بين عشية وضحاها، ومع إرهاصات الهزيمة «الإسرائيلية»، خرج علينا مجموعة زعماء عرب، الأول يحشد جيشه، والآخر يهدد ويندد، والثالث ينزل المساعدات بنفسه... الخ!
وفي نظري أن هذا التحول المفاجئ ليس صحوة ولا صدفة، فهو دور مخطط له لأهداف عدة، منها:
التهيئة لقابليتهم لدى شعوب وجماهير أمتنا ليكونوا بديلا لقادة محور المقاومة، وليسدوا الفراغ الذي تتلهف الجماهير العربية لسده، بعد أن طغت سمعة قادة الجهاد والمقاومة وتدنست سمعة الزعماء والحكام.
الشيء الآخر، وهو ما يجب أن ندركه جميعا، أن العدوان العسكري على غزة فشل في تحقيق أهدافه، المتمثلة في منع تهديد حماس وبقية الفصائل المجاهدة مستقبلا لكيان العدو، واستعادة الأسرى الصهاينة. ونتيجة للعجز عن تحقيق أي منها أصبحت «إسرائيل» بحكم المهزوم عمليا ولم يتبقَّ سوى أن تعلن الهزيمة.
إلا أن أمريكا أرادت أن ينتهي العدوان بتسوية سياسية تحقق ضمانة من تكرار ما حصل في 7 تشرين الأول/ أكتوبر، وتستعيد بموجبها الأسرى الصهاينة، وتكون مبررا لتطبيع السعودية بشكل علني، وتقلل من فاعلية ودور محور المقاومة والفصائل الفلسطينية في تحقيق هذا الانتصار.
فدفعت بالإمارات والسعودية وبعض الدول العربية للاجتماع في الرياض، ومعهم منظمة التحرير الفلسطينية، لبحث تسوية تقضي بحل الدولتين، وتقضي بتطبيع النظام السعودي، وتكون السلطة الفلسطينية هي الممثل الشرعي لفلسطين في التسوية، أما فصائل المقاومة فهي بين خيار القبول بالتسوية فتكون مجرد تابع لا قرار له، أو رفض التسوية فيتم عزلها واتهامها بأنها تعرقل السلام.
غير أن هنالك مشكلتين تعترضان هذه المؤامرة: الأولى هي: الأسرى المتواجدون في قبضة المجاهدين الفلسطينيين، الذين يمثلون ورقة ضاغطة على العدو وورقة رابحة للمقاومة ولن تفرط المقاومة فيهم مهما تآمروا.
المشكلة الأخرى: أن هذه الزعامات التي يريد الأمريكي تمرير هذه التسوية عبرها هي شخصيات مرفوضة في الشارع العربي والفلسطيني خصوصا، نتيجة تواطئها مع العدو ولم تسجل أي موقف إيجابي منذ بدء العدوان، فكان لا بد من تهديد «إسرائيلي» باقتحام رفح، والضغط على حماس لتسليم الأسرى والقبول بالتسوية ومحاولة انتزاع اعتراف فلسطيني جديد بالعدو «الإسرائيلي»، وفي المقابل يدخل ابن سلمان وابن زايد والسيسي على خط منع اقتحام رفح، بحيث يُمنحون دورا بطوليا باعتبارهم من حققوا الانتصار، وبما يهيئ الرأي العام العربي لقبول ما سيقررونه مستقبلا في الشأن الفلسطيني.
النتيجة ستكون سرقة انتصار فصائل المقاومة ومحور المقاومة، وتصوير تطبيع النظام السعودي بأنه عمل خيري لمنفعة غزة وأهل رفح، وإيجاد خلاف فلسطيني داخلي؛ لأن هنالك من سيؤيد حل الدولتين وهنالك من سيرفضه. ومن يعارض من محور المقاومة والجهاد فسيقدمه إعلامهم بأنه لا يريد وقف القتال ولا يحب السلام. في المقابل سيقدم الإعلام الشكر للسعودية والإمارات والسيسي و... و... لأنهم من أنهوا الحرب وأوقفوا العدوان على رفح وعلى غزة.
والأهم في الموضوع أنه بدلا من هزيمة «إسرائيل» بشكل واضح ستخرج رابحة، لأنها ستنجو من الورطة التي تورطتها في غزة، وتطلق أسراها .وأي اعتراف بها تنتزعه من أي طرف فلسطيني هو مكسب جديد.
وفي الواقع لن تنسحب من أي مكان احتلته، ولن تسلم شبرا واحدا للفلسطينيين، بل ستماطل وتنقض الاتفاقيات، كما فعلت عقب اتفاقية أوسلو 1993.
نخلص إلى أن التهديد «الإسرائيلي» لمدينة رفح يأتي بتنسيق مع هذه الزعامات التي تحول موقفها بشكل مفاجئ، وهو بمثابة تهيئة لمنح هذه الزعامات العربية عملا بطوليا يجمل وجهها ويهيئها للعب دور سياسي مستقبلا لصالح «إسرائيل»، كما يهدف إلى ابتزاز فصائل المقاومة والجهاد لإطلاق الأسرى وتقديم تنازلات للعدو.
ولا يستبعد أن ينفذ العدو إجرامه بحق النازحين في رفح بالذات في ظل هذا التواطؤ المكشوف والاتفاقات المسبقة مع زعماء التطبيع.
* نقلا عن : لا ميديا