بعد العدوان "الإسرائيلي" على القنصلية الإيرانية في سورية، بما يخالف كل المواثيق والقوانين الدولية، ماذا كان موقف أمريكا؟
أمريكا ترفض إدانة هذا العمل العدواني الإجرامي الصهيوني، بقرار لمجلس الأمن الدولي.
أمريكا ترفض الرد الإيراني المشروع والمؤكد عليه كحق في ميثاق الأمم المتحدة، وتبرر ذلك بكون أمريكا لا تريد حرباً إقليمية قد تسير إلى العالمية ولا تريد توسعة الصراع في المنطقة كما تزعم.
إيران سارت في حقها الطبيعي والمشروع في الرد كما تابعنا، والإعلام الأمريكي والغربي قال إن أمريكا و"الناتو" والكيان الصهيوني انتصروا على إيران وأسقطوا 99% من المسيرات والصواريخ الإيرانية.
ما داموا انتصروا كما يزعمون فالوضع انتهى وفق زعمهم الانتصار، والهزيمة لإيران، أما إذا الكيان يريد رداً على الرد الإيراني فذلك أن إيران هي التي انتصرت وأمريكا والغرب والكيان نالتهم الهزيمة.
ما موقف أمريكا بعد الرد الإيراني؟
بداية قالت إنها ليست مع أن يرد الكيان، ويقال إن "بايدن" هاتف المتطرف والمجرم "نتنياهو" ومنعه من تنفيذ قرار كان اتخذ من مجلس الحرب بالرد. هذا الموقف سرعان ما انحدر أو تراجع لتصبح أمريكا مع رد تصفه بالمحدود ضد إيران، لتصبح أمريكا الرافضة لإدانة عدوان إجرامي إرهابي بكل المقاييس مع رد هو الإرهاب والإجرام، بل وترسل الرسائل والوسطاء إلى إيران لتقبل بهذا الرد البسيط والمحدود.
أمريكا هنا تبحث عن نصر وإن "شكلي" للكيان الصهيوني، وهذا يؤكد من جديد أن أمريكا وقوى الغرب قاطبة والكيان الصهيوني انهزموا في الرد الإيراني ويبحثون عن انتصار شكلي يحفظ ماء الوجه، وبغض النظر عن المشروعية، وإلا لماذا هذا التوسل والاستجداء المذّل للجمهورية الإسلامية الإيرانية ما داموا انتصروا في مواجهة ردها، وفق زعمهم؟!
في جانب مهم للتفاعلات مع تداعيات الهجوم الإجرامي على القنصلية الإيرانية نسأل أولئك الذين هجوا وهاجموا إيران بكونها جبانة ولا تحارب إلا بالأذرع والوكلاء، نسألهم ليقارنوا جبن إيران بجبن أمريكا والغرب وما تسمى "إسرائيل"، ونحن نتحدث عن ذلّ وإذلال وليس فقط "جبن" في تعامل أمريكا والغرب و"إسرائيل" في توسل واستجداء تقبل رد صغير ومحدود وألا ترد عليه.
هؤلاء أكدوا بالأفعال والتفعيل أنهم صهاينة أو متصهينون، أكانوا من اليمن أو من أي بلد عربي. هذا التوصيف هو نتيجة ومعطى لأفعال وتفعيل هؤلاء، وليس توصيفا منا أو وصماً من واقع خلافات أو صراعات سياسية.
التصهين بات يأخذ توصيفه من خلال أفعال وتفعيل، أي أنه تقدمه أفعال وتفاعل هؤلاء، فيما استعمال مفردات "المجوس والمجوسية" هو تطرف سياسي وصراع لا يقاس ولا يحسب مقارنة بالتصهين.
ولهذا فهذا الاستعمال انتهى باتفاق أشرفت عليه الصين بين النظامين الإيراني والسعودي. والتصهين، بعد هذا، يعالج بتخريجة "النظامان الإيراني والإسرائيلي وجهان لعملة واحدة"، وبهذا يذكروننا ببشاعة وجوه لا خيار يعرف عنها في الحياة غير العمالة والعملات!
احتجت لهذه التعريجة ربطاً بأحداث هي متشابكة ومعقدة، لأنه عندما تصبح أمريكا الأعظم وبريطانيا العظمى وكل أثقال الغرب و"الناتو" والكيان السرطاني يستجدون إيران أن تقبل برد بسيط ومحدود ولا ترد، فذلك بين ما يعنيه ويدل عليه هو بدء تهاوي وانهيار الهيمنة الغربية الإمبريالية الاستعمارية، ويعني بداية انهزامها عالمياً أمام روسيا والصين، ربطاً بتموضع إيران أو تموضع الكيان المحتل.
أجزم بأن إيران لم ولن تقبل، وذلك ما استشففته من تصريحات الرئيس الإيراني وقادة الجيش والحرس الثوري. ولكن الأهم الذي يعنينا هو تجاوز حقيقة حاجة أمريكية لنصر شكلي ولحفظ ماء الوجه إلى بعد هو الأهم.
الرد الإيراني جاء ليؤكد أن إيران انتقلت من حالة الصبر الاستراتيجي إلى عقيدة "الردع الاستراتيجي". وأمريكا ومن لف لفها تريد أن تقول للعالم من خلال هذا الرد بأن إيران لم تصل إلى أهلية "الردع الاستراتيجي"، ومازالت تحت قاعدة "الاحتواء المزدوج" الذي أرسته أو تعاملت به أمريكا منذ الحرب العراقية الإيرانية، ولذلك فالرفض الإيراني للتوسل والاستجداء الأمريكي هو رفض للتراجع أو المساس بخيار "الردع الاستراتيجي" أساساً، ولذلك فأمريكا قد تسعى لإقناع إيران برد "إسرائيلي" خارج إيران وفي سورية مثلاً، وإيران سترفض ربطاً بخيار الردع الاستراتيجي.
لم نعد إذاً في مسألة الرد البسيط والانتصار الشكلي، ولكننا أمام انتصار أو انهزام شكلي أو بأي سقف، ربطاً بالردع الاستراتيجي، لأنه حتى إذا قبلت إيران بالمساس به شكلاً أو تشكلاً فهي تكون أضعفته حتى لو لم تسقطه أو لم يسقط.
قالوا في البلاد: "ما يحنب إلا عريج"، وهو "السِّمع"، وأمريكا عندما تصل إلى توسل واستجداء فهي في "حنبة" عالمية، وليس أمام إيران بالضرورة، ولكن إيران ببساطة لم تعد في "حنبة" كما أمريكا، وهي لا تريد حروباً إقليمية ولا عالمية؛ ولكنها لا تتراجع ولا تتنازل بما يمس خيار "الردع الاستراتيجي.
* نقلا عن : لا ميديا