عادت العمليات الفدائية إلى الواقع الفلسطيني بعد سنوات من الغياب، وبدأت بتنسيق بين كبرى فصائل المقاومة، وتزامنت مع هجمات أخرى لشبان فلسطينيين في الضفة الغربية وداخل الخط الأخضر، وفي ذلك مؤشر على كثافة أسباب الموت التي تحاصر اليهود على الأرض الفلسطينية من الجهات كافة.
عملية تل أبيب الأخيرة نفذها شابٌ فلسطيني لم تُعرف هويته، وهذا تطورٌ في الواقع الجهادي، حيث اعتادت أجهزة أمن العدو الإسرائيلية كشف هوية المنفذ ومعاقبة ذويه بعد العملية مباشرة، إلا أنها فشلت هذه المرة وفي ذلك إنذار بخطورة الوضع على الصهاينة، بعد ورود أنباء تفيد بأن المنفذ قادم من دولة عربية مطبعة مع الكيان، ما يعني أن جريمة التطبيع هي الأخرى تحولت إلى ورقة بيد المجاهدين لضرب التجمعات اليهودية.
وفي الوقت نفسه، نفذ مجاهدٌ فلسطيني آخر عملية بطولية سلاحها الشاكوش (المطرقة)، ونجح في قتل جندي إسرائيلي ومصادرة سلاحه قبل الإنسحاب بأمان من مسرح العملية بقرية "جيت" شرق قلقيلية، وهي القرية نفسها التي شهدت -قبل أسبوع- مقتل فلسطيني وإصابة آخر بهجومٍ نفذه نحو مائة مستوطن يهودي بحماية جنود الاحتلال.
وسبق العمليتين تفجير سيارة مفخخة بمدينة الخليل جنوب الضفة، يشتبه أنها كانت معدَّة لتنفيذ هجوم على تجمعٍ صهيوني مجاور، وقد فشلت الأجهزة الإسرائيلية في كشف ملابسات الحادثة، أو معرفة هوية المنفذين، ما زاد من رعب الصهاينة في محيط المدينة المحتلة، وسط تقارير تؤكد مغادرة نحو مليون مستوطن من الأراضي المحتلة خلال العشرة الأشهر الأخيرة.
ما يزيد الطين بلة، أن تفخيخ الأرض بالعمليات الفدائية يفاقم الوضع الحرج للكيان في وقتٍ ينتظر فيه هطول الموت من السماء وهو يترقب الرد الإيراني على اغتيال الشهيد إسماعيل هنية، ورد حزب الله على اغتيال المجاهد فؤاد شكر، إضافة إلى الرد اليمني الموعود، خاصة أن الأخير يستعد بكل طاقته للرد على قصف الحديدة، ويملك الجرأة الكافية لضرب الكيان بأي سلاحٍ يصل إلى قبضته، فاصبعه خفيفة على الزناد، كما يصفه خبراء الأمن الصهاينة.
ومن واقع العمليات الثلاث، يتضح أن أوراق المقاومة الفلسطينية لا تنفد بل تتعاظم وتتسع يوماً بعد آخر، وأن كل آلة قد تتحول إلى أداة فاعلة لقتل الصهاينة رداً على جرائمهم، كما أن أي تجمعٍ بشري للصهاينة قد يتحول فجأة إلى مجزرة جماعية بحقيبة أو بسيارة مفخخة، وربما بوسيلة أخرى لا يتوقعها العدو.
كما أن فشل العدو في معرفة هوية المنفذين للعمليات الثلاث، وهو يمتلك قاعدة بيانات لكل مواطن فلسطيني، يكشف ورقة أخرى أكثر خطورة على أمن الكيان، وهي أن المنفذ ربما قدم من خارج الأراضي الفلسطينية المحتلة، وأنه وصل إليها عبر إحدى الدول المطبعة مع الكيان، وهذا في حد ذاته رعبٌ كبير للصهاينة، ونكسة لعملية التطبيع التي أراد منها العدو وعملاؤه في المنطقة تأمين حياة الصهاينة في الأراضي المحتلة.
وهنا يتأكد لنا أن مطارات المطبعين باتت وسيلة أخرى تُصدر الموت للكيان، وسبق أن نفَّذ مواطن تركي عملية مسلحة في القدس في مايو الماضي، والذي وصل إلى القدس في رحلة سياحية مع وفدٍ ديني، وهناك هاجم جندياً إسرائيلياً عند باب الساهرة، انتقاماً لأطفال غزة، حسب وصيته التي كتبها قبل مغادرته تركيا.
*نقلا عن : السياسية