مع ثورة التواصل الاجتماعي يستطيع كل فرد أن يكون إعلامياً ويعبر عن رأيه، أو يدافع عن القضية التي يؤمن بها كقضية فلسطين، التي أكبر مظلومية في عصرنا الراهن.
ولا شكّ أنَّ كل صوت في هذه المرحلة له قيمته في مواجهة هيمنة الصهيونية على الإعلام العالمي، وكلُ صوت مناهض لإسرائيل هو محل ترحيب المسلمين كافة في العالم أجمع.
في مواجهة هذا التوجه الشريف يعجز العدو الصهيوني عن إسكات كل الأصوات المناهضة له، إلا أنَّ فئةً محسوبة على العرب تؤدي الدور نيابةً عنه، ألا وهي فئة المدققين اللغويين، الذين لا همّ لهم سوى التفنيد للآخرين حسب حركات الإعراب وقواعد الإملاء.
وبدلاً من أن يركز الناشط على موقفه السليم، بات يخشى على عباراته من سطوة الرقيب النحوي، لدرجة جعلت العديد من الكتاب يعزفون عن الكتابة، ويكتفون بالمتابعة من بعيد، وذلك ما يريده العدو بالضبط.
لقد تحول التدقيق النحوي إلى إرهاب مبالغ فيه، ويسعى ممارسوه إلى إسكات الآخرين دون الحاجة إلى الرد أو تفنيد مواقفهم السياسية، كما لم يعد الأمر حكراً على دهاقنة الفصحى، بل امتد ليشمل عامة الناس، فكل من بات يفرق بين المنصوب والمرفوع والهمزة المتطرفة من الهمزة على السطر، يبدأ بتخطئة الآخرين وكسر هممهم، في مرحلة حساسة تحتاج إلى مواقف عملية، حتى وإن كانت على مواقع التواصل.
ليس بالعربية وحسب، فالأمر يتعداه إلى سائر اللغات، مع العلم أن مظلومية الشعب الفلسطيني تحتاج إلى تعميم وتوعية على مستوى العالم، وبكل اللغات، ولا ضير في أن يكون الناطق أو الكاتب بهذه اللغة غير متقنٍ لها، فلا أحد في العالم يستطيع أن يتقن لغةً أخرى كما يتقنها أبناؤها، ولا عيب في ذلك على الإطلاق.
ولا يختلف حال ذلك المراجع اللغوي عن حال الفقيه المثبط، أو الشيخ المتخاذل، فكل نتاجهم يصب في بوتقة واحدة، وهي خدمة الصهيونية العالمية، ولتبقى جرائمها باقية بحق أبناء الأمة.
ينبغي التركيز على جواهر الأمور ومضامينها، وتوجيه كل الرأي العام إلى مكانه الطبيعي، ضد اليهود وجرائمهم، فكل موقف مناهض لإسرائيل هو موقف بطولي يجب أن يستمر، وأن تبنى عليه مواقف أخرى أكثر عملية، لا أن نتراجع بسبب التركيز على توافه الشكل والظاهر.
نقلا عن : السياسية