بعد أن فرضت أمريكا هيمنتَها على النظام العالمي منحت نفسَها مهمةَ فرض النظام على العالم وتطبيق السلوك الحَسَن وتحديد معايير الصواب والخطأ، ونصّبت نفسَها الشرطيَّ العالمي الراعيَ للحرية والديمقراطية وَتضعُ حدودَ الحرية وتهكيلُ الخياراتِ الديمقراطية وتضعُ القيودَ وتفرضُ عقوباتٍ على من يحاولُ أن يتمردَ عليها.
إلهان عمر عضو الكونجرس الأمريكي مثالٌ جيدٌ للديمقراطية المهيكلة، هي حرة في إبداء رأيها، ولكن أن تتهمَ حلفاءَ إسرائيل في الكونجرس “هم يهودٌ أثرياءٌ مدفوعون بالأموال” فتلك جريمةٌ لا تُغتفَرُ، وعليها الاعتذارُ كُــلَّ صباح من الاتّهامات المؤذية لإسرائيل.
لو أن إلهان سفّهت العرب والمسلمين وَأهانت مشاعرَهم فَإنَّ ذلك لا يُعتبَرُ خروجاً عن الحقوق ولو أنها أَو أيَّ نائب آخر نعتوا السعوديّة أَو الإمارات من الدول التي تعتبر نفسَها مع إسرائيل أصدقاء وحلفاء أمريكا في المنطقة بكل ما هو مهينٌ وبغيضٌ فإنهم فقط يمارسون واجبَهم في حماية القيم الأمريكية التي لا يجبُ أن تتلطخَ بالعلاقة مع هذه الدول المتخلفة.
في العالم الإسْــلَامي، إسرائيلُ وإرادةُ الاستقلال أهمّ قيود الديمقراطية والحرية وعلى هذا الأساس تقومُ معادلةُ العلاقة بين أمريكا ودول العالم الإسْــلَامي والعربي، فللشعوب الإسْــلَامية كاملُ الحرية في اختياره ما تختاره أمريكا وإلّا فَإن لأمريكا الحَـقَّ في اختيار من يحكمهم وعند ما يتعلق الأمر بإسرائيل أَو الرغبة في الاستقلال تنتهي حرية الشعوب وشرعية الأنظمة.
للعرب كُــلُّ الحرية إلّا الحرية في مقاومة إسرائيل فذلك هو الإرهابُ والتطرفُ، للأنظمة العربية والإسْــلَامية أن تدعم حتى داعش والقاعدة ولكن دعم حماس وحزب الله إرهابٌ أسود.
للعرب أن يطالبوا بالمثلية لكن أن يفكروا بالاستقلال السياسيّ والاقتصادي فتلك جريمةٌ تُسقِطُ عنهم الشرعية المشروعية وتصبح دولاً مارقة وشريرةً وديكتاتورية ومستبدة وكل الصفات السيئة وتتعرضُ للملاحقة وصنوفِ العقوبات والضغوطات السياسيّة والاقتصادية والأمنية. إذَا تمت صفقة القرن فَإنَّ تهمةَ المعادات للسامية ستصبحُ تهمةً تلاحقُ دولَ المنطقة بالنبذ وإعلان الحرب.
المفارقةُ أن دولاً أقطاباً في النظام العالمي مثل الصين وروسيا والاتّحاد الأوروبي بدأوا يتململون من القبضة الأمريكية ويحالون إبعادها عن مركَز الهيمنة من خلال مؤسّسات موازية ويضيقون حتى ببعض ممارسات إسرائيل في حين أن المطبّعين الجدد يهرولون نحو إسرائيلَ هرولةً؛ باعتبارها البوابةَ الجديدةَ لتجنب غضبةَ العم سام والحصول على الحماية الأمريكية كما يفعل الطفلُ مع وحشية أُمّه وهي تضربُه فيزيدُ الالتصاقَ بها؛ لأَنَّه يعتقدُ أن تلك هي الوسيلة الوحيدة لاستعطافها وإقناعها بالتوقف عن ضربه وعندما يكبر يكتشفُ الكثيرَ من الوسائل للحماية بالاعتماد على ذاته.. الكارثةُ أن هؤلاءِ فلا يريدون أن يكبَروا ولو أنهم كبروا لأدركوا أن المستجيرَ بأمريكا وَإسرائيلَ كالمستجيرِ مِن الرمضاءِ بالنار!!