول حرفاً واحداً عنهن، لأنني أنظر إليهن كما أنظر إلى جبل نقُم...

الأمهات هن اللواتي يتحملن كل عذابات الدنيا من أجل أبنائهن، أما الرجل فيعتقد أن عليه تأمين المأكل والملبس لأطفاله فقط، وكأنه قد قام بواجبه على أكمل وجه.

يوقظه طفله ببكائه، فيقول لزوجته: سكّتي ابنك وإلا ارميه من الشباك.

تأخذه الأم في حضنها وتمشي في الصالة حتى يهدأ، بينما الأب يعود إلى نومه دون أن يسأل عن سبب بكاء ابنه.

دائماً يرددون البيت الشعري الذي قاله الشاعر المصري حافظ إبراهيم: “الأم مدرسة إذا أعددتها، أعددت شعباً طيب الأعراقِ”. إعداد إيش؟

يريدون أن ينسبوا كل شيء إلى الرجل!

الأم لا تحتاج إلى أن يقوم رجل بإعدادها، لأنها هي التي تصنع الرجال، وهي التي تقوم بتربيتهم. فالذي يحتاج للإعداد هو الرجل الذي تربيه امرأة، وتسهر عليه بينما أبوه نائم.

فحين يصيبنا المرض والحمّى، ننسى كل الأدعية وكل التمائم، ونقول: يا أماه.

كلما حاولت أن أتحدث عن الأمهات اللواتي فقدن أبناءهن، فإن هذا الأمر يجعل أصابعي ترتعش وتفقد بوصلتها.