أعلن الناطق العسكري باسم كتائب عز الدين القسام أمس، عن تمكّن مقاتلي القسام من استدراج قوة عسكرية إسرائيلية إلى داخل أحد الأنفاق والاشتباك معها من مسافة صفر، قبل أن يتم استهداف المجموعة المساندة بالعبوات المنفجرة، موقعين أفراد القوة بين قتيل وجريح وأسير.
فماذا في أهمية العملية ودلالاتها، وأي أثر قد تتركه على الجنود الإسرائيليين والداخل الإسرائيلي، وعلى المقاومة وأهلها في غزة، وعلى سير المفاوضات ووقف الحرب؟
أهمية العملية ودلالاتها الاستراتيجية
في حديث للخبير العسكري العميد المتقاعد شارل أبي نادر إلى الميادين نت، أشار إلى أنه و”في حين كان العدو في حاجة للدخول إلى رفح ليقول لـجيشه وللمستوطنين إنه استطاع اجتياح كامل القطاع، وجد نفسه مرةً ثانية في شمال القطاع”.
والعودة إلى الشمال، يقول أبي نادر، مسيئة جداً للجندي الإسرائيلي، من الناحية العسكرية والتكتيكية، لأنها تقول له إن قيادته فشلت في المحاولات السابقة، وبالتالي سوف تعيد الكرة مرة واثنتين وثلاثاً، و”المسيء أكثر في هذه العودة، اليوم، أنها تحصل مع الكثير من الخسائر، ومن دون هدف واضح، وفي ظل انقسامات داخل المؤسسة العسكرية. وهذا التأثير النفسي السلبي على نفسية الجيش بشكل عام، ينعكس في الميدان، خسائر كبيرة، وتردّداً، وعدم تركيز، وعدم فعّالية في أي عملية، فنراهم يدخلون إلى حي الزيتون أكثر من مرة، حتى الآن غير قادرين على حماية منطقة نتساريم، وبرغم كلّ الخسائر الضخمة المقاومة لا تزال تقاتل في بيت حانون وبيت لاهيا شمالي القطاع”.
عملية جباليا
أما في ما يتعلق بالكمين المركّب في جباليا، فأشار العميد شارل أبي نادر، إلى أن تجهيزات البنية العسكرية لكتيبة جباليا لم تمس، وأنّ المقاومة قد اتخذت من منطقة جباليا نقطة ارتكاز أساسية للدفاع في الشمال، ومنها للمناطق المحيطة ومن ثم كامل القطاع.
واعتبر أبي نادر أنّ “تأثير هذه الكمين الصادم، سيكون على كامل الحرب”، وسوف يكون له دور كبير في إثبات فشل “الجيش” الإسرائيلي في تحقيق الأهداف.
كما سوف يكون له تأثير كبير على “الصراخ الذي يعلو مؤخراً حتى في الجانب العسكري للمطالبة بالذهاب نحو صفقة التفاوض ووقف الحرب التي أصبحت من دون أفق”.
وهذه القدرة على استدراج الاحتلال إلى الكمين، تعود بحسب أبي نادر، إلى أنّ “العدو اليوم يدخل إلى جباليا للحصول على أسراه، فهو يدخل لإخراج جثث أو أحياء”.
وهذه النقطة التي استغلتها المقاومة، لعلمها بأنه “لا إمكانية لجلب أسرى أحياء أو جثث إلا من خلال الأنفاق”، وهو ما جعل المقاومة تهيئ لهذا العمل المركّب، “ربما أوحت للقوات الإسرائيلية، بأن هذا النفق هو مهجور، أو ربما فرت منه عناصر المقاومة، بينما تكون قد وضعت عناصر وعبوات ناسفة لتعود وتطبق على العدو”، وهذا العمل العسكري الكبير سيكون له تأثير على كامل الحرب.
مفاعيل العملية النوعية على “إسرائيل”
أتت عملية جباليا النوعية في وقت تعاني فيه “إسرائيل” من عقبات متعددة على المستوى الداخلي بسبب حربها على قطاع غزة.
فالإجماع على الحرب الذي حصل عليه رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، في بداية 7 أكتوبر، لم يعد موجوداً، بعدما عجزت الحرب عن تحقيق أهدافها سواء من حيث “تدمير حماس” أو إعادة الأسرى.
وبدأت أصوات الاعتراض ترتفع بشكل ملحوظ، إذ أكد رئيس “مجلس الأمن القومي” الإسرائيلي، تساحي هنغبي، يوم الأربعاء، أنّ “إسرائيل” لم تحقّق أي هدفٍ من أهداف حربها على غزة. وبحسب الإعلام الإسرائيلي، قدّم هنغبي إحاطة أمام لجنة الخارجية والأمن الإسرائيلية، وقال لأعضاء الكنيست: “لم نحقّق أي هدف من الأهداف الاستراتيجية للحرب، لا شروط لصفقة أسرى، لم نسقط حماس ولم نُمكّن سكان الغلاف من العودة إلى منازلهم بأمان”. وأضاف هنغبي: “يقولون في الجيش الإسرائيلي إنّ هذا الأمر سيستغرق الكثير من الوقت، ليس عاماً واحداً بل سنوات”.
كذلك، أشار إلى أنّ “الكابينت لم يحدّد أي هدف واضح بخصوص الشمال، لا تواريخ، ولا أهداف، ولا أهداف استراتيجية”.
كما أكّد العقيد في احتياط الاحتلال الإسرائيلي، ميخال ميلشتاين، أنّ رئيس حركة حماس في قطاع غزة، يحيى السنوار، “لم يتغيّر، ولم يُغيّر مواقفه، ولم تؤثر فيه العمليات العسكرية الأخيرة في رفح”.
وأضاف أنّ “السنوار لم يتغيّر في أعقاب العمليات العسكرية في رفح، بل ظل متمسكاً بالهدف المركزي، وهو البقاء، والقول إنّ حماس صمدت بعد نهاية الحرب”.
وقال رئيس “أمان” السابق، أهارون زئيفي فركش، لـلقناة الـ”12″، إنّه “لم يُحدّد هدفاً نهائياً لهذه الحرب بعد ثمانية أشهر على اندلاعها”، مشيراً إلى أنّ “الجيش لا يستطيع العمل من دون أن يعرف هدفه النهائي”.
وأضاف أنّ “كل هذه الأمور تقود إسرائيل إلى هذا التدهور في منظومة العلاقات الشاملة، بما فيها السياسية والعسكرية”، مضيفاً: “نحن موجودون في نقطة حاسمة من هذه الناحية، بسبب ما يحدث حولنا، وأيضاً بسبب ما يحدث في مقابل حزب الله الذي له تأثير في كيفية إنهائنا للحرب”.
وأردف بالقول: “كان يجب علينا إعلان الانتهاء من المعركة المكثفة في قطاع غزة، وأنّ لدينا أهدافاً أخرى، فنحن لم ننسَ ما يحدث لنا في الشمال”.
في ظل هذا الواقع، وحالة الإرباك التي تسود داخل “الجيش” الإسرائيلي، أتت العملية المركّبة في جباليا لتقول للجنود إن كل ما بذلوه من أثمان وجهد هو هباء، فها هي المقاومة قوية وقادرة على إرجاع “الجيش” للاشتباك عند النقطة الأولى، في الوقت الذي كان يظن فيه أنه أمام النقطة الأخيرة.
ولتقول لعوائل وأسر الأسرى الإسرائيليين، إن أبناءهم ماتوا تحت القصف الإسرائيلي على القطاع، وبسبب الحصار الصحي وعدم القدرة على العلاج، في عملية مجنونة، لن تنتهي إلا بالعودة إلى التفاوض والتبادل الذي كان من الممكن أن يتم منذ اللحظة الأولى والحفاظ على حياة أبنائهم.
كما تقول للمستوطنين في الشمال أو في “غلاف غزة” إن “الجيش” غير قادر على حمايتهم وعلى حماية وجودهم، وإن عودتهم إلى المستوطنات باتت مرهونة بقواعد اشتباك جديدة يرسمها محور المقاومة.
وتقول للدول الغربية الداعمة، إنّ دعمها لـ”إسرائيل” في هذه الحرب لم يجلب لها سوى النتائج السلبية، فهي لم تستطع رغم كل مدد السلاح حسم المعركة، كما جعلت هذه الحكومات تقف أمام شرائح من مجتمعها غير قادرة على تبرير سكوتها ودعمها للإبادة الجماعية في غزة.
مفاعيل عملية جباليا على الجانب الفلسطيني
على الجانب الفلسطيني أتت هذه العملية لتعيد وتؤكد قدرة المقاومة على البقاء والصمود، وقدرتها على دفع الاحتلال في الخاتمة للقبول بشروطها لوقف الحرب، وإجراء تبادل للأسرى، وإخرج “الجيش” الإسرائيلي من كامل القطاع.
كما شكّلت نوعاً من الحصانة لمدينة رفح، إذ وبعد 8 أشهر من الحرب في الشمال، أثبتت هذه العملية أن المقاومة لا تزال موجودة وقوية، الأمر الذي يدفع للاعتقاد الجدي بأن الدخول إلى رفح لن يفيد “إسرائيل” بشيء، بل سيكلّفها المزيد من الأثمان، فما لم تستطع الحصول عليه في 8 أشهر شمالاً لن تقدر عليه في رفح ولو طالت المدة لأكثر من ذلك.
وأظهرت الاحتفالات والابتهاجات التي خرجت بمجرد إعلان الناطق العسكري باسم كتائب القسام، أبو عبيدة، عن العملية، أنّ حالة اليأس والإحباط في الجانب الإسرائيلي، تقابلها حالة من الأمل والثقة بالمقاومة الفلسطينية.
الميادين نت: مصطفى خليفة