( لا قلق إطلاقاً فنحن بالله أقوى ) قالها وكله ثقة بالله ، وتوكل على الله ، وقوة إيمان بنصره وتأييده ، حاز من ملكات الإبداع والتميز ما يدهش ، كان في السياسة لا يبارى ، وفي الثقافة القرآنية بحرا زخارا، وغيثا مدرارا ، بارع في الإدارة ، ومتفنن في القيادة ، غزير المعرفة وواسع الاطلاع ، فراسته تفرد بها على الآخرين ، حنكته وحكمته تشعرك بأنه المعني بحديث المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم “الإيمان يمان والحكمة يمانية” ، لا يداهن ولا يجامل ، صريح في منطوق حديثه ، ممتع في تسلسل طرحه ، يشعرك بهيبة القيادة ، وقوة الإرادة.
إنه الرئيس الشهيد صالح علي الصماد -رضوان الله عليه -، الجرح اليمني الذي لن يندمل ، والحزن الذي لن ينسى ، والفارس الذي ترجل ، المقدام الذي صال وجال في مختلف الميادين والجبهات ، رئيس كل اليمنيين قولا وعملا ، الرئيس الذي دخل واستوطن كل القلوب دون استئذان ، أحبه الجميع ، ورأوا فيه القائد الملهم الذي على يديه سيتحقق للوطن كل ما يصبو إليه في مختلف المجالات.
إنه الرئيس الاستثنائي الذي حزن عليه الأعداء قبل الأصدقاء ، وشعروا بمرارة رحيله المفاجئ ، من الصمود اشتق لقبه ، ومن الصلاح استقى اسمه ، فكان رضوان الله عليه صالحا صمادا صمود جبال اليمن الرواسي ، لم تنحن له هامة ، ولم ترتعد له فريصة ، ولم يخنع له جبين إلا لله ، زار الجبهات ، وتنقل بين المحافظات ، وشهد المهرجانات والاحتفالات والفعاليات والعروض العسكرية والمناورات.
رئيس جاء من أجل الشعب ، وعاش من أجل الشعب ، وقدم روحه الطاهرة وهو يخدم هذا الشعب ، كيف لا وهو صاحب المقولة المشهورة “دولة من أجل الشعب لا شعب من أجل الدولة” ، عرفناه نظيف اليد والبطن واللسان ، حتى صار مضرب المثل في النزاهة والاستقامة ، عاش شريفا ومات شهيدا ، لم يلطخ يديه بالمال العام ، ولم يأبه للسلطة ومغرياتها فكانت عنده -رضوان الله عليه -مغرما لا مغنما ، وتكليفا لا تشريفا ، فأقنع الجميع بأنه رجل المرحلة بامتياز ، وأن البلاد في ظل قيادته وتوجهاته تخطو بثقة نحو الفلاح والنجاح والرشاد.
لم يحتجب ، أو ينعزل عن أبناء شعبه ، بل كان قريبا منهم ، ملامسا لهمومهم ، حاملا لأحلامهم وتطلعاتهم ، كانت نظرته ثاقبة ، وبصيرته نيرة ، ووطنيته حاضرة قولا وعملا ، وضع الخطوط العريضة لمشروع بناء الدولة التي اختار لها شعار “يد تحمي ويد تبني” ، وكان جادا وصادقا في توجهه ، وبدأ مرحلة التنفيذ فعليا ، قبل أن تمتد نحوه أيادي الغدر والإجرام السعودية الإماراتية الأمريكية الإسرائيلية اللعينة لتغتاله في مثل هذا اليوم من العام الماضي في شارع الخمسين بمحافظة الحديدة التي نزل إليها محفزا ومحذرا من مخطط شن العدوان عليها والذي أدركه وأحس بخطره ، فتحرك بكل ثقة وشجاعة لشحذ الهمم التهامية لحمل البنادق ذودا عن الحديدة ، فنال وسام وعطاء الشهادة عن جدارة واستحقاق.
عام مضى على غياب الرئيس الشهيد صالح الصماد عنا بجسده ، لكن روحه لم تغادرنا ، ما تزال في أوساطنا ، وما يزال عبقها حاضرا ، عام مضى “ويد تحمي ويد تبني” تشد من أزرنا ، وتخفف من وقع مصابنا الجلل ، صوره في الساحات وفي المنازل، داخل الأحياء والحارات ، تحكي عن قائد مخلص تقي مؤمن ، وفارس شجاع مقدام ، تحكي عن عظيم من عظماء اليمن ، وفلتة من فلتات هذا الزمن ، عن شخصية خلد وسيخلد التاريخ سيرته في سفر الخالدين العظماء ، فقد كان في حياته خالدا ، وظل حتى بعد استشهاده أكثر خلودا في قلوب كل شرفاء وأحرار الأمة.
اليوم تبكيك القلوب قبل العيون أيها الرئيس الشهيد ، نبكي دما على رحيلك عن عالمنا ، والكثير منا حتى اللحظة لم يستوعب ما حصل ، وستظل الغصة التي تعكر حياتي أنني لم أحظ بشرف السلام عليك خلال زيارتك التاريخية الوداعية لمحافظتي العزيزة ذمار ، لعارض صحي شديد أقعدني مكرها مجبرا على فراش المرض ، وفي ذكرى استشهادك أيها المثل الأعلى نجدد لك العهد بالسير على خطاك واقتفاء أثرك وترجمة مشروعك “يد تحمي ويد تبني” ، ستظل ملهما لنا ، وستبقى العنوان الأبرز للصمود ، لن ننساك ما حيينا ، لن ننسى أنك من أشعلت في داخلنا جذوة الصمود ، وعزفت ألحان ومواويل العظمة والخلود ، لن ننسى أنك الوفاء ، كل الوفاء ، والبطولة كل البطولة ، والعظمة كل العظمة ، والشموخ كل الشموخ.
نم قرير العين سيدي أبا الفضل، فوالله إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن وإنا على فراقك أيها الصماد لمحزونون ، طبت وطابت روحك الطاهرة في أعلى عليين مع الأنبياء والأوصياء والصالحين.
ولا نامت أعين القتلة والجبناء والخونة المنافقين.
هذا وعاشق النبي يصلي عليه وآله.