ولهذه المحكمة سوابق في إصدار مذكرات اعتقال بحق رؤساء دول لاتّهامهم بارتكاب جرائم حرب أَو جرائمَ ضد الإنسانية، كما هو الحال بالنسبة لمذكرة الاعتقال الصادرة ضد الرئيس السوداني عمر البشير بتاريخ 4 مارس 2009م لاتّهامه بارتكابه جرائم حرب في دارفور؛ بناءً على طلب من مجلس الأمن الدولي.
ووجهت المحكمة للبشير سبعَ تهم، خمسٌ منها متعلقة بجرائم ضد الإنسانية، وتهمتان تتعلقان بجرائم حرب، ولم توافق المحكمة على إدراج جريمة الإبادة الجماعية ضمن التهم الموجهة للبشير لعدم كفاية الأدلة، لكنها تركت الباب مفتوحًا، بحيثُ إنه إذَا تم تقديم المزيد من الإثباتات على ارتكاب إبادة جماعية فيمكن للادِّعاء تقديم طلب لتعديل أمر القبض ليشمل تهمة الإبادة الجماعية، وبكل ثقة أكّـدت المحكمة في بيان صادر عنها (أن منصب البشير لا يمنحه الحصانة، وستتم مطالبة السودان بالتعاون لتسليم الرئيس السوداني ومطالبة جميع الدول بالتعاون مع هذا القرار).
وإذا كانت مذكرة الاعتقال السابقة بحق الرئيس السوداني لم يتم تنفيذها، إلا أنها حدت بشكل كبير من تحَرّكاته الدولية، ومثلت سيفًا مُصْلَتًا على رقبته من جانب القوى الغربية، وما يؤكّـد استخدام هذه القوى للمحكمة الجنائية الدولية أدَاة لتحقيق أهدافها في مواجهة خصومها، هو مذكرة الاعتقال التي أصدرتها بتاريخ 17 مارس 2023م ضد الرئيس الروسي بوتين بتهم متعددة من بينها ترحيل الأطفال قسرياً، وقد جاء في تبرير المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية (
لا
يمكننا السماح بمعاملة الأطفال كما لو كانوا غنائم حرب، الحوادث التي حدّدها مكتبي تشمل ترحيل مئات الأطفال على الأقل من دور الأيتام ودور رعاية الأطفال، ونزعم أن العديد من هؤلاء الأطفال قد تم تبنيهم منذ ذلك الحين في الاتّحاد الروسي).
طبعاً لا يمكن المقارنة هنا بين مبرّرات المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، في شأن طلب إصدار مذكرة اعتقال بحق بوتين، لمُجَـرّد أنه يتبنى الأطفال، فماذا سيكون تبريره بالنسبة لمن يمزق الأطفال أشلاء في قطاع غزة، ويقتلهم جوعًا وعطشًا، بالنسبة لنا لا بُـدَّ أن نسجل موقفنا للتاريخ الذي يخالف موقف المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية؛ فـ بوتين أصدر مراسيم رئاسية تمنح الجنسية الروسية للأطفال بما يسهل عملية تبنيهم بواسطة العائلات الروسية
!
وورد ضمن تبريرات المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية ما نص
ه (مكتبي
يزعم أن هذه الأفعال، من بين أمور أُخرى، تثبت وجود نية لإخراج هؤلاء الأطفال بشكل دائم من بلادهم، كان الأطفال الأوكرانيون -في الوقت الذي جرت فيه عمليات الترحيل هذه- أشخاصاً محميين بموجب اتّفاقية جنيف الرابعة
)، والتساؤل المهم هنا الموجه للمدعي العام بالمحكمة هو إذَا كان كُـلّ هذا الحماس والحزم ضد بوتين لمُجَـرّد نوايا بإخراج الأطفال من أوكرانيا إلى روسيا ومنحهم الجنسية الروسية ليصبحوا مواطنين روس معززين مكرمين غير تابعين لقوى الإجرام الغربية، فما هو الموقف في حال أن بوتين أخرج الأطفال ليس من بلادهم فحسب بل من الحياة عُمُـومًا، ومزق أجسادهم تمزيقًا كما فعل نتن ياهو وجيش الإجرام الصهيوني؟!
ولم يقتصر الحديث عن جريمة بوتين المزعومة تبني الأطفال الأوكرانيين ومنحهم الجنسية الروسية على مدعي عام المحكمة، بل إن المحكمة قد حدّدت عند إعلانها أوامر الاعتقال أن هذه الأوامر تنص على مسؤولية الرئيس بوتين عن جريمة الحرب المتمثلة في الترحيل غير القانوني
"
للأطفال من الأراضي المحتلّة في أوكرانيا إلى روسيا، وتحدث رئيس المحكمة عن ذلك قائلاً:
(
محتويات مذكرات الاعتقال سرية لحماية الضحايا، ولكن مع ذلك، قرّر القضاة الإعلان عن وجود المذكرات، لمصلحة العدالة وللحيلولة دون وقوع جرائم في المستقبل).
ومع أن روسيا وأوكرانيا ليس أيًّا منها طرفًا في نظام روما الأَسَاسي، الذي تم بموجبه إنشاء المحكمة الجنائية الدولية في عام 1998، لكن المحكمة أكّـدت أن الادِّعاءات الموجهة ضد الرئيس الروسي بوتين تتماشى مع نظام روما الأَسَاسي، رغم أن ما نسب إلى الرئيس الروسي، وما نسب من قبله للرئيس السوداني لا يمكن مقارنته بحال من الأحوال مع ما هو منسوب لرئيس وزراء الكيان الصهيوني، ومشاهد للجميع بشكل مباشر من أفعال الإبادة الجماعية المُستمرّة والمتتابعة منذ عشرة أشهر؛ وهو ما يؤكّـد استغلال القوى الغربية وتوظيفها للمحكمة لما يخدم مصالحها وأهدافها السياسية، وأنه لا علاقة لنظام المحكمة بتحقيق العدالة للمظلومين مُجَـرّدة من الدوافع السياسية.
وإذا كان نظام روما قد حدّد وسائلَ متعددة يمكن من خلالها اتصال علم المحكمة بالوقائع المرتكبة على الأرض، منها توقيع الدولة بالامتثال لنظام روما الأَسَاسي للمحكمة، ومنها إحالة مجلس الأمن كما هو شأن حالة اتّهام الرئيس السوداني، ومنها تبني الادِّعاء من جانب مدعي عام المحكمة كما شأن حالة الرئيس الروسي، وَإذَا لم تكن القوى الغربية توظف المحكمة الجنائية الدولية لتحقيق أهدافها الإجرامية، فلماذا لم يستخدم مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية صلاحيته في حالة غزة كما فعل ذلك في حالة الرئيس الروسي؟!
ولماذا ربط طلبه للمحكمة في 20 مايو 2024 بين الضحية والجلاد؟ حين طلب من المحكمة إصدار مذكرة توقيف بحق ثلاثة من قادة المقاومة الإسلامية الفلسطينية حماس مسبباً طلبه بقوله إن (الأدلة التي جمعها مكتبي وفحصها، لدي أسباب معقولة للاعتقاد بأن يحيى السنوار، والضيف، وهنية، يتحملون المسؤولية الجنائية عن جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية المرتكبة في أراضي "إسرائيل"، ودولة فلسطين، خَاصَّة في قطاع غزة، اعتباراً من 7 أُكتوبر الماضي).
وقبل أن تبت المحكمة في طلب مدعيها العام بإصدار مذكرة اعتقال بحق ثلاثة من قادة المقاومة الإسلامية، فَــإنَّ ثالث الثلاثة (إسماعيل هنية) قد ارتقى شهيداً شأنه في ذلك شأن أطفال الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، الذين تمزّقهم القنابل الأمريكية بأيدي مستخدميها الصهاينة المجرمين، ولو أن المحكمة الجنائية الدولية، سارعت في الاستجابة لطلب مدعيها العام، بغض النظر عن مساواة هذا الطلب بين المجرم والضحية، لما تصدرت عناوين الأخبار جريمة اغتيال الشهيد إسماعيل هنية، وهو ضيف في عاصمة الجمهورية الإسلامية الإيرانية، في انتهاك صارخ وسافر لكل التقاليد والأعراف الدولية، ولو أن المحكمة قد سارعت بإصدار مذكرة الاعتقال بحق نتن ياهو ووزير دفاعه، لكانت قد أخلت مسؤوليتها القانونية والأخلاقية عن جريمة اغتيال الشهيد إسماعيل هنية، وعن استمرار الكيان الصهيوني في اقتراف أفعال جريمة الإبادة الجماعية بحق أبناء قطاع غزة، وهذه الجرائم وتلك ستظل وصمة عار في سجل المحكمة الجنائية الدولية!
ولا يمكن تفسير طلب مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية بشأن توقيف ثلاثة من قيادات المقاومة الفلسطينية، واستجابة المحكمة لذلك الطلب إن تم، إلا بأنه مساهمة من المحكمة ومدعيها العام في تصفية قضية الشعب الفلسطيني؛ باعتبَار أنه سيتم تنفيذ مذكرة الاعتقال بحق قيادة المقاومة، ولن تنفذ بحق قادة الكيان الصهيوني، وحتى وإن تم تنفيذ المذكرة بحق أُولئك المجرمين، فليس هناك من مبرّر قانوني للربط بين الجلاد والضحية، المظلوم والظالم، بحيثُ إن ما يُفرَضُ على الأول من إجراءات لا بُـدَّ أن يُفرَضَ على الآخر.
وبهذا الموقف من المحكمة ومدعيها العام على فرض استجابة المحكمة للطلب، يثبت وبما لا يدع مجالاً للشك، أنه لم يتم إنشاء هذه المحكمة لتنظر بكل تجرد في ما تم إسناده لها من اختصاصات وفقاً لنظامها الأَسَاسي، ولو كان الأمر كذلك لطبقت المحكمة اختصاصاتها دون أي اعتبار لمكانة المتهم أَو قوميته أَو ديانته أَو لون بشرته أَو حجم ووزن دولته بين دول العالم، وبطبيعة الحال فهذه النتيجة التي تعد سلبية بكل المقاييس، بعد عشرة أشهر من أفعال الإبادة المُستمرّة والمتتابعة بشكل يومي وعلى مدار الساعة.
وكان الأصل لو أن قضاة المحكمة ومدعيها العام يتمتعون باستقلالية حقيقة في مواجهة أطراف النزاع، لتمكّنت من إصدار مذكرة الاعتقال بحق قيادات الكيان الصهيوني في الأسبوع الأول، ومنذ اقتراف أول فعل من أفعال جريمة الإبادة الجماعية، خُصُوصاً مع اقتران تلك الأفعال بتصريحات قيادات الكيان الصهيوني في مستويات عليا باستخدام أسلحة ذرية لمحو غزة وسكانها من على وجه الأرض! فالمحكمة في ما يتعلق بأمر الاعتقال ضد بوتن أكّـدت أن هناك نوايا، والفرق كبير جِـدًّا بين القول الصريح ومُجَـرّد النوايا التي هي في الأَسَاس من مكنونات النفس البشرية، ولا يستدل عليها إلَّا بالأفعال التي تجسد النوايا على أرض الواقع، أما في حالة قادة الكيان الصهيوني فأقوالهم صريحة وواضحة وأفعال جرائمهم صارخة، ولا حاجة للمحكمة أن تتكلف كما تكلفت في حالة بوتين في استخلاص النوايا!
وذات الطلب المقدم للمحكمة قبل حوالي أربعة أشهر الذي شمل ثلاثة من قيادة المقاومة الإسلامية تضمن أَيْـضاً اثنين من قادة دولة كيان الاحتلال الصهيوني هما رئيس الوزراء بنيامين نتن ياهو ووزير الحرب جالانت، وورد في تسبب المدعي العام لطلبه ما نصه (استناداً إلى الأدلة التي جمعها مكتبي وفحصها، لدي أسباب معقولة للاعتقاد بأن نتنياهو، وجالانت، يتحملان المسؤولية الجنائية عن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتُكبت على أراضي دولة فلسطين (في قطاع غزة) اعتباراً من 8 أُكتوبر 2023
).
والواقع أن ما يقترف في قطاع غزة ليس جرائم حرب، ولا جرائم ضد الإنسانية، لعدم قيام حالة الحرب أَسَاساً، ووفقًا لأحكام القانون الدولي؛ فالحرب نزاع مسلح بين دولتين أَو أكثر، وما يحدث في غزة جريمة إبادة جماعية، واضحة ومحدّدة بنصوص اتّفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها الصادرة سنة 1948م وليس هناك من مبرّر لتجاهل هذه الاتّفاقية من جانب مدعي عام المحكمة، وتكييف ما يجري في غزة بأنه جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، فمثل هذه الجرائم مرتبطة بحالة حرب قائمة بين دول مستقلة ذات سيادة، وهذا التوصيف منتف تماماً في حالة غزة فالحالة جريمة إبادة جماعية يقترف أفعالها المباشرة جيش الكيان الصهيوني، وبشراكة عدد من القوى الاستعمارية الإجرامية الغربية على رأسها الإدارة الأمريكية.
وما يؤكّـد حالة الرعب والخوف لدى مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية أنه ضّمن طلبه كُـلّ ما يمكن أن يدين الضحية، قبل أن يدين المجرم، حَيثُ ورد في ذلك الطلب ما نصه (جرائم الحرب المـُدّعى بها في هذه الطلبات ارتُكِبت في إطار نزاع مسلح دولي بين "إسرائيل" وفلسطين، ونزاع مسلح غير دولي بين "إسرائيل" وحماس دائرين بالتوازي، وندفع بأن الجرائم ضد الإنسانية التي وُجِّه الاتّهام بها ارتكبتها (حماس) وجماعات مسلحة أُخرى في إطار هجوم واسع النطاق ومنهجي ضد السكان المدنيين في "إسرائيل" عملاً بسياسات التنظيم، وبعض هذه الجرائم مُستمرّة، في تقديرنا، إلى يومنا هذا
).
وما سبق يتضمن مغالطات واسعة، ومحاولات مكشوفة لإدانة فصائل المقاومة وعلى رأسها حماس، وتبرئة الكيان الصهيوني من جريمة الإبادة، باستثناء إدانة نتن ياهو ووزير حربه، فحالة الحرب الدولية (نزاع مسلح دولي) التي تحدث عنها مدعي عام المحكمة في طلبه، ليس لها أَسَاس في الواقع والقانون الدولي؛ فما يجري على الأرض جريمة إبادة جماعية، يقترف أفعالها الكيان الصهيوني بشراكة عدد من القوى الاستعمارية الغربية على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، ضد شعب محتلّ منذ ما يقرب من ثمانية عقود من الزمن، وبذات هذا التوصيف تنظر محكمة العدل الدولية دعوى مرفوعة أمامها من جمهورية جنوب إفريقيا، فكيف استساغ لمدعي عام الجنائية الدولية وصف ما يجري بأنه (نزاع مسلح دولي)؟! وكيف استساغ له أَيْـضاً وصف ذلك بأنه (نزاع مسلح غير دولي)؟!.
ألا يدرك مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية أن حق الشعب المحتلّ في مقاومة الاحتلال مكفول بموجب أحكام القانون الدولي؟ وأن هذا القانون قد ألزم دولة الاحتلال عدم المساس بحق الشعب في المقاومة، سواء بالوسائل السلمية أَو المسلحة، فكيف استساغ لمدعي عام المحكمة الجنائية مصادرة حق الشعب الفلسطيني المكفول دولياً؟ وكيف استساغ له توصيف عمليات المقاومة بأنها هجومٌ ممنهج ضد مدنيين، وهي كما شهد العالم موجهة ضد التواجد الصهيوني العسكري في غلاف غزة؟
إنه من الأفضل لقضاة المحكمة الجنائية الدولية، إن بقي لديهم ذرة من الاحترام لمهنيتهم وتخصصهم أن يبادروا بشكل فوري بتقديم استقالاتهم، بدلاً عن بقائهم كمطية للقوى الاستعمارية الإجرامية الغربية توظفهم وتستخدمهم في تحقيق أهدافها الإجرامية في مواجهة خصومها، فقضاة المحكمة أصبحوا يدركون يقيناً أنه لا حيادَ لديهم، ولا استقلالية لهم في قضائهم بين المتخاصمين، ولا قدرةَ لهم لإنصاف المظلومين، وإن لم يكونوا جميعهم منحازين لقوى الإجرام الاستعمارية الغربية، فهم تحت طائلة التهديد والوعيد من جانبها، والأشرف لهم في كُـلّ الأحوال المغادرة فورًا.
وما يتعرض له قضاة المحكمة من تهديدات واضحة ومعلنة، مثلها وأكثر منها ما هو غير معلن من التهديدات، ومن تلك التهديدات المعلنة ما
تحدث عنها رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأمريكي، وهو بصدد وصف علاقته بمدعي عام المحكمة (نريد أن نؤكّـد له أن السير في هذا الطريق من إصدار مذكرات الاعتقال بحق مسؤولي "إسرائيل" فكرة سيئة حقاً وأنها ستنسف العلاق
ة) واستطرد في تهديده قائلاً: (
لسنا متأكّـدين مما إذَا كانت مذكرات الاعتقال وشيكة، لكن كتدبير احترازي نعلمهم أنهم إذَا فعلوا ذلك، فلدينا هذا التشريع جاهز للانطلاق، لن يتم الدفع به قدماً، إلا إذَا اضطررنا إلى ذلك
).
ولا مجال للحديث هنا عن إيجابية إصدار المحكمة لمذكرة توقيف بحق اثنين من قادة الكيان الصهيوني، وأن ذلك إجراء يحقّق العدالة للفلسطينيين، كلا لا يحقّق هذا الإجراء شيئاً يُذكَرُ، وحتى لو صدرت مذكرة المحكمة بتوقيف جميع قادة الكيان الصهيوني من رئيس دولته ورئيس حكومته وأعضائها، وأحيلوا للمحاكمة، وكان هذا الإجراء في الظاهر محقّقاً للعدالة، فَــإنَّ صدوره بعد عشرة أشهر من فصول جريمة الإبادة الجماعية، ينفي عنه صفة الإجراء العادل؛ باعتبَار أن العدالة البطيئة ظلم أكيد؛ فلا عدالة إلا بإجراءات فورية ناجزة، أما أن تتضمن مذكرة المحكمة توقيف الضحية ووضعه والمجرم في كفتي ميزان، فهذا يعني أن المحكمة ومدعيها العام يبحثان عن تبرئة المجرم الجاني، وإدانة الضحية، فمنطقياً عندما سيجري الحديث مستقبلاً عن إسقاط إجراء التوقيف سيتم طرح المقاصة، وهي إجراء ظالم بكل تأكيد؛ لأَنَّه سيترتب عليه تبرئة المجرم فعلاً وإهدار حقوق الضحية!
ولا عبرة أبدًا بما يثار من حنق، وما يضخم عبر الآلة الإعلامية للقوى الاستعمارية من امتعاض من جانب قادة الكيان الصهيوني وداعميه الغربيين، ناتج عن موقف المحكمة ومدعيها العام من إدراج اثنين من قادة الكيان الصهيوني في طلب إصدار مذكرة التوقيف، فذلك لا يعدو عن كونه صرفاً للأنظار عن هول المأساة التي يتعرض لها سكانُ قطاع غزة، وبالتزامن مع التهويل الإعلامي الكبير عن حنق قادة الكيان وشركائهم الغربيين في جريمة الإبادة، تستمر أفعال هذه الجريمة كرد صارخ وسافر على إجراءات المحكمة، رغم أن مذكرة التوقيف إن صدرت فهي لا تمثل شيئاً يُذكَرُ مقارنة بما اقترفه ويقترفه قادة الكيان الصهيوني بحق أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة وعلى مدى عشرة أشهر.
*نقلا عن : المسيرة نت