عشرون عاماً مضت منذ استشهاد الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي (رضوان الله عليه)، وهو حاضرٌ في وجداننا ومتجذِّرٌ ببصماته الجهادية في أعماقنا، وجاعِلٌ من المشروع القرآني الذي قدَّمه للأُمَّـة، مساراً لها في ثقافتها وهُــوِيَّتها وجهادها؛ لتمكينها من التصدي لأعداء الله وأعداء البشرية، طغاة ومستكبري هذا العصر (أمريكا و”إسرائيل” ومن تحالف معهم).
ومن المفارقة الملفتة أن غياب هذا الرجل العظيم، لم يكن إلَّا جسداً، فقد كان وما يزال حضوراً يتنامى ويتجدد ويتوسع مع الأيّام والأعوام؛ فهو اليوم حاضر بقوة بعظيم مسيرته الجهادية وتضحياته الكبيرة التي قدمها مع أنصاره قرباناً إلى الله -سبحانه وتعالى- ولأجل الأُمَّــة بأسرها.
الشهيد القائد قدم مشروعاً قرآنياً للأُمَّـة في مرحلة، هي الأكثر خطورة عليها وفي تاريخها، مرحلة برزت أمريكا و”إسرائيل” والصهيونية كرؤوس شيطانية تقود الكفر والفساد في العالم، وهي مرحلة أتت نتاج سيناريو مؤامرة أعدوا لها سلفاً، وكان لأحداث الحادي عشر من سبتمبر ٢٠٠١م المفتعلة، إشارة للبدء والمبرّر لقيام أمريكا وحلفائها ومن خلفهم اللوبي الصهيوني بشن الحرب والعدوان على أفغانستان واحتلالها، ومن ثم فتح الباب للتوسع في استباحة البلدان العربية والإسلامية وشعوبها بالغزو والقتل والدمار ونهب الثروات كما حدث في العراق في حينه؛ لذا فَــإنَّ تحَرّك الشهيد القائد من خلال المشروع القرآني أتى متزامناً مع هذه الأحداث، وفي ظل هذه الأخطار التي تحاصر العالم الإسلامي وتوشك أن تقضي عليه، فوضع من خلال المشروع القرآني حلولاً للأُمَّـة للتخلص من مأزقها والسبيل الوحيد لقهر أعدائها، فخصص لهذا الجانب في إطار مشروعه القرآني الشامل العديد من المحاضرات والدروس التي ألقاها وهي المعنونة بـ (الإرهاب والسلام -خطر دخول أمريكا اليمن -خطورة المرحلة -الشعار سلاح وموقف -الصرخة في وجه المستكبرين -يوم القدس العالمي)، تلك المحاضرات والدروس للشهيد القائد قدم من خلالها حلولاً ضمن حل شامل ودقيق لمشكلة الأُمَّــة وأزماتها وأوجاعها وهزائمها أمام أعدائها، فكانت هذه الحلول شاملة متكاملة أتت من القرآن والتوجيهات الإلهية السليمة، وتحَرّك الشهيد القائد في إطار هذا المشروع العظيم بدءًا من تصحيح الثقافات والمفاهيم المغلوطة والتي كانت تسود وتتغلغل في أوساط الأُمَّــة وغزت المسلمين وتراكمت ونمت عبر الزمان وأدت إلى حالة مزرية أوصلت الأُمَّــة إلى ما هي عليه اليوم، والتي كان للصهيونية العالمية والإمبريالية الأمريكية والغربية، الدور الأَسَاسي فيها.
أمريكا تزعمت مؤامرة استهداف العالم الإسلامي بدفع مباشر من الصهيونية العالمية، وقد تم وضع مخطّطات خبيثة ضمن استراتيجيات مرحلية وبعيدة المدى كانت وما زالت تسير وفق مراحل وفي إطار أحداث مفتعلة وسياسات مفروضة لترسيخ الهيمنة والسيطرة الأمريكية والصهيونية على الأُمَّــة الإسلامية وبلدانها وتفتيت بنيتها ومقدراتها ونهب ثرواتها، وقد شهد الواقع والأحداث في حينها وإلى اليوم حقيقة هذا التوجّـه العدائي لأمريكا والصهيونية.
الشهيد القائد كقرين للقرآن وعَلَمٍ من أعلام الهدى من آل بيت رسول الله -صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ وَسَلَّـمَ-، وفي أوساط ذلك المشهد وتلك المرحلة قدم المشروع القرآنيَّ طوقاً لنجاة الأُمَّــة مما هي فيه ومما تعاني منه، فكشف حقيقة المشروع الصهيوأمريكي وخطورته البالغة على الدين الإسلامي والأمَّة الإسلامية، وكيفية الخلاص من التبعية والهيمنة الأمريكية الصهيونية وغيرها؛ فأمريكا التي وجدت لها ذريعة للتدخل العسكري في ضرب البلدان الإسلامية بعد أحداث ١١ سبتمبر، وأطلقت مصطلح (الإرهاب ومنابع الإرهاب وجذور الإرهاب)، على كُـلّ من يعارض أَو يتصدى لمشروعها في العالم العربي والإسلامي وتحَرّكت حينذاك مع حلفائها لتشن حروباً عدوانية وصليبية وتحت يافطات وعناوينَ مصطنعة ومضللة انطلت على العالم، ولم تنطلِ على حليفِ القرآن الشهيد القائد الذي قال في محاضرة “الإرهاب والسلام”: «إن أمريكا هي التي تصنعُ الإرهاب للناس جميعاً، وإن اليهود هم من يفسدون في الأرض ومن يسعى في الأرض فساداً، هو من يصح أن يقال له إنه إرهابي إرهاباً غير مشروع»، وقال -رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْـهِ-: «إن كلمة (ترهبون) قد فسَّرها الأمريكيون تفسيراً آخرَ غير التفسير القرآني لها؛ فمن انطلق ليتحَرّك على أَسَاس هذه الكلمة القرآنية فَــإنَّه قد أعطى للأمريكيين شرعية أن يضربوه وَإذَا ما سمعنا عن كلمة جذور إرهاب ومنابع إرهاب فَــإنَّ علينا أن نتحدثَ دائماً عن اليهود والنصارى كما تحدث الله عنهم في القرآن الكريم من أنهم منبع الشر ومنابع الفساد وأنهم من يسعون في الأرض فساداً وحينئذ سننتصر وأنه لنصر كبير إذَا ما خضنا معركة المصطلحات وَإذَا سمحنا لهم أن ينتصروا فيها فَــإنَّنا سنكون من نضرب ليس في معركة المصطلحات بل في معركة النار».
الشهيد القائد لم يتوقفْ عند كشف مخادعة ومكر أمريكا والصهاينة في حرب المصطلحات فقط، بل إنه كشف من خلال المشروع القرآني خفايا الاستراتيجيات الأمريكية الصهيونية، وهو ما ظهر منها في تلك المرحلة مثل أحداث ١١ سبتمبر وغزو أفغانستان والعراق وزرع تنظيم “القاعدة” في أفغانستان والمنطقة، ثم إيجاد المبرّرات لشن حروبه هنا وهناك بدواعي محاربة “الإرهاب والإرهابيين”، ثم لاحقاً ما كشفت عنه الأيّام والأحداث المتوالية إلى ما وصلت إليه أمتنا وبلداننا في هذه المرحلة.
في اليمن كانت أمريكا والصهاينة قد وضعت خططها التآمرية وفق استراتيجيتها الخَاصَّة، وتحَرّكت عبر السلطة السابقة العميلة، إلى إخضاع البلد والسيطرة والهيمنة عليه، وقد نجح الأمريكان في ذلك إلى حَــدٍّ كبير جِـدًّا، في الاستحواذ الكامل على القرار السياسي والتحكم في كُـلّ مفاصل الدولة حتى بات البلد وشعبه مرتهناً لهم وخاضعاً وتحت سيطرتهم، وكان الشهيد القائد يعاصر هذا المشهد حتى دق ناقوس الخطر وحذر منه وتحَرّك بالمشروع القرآني، ففي إحدى محاضرته المعنونة بـ«خطر دخول أمريكا اليمن» بيَّنَ من خلالها كُـلّ تلك التفاصيل التي تكشف أساليب الخداع الأمريكي وخيوط اللعبة الأمريكية للسيطرة على اليمن، والتي ظهرت لاحقاً كحقائق لمسها وعاشها الشعب اليمني في حينه، وحتى بدت اليوم ساطعة كالشمس بعد الوصول إلى خوض أحرار هذا الشعب المعركة المباشرة معه في البحر الأحمر؛ فقد كان الشهيد القائد يؤسس من خلال دروسه ومحاضراته للأُمَّـة بناء شامخاً للوعي والبصيرة ويشق طريقاً ليمهد للأُمَّـة تحَرّكها الصحيح في التصدي للأعداء، واليوم تتضح الكثير من الحقائق وتتجلى عظمة وجدوائية هذا المشروع الذي تميز بشمولية عابرة لإطاره الجغرافي وبُعده الاجتماعي والثقافي والجهادي في اليمن، وامتد هذا المشروع بعون الله وتوفيقه وتضحيات الشهداء العظماء وفي مقدمتهم الشهيد القائد، إلى النطاق الإقليمي والعالمي.
قبل ٢١ عاماً عندما أطلق الشهيد القائد المشروع القرآني كانت أولى محاضراته «يوم القدس العالمي» وهي من المفارقات التي تحتاج معها اليوم إلى التأمل على عظمة هذا المشروع ومدى صوابية الرؤية للشهيد القائد والتوفيق الذي حظي به من الله سبحانه؛ فعمق ما كان بالأمس تجسدت دلالاته وحقائقه اليوم، فحين كانت القدس وفلسطين هي القضية والأولوية ومكامن الوجع وموقع الخطر لدى الشهيد القائد باتت اليوم هاجس السيد القائد «يحفظه الله» وبُوصلةَ الشعب اليمني المناصر والمساند للشعب الفلسطيني الذي يُرتكَبُ بحقه من قبل الصهاينة والأمريكان أبشع الجرائم والإبادة الجماعية، وأن من يلاحظ اليوم الأحداث والمتغيرات التي تتوالى على الأُمَّــة وما ستؤولُ إليه معركةُ أحرار هذه الأُمَّــة ضد الكيان الصهيوني والعدوّ الأمريكي والبريطاني، يجد تلك التجلياتِ العظيمةَ لِما أحدثه المشروعُ والمسيرةُ القرآنية في اليمن الذي صمد شعبُه وقائدُه وتحدَّى “إسرائيل” وأمريكا وبريطانيا، وأذهل وأرعبَ، وآثرَ ونصرَ المستضعَفين في غزةَ وانتصر.
صحيفة المسيرة| محمد يحيى السياني