تعتمد أمريكا والمتحالفون معها سياسة الحرب واشعالها وسيلة وغاية في إطار استراتيجية (الفوضى الخلاقة) التي تدمر الجيوش والدول لصالح إعادة إعمارها لمصلحتهم، لأنهم يمتلكون شركات إنتاج وتصدير السلاح، ولا يمتلكون مشاريع بناء الإنسان فكرا وثقافة وأخلاقا وسلوكا، لذلك يعملون على تحطيم القيم والمبادئ والأخلاق ونشر الانحلال والتفسخ والمثلية والشذوذ، ورغم أن السعودية والإمارات وغيرهما من الدول المنظومة في الحلف بدأت مسيرتها على أساس ديني مما جعلها تحظى بالقبول، إلا أن ذلك لم يستمر وتتابعت الأحداث حتى تحولت إلى النقيض تلبية لتوجيهات الرعاة الرسميين لإنشاء تلك الإمارات والدول، فأحلوا ما حرموه بالأمس، وأباحوا ما حرم الله.
كانت السياسة السعودية تجاه اليمن تستميل مراكز النفوذ والوجاهات الاجتماعية لضمان تحقيق مصالحها، والسيطرة على القرار الرسمي والشعبي، ومع تطور الحراك الاقتصادي ونمو الرأسمال الإماراتي بفعل التمويلات اليهودية، والهندوسية من جهة، ومن جهة ثانية ازدهار حركة البضائع هناك، بدأ التزاحم في شراء الولاءات من أجل السيطرة بين السعودية والإمارات، إثر التنافس بين الوكيلين الرسميين للحلف الصليبي الصهيوني على مجمل الحراك السياسي والاقتصادي والاجتماعي في اليمن، ومن حين لآخر وجدنا أنهما يتفقان على تصفية حساباتهما واختلافاتهما بسفك دماء أبناء اليمن، سواء بالأساليب المباشرة أو بواسطة الوكلاء والعملاء والخونة الإمارات استأجرت القتلة والمجرمين بواسطة شركة أمنية يديرها عملاء الموساد، والسعودية نظرا لتجذر علاقتها تمتلك شبكات متعددة المهام في كل المجالات، وكلما برز فصيل وطني أو وجاهات اجتماعية تغلب المصلحة الوطنية، تناوبت الشبكات الإجرامية على تصفيتهم وتحذير الآخرين من ذات المصير إن هم ذهبوا بعيدا عن تلك الأسس التي رسمها دهاقنة ساسة (الحديقة الخلفية)، ورغم أن اليمن تعتبر هي العمق الاستراتيجي للخليج العربي والجزيرة العربية، إلا أن كل السياسات التي اعتمدها (الأشقاء الأشقياء) كدول، هي تحطيم عوامل القوة والنهوض وعوامل التوحد والتكامل بين مكونات المتجمع اليمني، تارة تحت مسمى الجهوية (شمال وجنوب) أو تحت مسمى ديني (شيعي وسني وزيدي وشافعي) وغير ذلك من المسميات الهادفة إلى تقويض الوحدة الوطنية من أجل السيطرة والتوغل، وممارسة دور الوصاية والقيادة.
وكلما تجاوز أبناء اليمن المخططات التآمرية وأسقطوها، ظهر المستكبرون بوجوه جديدة وحلقات تآمر أخرى، حتى بلغ الأمر ذروته ولم تجد كل تلك المخططات، اعلنوا الحرب، وشكلوا التحالف وأعانهم من نصبوهم حكاما وأمراء بالأسلحة والقرارات الدولية، ليشنوا عدوانا على اليمن في حرب استمرت تسع سنوات من المواجهات العسكرية برا وبحرا وجوا، فرضوا الحصار البري والبحري والجوي، مستهدفين تحطيم الإرادة وإثبات تفوقهم وإفراغ مخازن الأسلحة المكدسة لديهم مقابل توريد النفط للغرب وشراء الأسلحة وتشغيل الأيدي العاملة هناك وتكديس الثروات لدى البنوك التابعة لهم.
سعى الحلف لتدارك التدخل المباشر أو الاشتباك مع الجيش اليمني وركز كل هجماته على تدمير البنية التحتية من خلال هجماته الجوية التي بلغت أكثر من 274.302 غارة، وحينما يضطر للمواجهة فإنه يستعين بالمرتزقة والعملاء، لأنه يدرك فداحة المواجهة المباشرة، استأجر الجنود من السودان وغيرها، ومرتزقة شركة بلا ووتر وغيرها وقدم الخبراء والغطاء الجوي، وقضى على حلفائه قبل أعدائه تحت ذرائع (نيران صديقة)، دمرت كل تلك الغارات المنشآت الحيوية التي لا علاقة لها بالأهداف العسكرية مما يعني أن الهدف أولا وأخيرا هو تدمير البنية التحتية للنهوض والتقدم، فالمساكن التي دمرت أكثر من نصف مليون على من فيها وبلغ إجمالي الضحايا أكثر من خمسين ألف شهيد، موزعين على الفئات أكثر من أربعة آلاف طفل، والفين وأربعمائة وست وثمانين امرأة والبقية من الشهداء المدنيين، أما الجرحى فبلغ عددهم (31.644) منهم خمسة آلاف طفل، وثلاثة آلاف امرأة، والبقية من المدنيين ومن القوات المسلحة والأمن، وفي سعيه للقضاء على التعليم استهدف العدوان (186) منشأة جامعية ودمر (1331) مدرسة ومركزاً تعليمياً و(427) مستشفى ومركزاً صحياً وتدمير (1843) مسجدا وحظيت المزارع والحقول بنصيب أوفر حيث دمر (12.775) مزرعة وحقلاً واستهدف (10.000) وسيلة نقل و(1000) شاحنة غذاء، و(712) سوقاً تجارياً و(484) ما بين مزرعة دواجن ومواش و(493) قارب صيد، ودمرت الغارات (354) محطة ومولداً كهربائياً و(434) محطة وقود، وفي سعيه لتحطيم التواصل بين المدن وعواصم المحافظات استهدف (7.940) من الطرق والجسور و(15) مطارا و(16) ميناء و(647) من شبكات ومحطات الاتصال ودمر (3332) خزاناً للماء و(2155) منشأة حكومية و(417) مصفاة متعددة الأغراض وأيضا (276) موقعاً للآثار و(146) منشأة رياضية و(67) منشأة إعلامية، وفي تحليل أهداف العدوان نجد أنه حقق أكبر قدر من الإجرام باستهداف المنازل على رؤوس ساكنيها، نصف مليون منزل تم تدميرها، وفي المرتبة الثانية المزارع والحقول (12.775) ووسائل النقل والمواصلات (10.000) والطرق والجسور (7940) مما يؤكد أن توجهات الحلف ليست كما يدعى أنها لحماية ما تسمى بالشرعية، وإنما لتدمير اليمن وتدمير قواعد البناء والتحضير من جامعات ومدارس ومستشفيات، وطرقات ومقومات النهوض الاقتصادي من مزارع وحقول وأسواق ووسائل نقل وحتى الأماكن الأثرية لم تسلم وكذلك المساجد ودور العبادة سواء الأثرية أو غيرها.
إن الإدارة الاستعمارية الجديدة المتمثلة في السعودية والإمارات، تريدان الاستعمار المربح، فالسعودية تمول الجناح التابع لها من خلال استثمار عائدات الحقول النفطية اليمنية التي استولت عليها، وكذلك الإمارات تمول جناحها من خلال الاستيلاء على الثروات والموانئ والجنود، ومن خلال الاحتفاظ بأرصدتهم في بنوكها ولتحقيق التبعية المطلقة فإنها تحتفظ بأسر وعائلات من يعملون لصالحها لديها ولذلك فإن القرار السياسي اليمني مأسور ومحاصر في الرياض وأبوظبي وسيظل كذلك مادام الاستعمار الجديد على شروطه ويتحكم في شؤون اليمن، ولكن ذلك لن يستمر طالما هناك وعي وإرادة وعزم وتصميم على إزالة تلك السياسات الإجرامية في حق شعب عظيم يحمل القيم والمبادئ والإرث الحضاري الممتدة جذوره عبر آلاف السنين سواء في الجاهلية أو الإسلام، شعب مارس الديمقراطية وبنى السدود ونشر الإسلام ولبى دعوة خاتم المرسلين صلوات الله عليه وآله الطيبين الطاهرين.