ألقـى الفيلسوف الروسـي ألكسندر دوغين، كلمة في فعالية مؤتمر القدس قضية الأمة المركزية الذي عقد في العاصمة صنعاء، بتاريخ 22 رمضان 1445هـ الموافق 1 نيسان/ أبريل 2024م.
الروسي ألكسندر دوغين، مستشار الرئيس الروسي فيلاديمير بوتين، وهو قبل ذلك فيلسوف ومنظر الرؤية السياسية (الأوروبية الآسيوية)، التي تتلخص في بناء عالم متعدد الأقطاب والحضارات في مواجهة الأحادية القطبية الواحدة العولمة الحضارية الغربية الواحدة، تكون روسيا دولة مؤثرة فيه، فهو ينظر لمصالح روسيا أولاً.
تحدث دوغين بصفته كمفكر وفيلسوف، وليس بصفته الرسمية كمستشار للرئيس بوتين، لهذا تحدث دون تحفظات، مقدراً موقف اليمن ومتحدثاً عن حرب يمنية روسية واحدة في مواجهة الغرب والصهيونية.
اتسمت الكلمة بالحماسة واللغة العاطفية والثناء على اليمنيين، وهو انفعال ذاتي من دوغين لأنه يرى أن نبوءاته تتحقق، ونبوءاته هذه هي في رفض الدول الإسلامية للهيمنة الأمريكية ومواجهتها، تحدث عنها عام 1991م في كتابه "أسس الجيوبوليتيكا -مستقبل روسيا الجيوبوليتيكي"، وهو يراها الآن تتحقق، كما رأى معركة أوكرانية فقد أوصى بها في كتابه في ذلك العام عندما كانت روسيا واقعياً مستعمرة أمريكية بعد الانهيار السوفيتي، كما تحققت نبوءاته في انتفاضة غرب إفريقيا ضد فرنسا واستقلال أمريكا اللاتينية.
إن أهم ما جاء في الكلمة هو التقدير الروسي لما يجري في البحر الأحمر، إذ تعدها موسكو جزءا من معركة كبرى معركة الأحادية القطبية ضد الأحادية القطبية، بما في ذلك معركة المقاومة في فلسطين ولبنان والعراق، جزء من حرب ضد الأحادية القطبية باعتبار الصهيونية جزءا من نظام الأحادية القطبية وممثلة عنه في العالم الإسلامي (الشرق الأوسط)، فهي -من وجهة نظر دوغين- جبهة واحدة من أوكرانيا إلى غزة والبحر الأحمر، ولا يخفى تحريضه اليمن لمواجهة الغرب والولايات المتحدة كخصم مشترك.
يعول دوغين على محور المقاومة في مواجهة الوجود الأمريكي في الشرق الأوسط، ويرى أن اليمن هي من تقود هذه المواجهة، لكونها الطرف الوحيد العربي والإسلامي الذي تحدى الغرب واصطدم بهم مباشرة، ودافع عن كرامة الحضارة الإسلامية، فودوغين مهتم بالحضارة الإسلامية لأمرين الأول أنه أصلاً مع تعدد الحضارات في العالم ضد العولمة الحضارية الغربية وأوساخها من شذوذ جنسي وغيره، والأمر الثاني أنه يرى أن الإسلام في قيمه التحررية ضد الغرب الاستعماري، والإسلام واقعيا هو جزء من حضارة دول جمهوريات روسيا الاتحادية، ولذا فليس لروسيا موقف ضد الإسلام كحال الغرب، وبخلاف الغرب الأمريكي والأوروبي ولم تحدث أي إساءة للإسلام ورموزه وكتابه ونبيه في روسيا الاتحادية طوال تاريخها.
يربط دوغين بين تحرير فلسطين والحرب ضد الأحادية القطبية، ويرى أنه لن يكون هناك سلام وحل الدولتين قبل هزيمة الغرب أولاً، لكون الغرب هو من يعيق حل أي مشاكل في الإقليم، وهو يعتقد أن ما تقوم به اليمن من مواجهة الهيمنة الغربية هي مقدمة حقيقية لتحرير فلسطين.
عبر دوغين عن إعجابه بالقيادة في اليمن والشعب اليمني، وعده شعبا عزيزا ومحبوبا لديه، ودعا لوحدة اليمن وروسيا في هذه الحرب حتى النصر، كما دعا اليمن للانضمام إلى البريكس وقال إنه ينتظر اليمن في هذا التحالف.
قال دوغين كمفكر، ما لا تجرؤ القيادة الروسية على التعبير عنه كدولة، فروسيا بوتين كدولة مُثقلة بعلاقات سياسية مع دول الخليج وخصوصا السعودية والإمارات ولها حسابات في العلاقات الدولية عموماً تجعلها أقل شجاعة في التعبير وأكثر ترددا في إقامة علاقات رسمية مع صنعاء، وتنتظر أن تنتهي الأزمة اليمينة وتتشكل حكومة وحدة وطنية لتقيم معها العلاقات.
ومما لا شك فيه أن الدور العسكري اليمني المدعوم بثقل شعبي اجتماعي، وفي ظل القيادة الثورية الحكيمة، يغير وسيغير من نظرة روسيا والصين ومصر وغيرها من الدول تجاه اليمن، إلا أن المشكلة الأساسية التي تعيق انفتاح هذه الدول مع صنعاء هي الأزمة اليمنية، يدرك الأمريكي هذا الأمر ولذا يدفع نحو تجميد خارطة الطريق وأي تسوية في اليمن، فبعد حلول السلام في اليمن وتوقف الحرب في غزة ستظهر نتائج المقاومة والصمود اليمني والفلسطيني وسوف تتغير الخارطة السياسية وتظهر الأضرار التي لحقت بالكيان الصهيوني والولايات المتحدة، من بعد طوفان الأقصى وفتح اليمن للمعركة البحرية.
لذا من المهم التفكير بخيارات أخرى لإحلال السلام في اليمن واستعادة الوحدة الوطنية في الجغرافيا والسياسة ومعالجة الجراح الاجتماعية، وفرض الأمر الواقع السياسي على العالم كما فرض العسكري. على افتراض تجميد الولايات المتحدة لعملية السلام الأممية في اليمن وخوف السعودية من المضي في طريق السلام ومواجهة الولايات المتحدة.
من المهم مواصلة العمل على التغيرات الجذرية لتقوية الدولة اليمنية لتأخذ مكانتها الريادية في الإقليم، وجعلها دولة مؤسسية، وجذب ثقة المجتمع بالدولة وتعزيز شعور المواطن بالولاء الوطني، وجلب ثقة رأس المال اليمني والأجنبي بالاستثمار في اليمن، لتكون اليمن مؤهلة لدخول في محور البريكس -في حال رأت القيادة ذلك- والذي يضم الدول الأكثر نمواً اقتصاديا في العالم ولديه بنك يغني عن قروض صناديق الإقراض الأمريكية، وكل الدول التي دخلت البريكس، ومنها الدول الجديدة (إيران، السعودية، الإمارات، إثيوبيا، مصر، الأرجنتين، وفي قائمة الانتظار فنزويلا والجزائر) يتجاوز إجمالي إنتاجها المحلي تريليون دولار، فيما اليمن بلغ أكبر إجمالي محلي فيها قبل العدوان وإبان الدعم المالي لحكومة هادي 44 مليار دولار فقط، رغم أن عدد سكان اليمن في الداخل والخارج يصل إلى 50 مليون نسمة تقريباً.