جرائم الإبادة الجماعية بحق الشعب الفلسطيني في غزة، من قبل الكيان الصهيوني الغاصب، وتأليب أنظمة وحكومات المجتمع الغربي عليها، تضعُنا أمام مشكلة بحثية، تتطلب لفتةً جادة من قبل القيادة وخبراء القانون الدولي الإنساني والأخلاقي، وباحثيه في كُـلّ الجهات ذات العلاقة بإقامة لعدل والقسط، وإصلاح واقع المجتمع البشري.
إن غزة التي يُجمِعُ كُـلُّ أحرار العالم على مظلوميتها، ويقفون صفاً واحداً لنصرتها، كشفت للعالم مدى حاجة المجتمع البشري للعدالة والقسط، ومدى السقوط المدوي للأمم المتحدة ومجلس الأمن، ومختلف المنظمات والهيئات الأممية.
جرائمُ الكيان الصهيوني بحق الشعب الفلسطيني منذ 1948م إلى اليوم، كشف مدى غياب القسط في مجتمعنا البشري، ومدى حاجته لجهة قادرة على حماية حقوقهم كبشر، ونواميس وقيم الإنسانية، ومعاقبة الأنظمة والحكومات المنتهكة للقيم والمثل الإنسانية.
الكيان الصهيوني، ومن قبله أمريكا، والدول الاستعمارية، لم تجد جهة رادعة قادرة على محاسبتها، وإيقافها عن الاستمرار في انتهاك قيم المجتمع البشري هنا أَو هناك، بل سارعت -عقب الحرب العالمية الأولى التي خرجت لتفرض هيمنتها على البشرية ولتسلبها خيراتها- لتشكيل جهة قانونية تدّعي في نصوصها، حمايةَ الإنسانية، وهي بالفعل من تنتهكها، وتمنع العالم عبر حق الفتيو المحتكر من القدرة على معاقبتها.
أمام مشكلة بهذا المستوى من الأهميّة، وبهذا الحجم من فظاعة تبعات استمرارها بحق الإنسانية، يتحتَّمُ على المجتمع البشري ككل، الأحرار منهم بالأخص، إيجادُ مؤسّسة بديلة، تنقذُ المجتمعَ البشري عن استمرارية جور المهيمنين على الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وتلك المسميات التي لم تقيم حقّاً ولم تردع باطلاً منذ تأسيسها، بل سُلّطت كسيفٍ على الدول والشعوب الخارجة عن إرادَة الهيمنة الأمريكية، ودول الاستكبار العالمي، القضية الفلسطينية أُنموذجاً.
ماذا يتطلب على المجتمع البشري فعلُه، ومن هي الجهة القادرة على معاقبة الدول والكيانات، المنتهكة لحقوق وقيم المجتمع البشري؟ وما هي القدرات والمؤهلات والصفات لمن يستحق ثقة وتفويض المجتمع البشري؛ للقيام بمهمة إقامة العدل والقسط، وإعادة الاعتبار لنواميس الإنسانية، ومعاقبة الكيانات والأنظمة والحكومات والدول المتورطة في امتهان الإنسانية؟
المواقفُ المستشعرة لعظم المسؤولة من غزة وما يحدث فيها من مآسٍ بشكل خاص، والقضية الفلسطينية ومظلومية الشعب الفلسطيني بشكل عام، هو معيار لمن يستحق نيل ثقة المجتمع البشري، ويمتلك القدرة على إقامة العدل والقسط وتقديمه على الواقع العملي، وفقاً لقوانين ونصوص سماوية وتشريعية إنسانية وأخلاقية، فيها نجاة وصلاح الواقع الإنساني، في كيان مؤسّسي تنظيمي شمولي واسع يسمى “محكمة العدل الإنسانية” يدخل فيها ويصادق عليها أحرار العالم بمختلف أعراقهم ودياناتهم، هدفه السامي هو تحقيق العدالة، وإحياء واستنهاض قيم الحرية والكرامة والإنسانية، وردع المجرمين ومعاقبتهم، وفق مشروع عالمي.
زمان هذا الكيان يبدأ الآن، ويرتبط بمدى حاجة المجتمع البشري له، مكانه في قلب العالم الحر النابض بالحرية والإنسانية والقدرة في الوقوف بوجوه الظالمين والطغاة، والتصدي لمشاريعهم الاستعمارية، وجرائمهم البشعة والوحشية بحق الإنسانية، في أية بقعة من العالم، سيجري التوافق عليه وفقاً لمواصفات وتفاصيل دقيقة، لا الاستحواذ والهيمنة عليها، كسابقاتها، المكتظة بالقوانين والنصوص النظرية، الفراغة من المضامين العملية.
الحاجة الماسة الداعية لها صراخ أطفال ونساء غزة وهم يبادون ويُدفنون أحياء، ويموتون جوعاً وعطشاً، واستجابة _حناجر ومسيرات ومظاهرات الشعوب الحرة، وطلاب وطالبات الجامعات، في أرجاء العالم_ لها ،وكل الأحرار المناضلين؛ مِن أجلِ الإنسانية تحت شعار غزة.
#منصور_البكالي