في الأيام الأولى من أبريل 2019م، سيَرت السعودية التي تقود تحالف الحرب العدوانية على اليمن قوة عسكرية مزودة بأسلحة ثقيلة إلى مدينة سيئون بمحافظة حضرموت شرقي البلاد، تحت ذريعة حماية انعقاد دورة مختلف حول شرعيتها ونصابها لمجلس النواب اليمني. وبعيداً عن جدل الأطراف اليمنية المتصارعة على مرجعية المجلس المنتهية ولايته منذ 2009م، يمكن القول أن الخطوة السعودية لا تنفصل عن طموحات الرياض غير المشروعة في الوصول إلى البحر العربي عبر الأراضي اليمنية في حضرموت والمهرة.
وبعيد أيام فقط اتخذ الرئيس الأمريكي حق النقض، تجاه قرار أصدره الكونغرس يقضي بوقف الدعم الأمريكي للسعودية في حربها على اليمن، ما يؤكد مجددا أن الرياض ما كان لها أن تقوم بهذه الحرب وتتحمل ما تلاها من تداعيات لولا مباركة البيت الأبيض، الذي شجع في ظل الإدارة السابقة على تشكيل التحالف السعودي، ومنحه الغطاء السياسي في مجلس الأمن الدولي والأروقة الأممية المعنية. وخلال السنين المنصرمة تبين بما لا يدع مجالا للشك أن الدول التي تؤازر بعضها في هذه الحرب العدوانية ليست في وارد استعادة ما يسمى بالشرعية، بقدر ما تستخدم هذه الذريعة كشماعة للتغطية على الكثير من المصالح والصفقات والمؤامرات التي لم تعد تخفى على كل ذي لب سليم أو ضمير حي.
في هذه الورقة يحاول الكاتب لملمة شتات الأهداف والمصالح المتعددة، بل والمتضادة أحيانا، التي شكلت وقود الحرب القائمة على اليمن، وشكلت الأرضية التي قامت عليها علاقة صنعاء بالخارج طوال العقود الماضية.
محنة اليمن موقعا وجوارا
بالإضافة إلى الموقع الاستراتيجي الذي تضاعفت أهميته بعد قيام الوحدة اليمنية 1990م، فقد أدت المتغيرات الدولية والإقليمية التي أعقبت انهيار اتحاد السوفيتي، وحرب الخليج الثانية ( تحرير الكويت)، إلى انكشاف اليمن ومحاصرتها، والتعامل معها خليجياً كدولة مارقة، وناكرة للجميل. وإذ أدرك الساسة اليمنيون خطورة تردي العلاقة بدول الجوار في ظل الجغرافيا السياسية التي تجعل من اليمن امتدادا استراتيجيا لكل من السعودية وسلطنة عمان، فقد ضاعف من مأزق اليمنيين أن القوى الدولية الكبرى كانت ولا تزال تنظر إلى بلادهم، باعتبارها الحديقة الخلفية للرياض. وفاقم المأزق حالة الجوار السيئة مع الدولة الأغنى نفطيا.
لم تتوقف مطامع آل سعود في اليمن عند حد معين، فبالإضافة إلى احتلال محافظات نجران وجيزان وعسير في الشمال، ومناطق أخرى في جنوب البلاد مثل شرورة والوديعة، والاستغلال الأحادي لصحراء الربع الخالي، أطلقت الرياض العنان لسياسة التدخل في شئون اليمن الداخلية من خلال شراء الولاءات السياسية التي أفضت إلى فرض اتفاقية حدود مجحفة لا تزال سارية المفعول.
وبالنسبة لسلطنة عمان التي التزمت قاعدة عدم التدخل في الشأن اليمني، فقد توطدت علاقتها مع اليمن الموحد بعد اتفاقية الحدود ، لكنها مع ذلك- ولدوافع متعلقة بأمنها القومي- حصرت الامتيازات الخاصة بالنسبة للعمل والإقامة في عمان على أبناء محافظة المهرة الحدودية، الذين حاز العديد منهم الجنسية العمانية أيضا.
لاحقا وفي ظل تراجع العلاقات اليمنية-السعودية، ستظهر الإمارات كوجهة جديدة لليمنيين سواء كمستثمرين أو باحثين عن فرص عمل. وبرغم القيود التي فرضتها أبوظبي على اليمنيين إلا أن العلاقة بين البلدين والشعبين كانت جيدة إلى حد كبير، ما شجع الإمارات على عرض مشاريع مهمة تتعلق بتشغيل ميناء عدن، الذي عجزت القيادة السياسية لليمن عن استثماره على النحو المطلوب.
أما قطر فقد ظهرت كلاعب مهم مع قيام ما يعرف بالربيع العربي، حيث ساندت الدوحة الثورة الشبابية ودعمت السلطة الجديدة بمختلف رموزها الشبابية والتقليدية من قيادات الإخوان المسلمين- حزب الإصلاح.
اليمن ومصالح اللاعبين الكبار
تتعامل الولايات المتحدة الأمريكية مع اليمن من منظور أمني بحت، سواء في إطار المواجهة مع التنظيمات الإرهابية، أو لجهة تأمين الملاحة الدولية في البحر الأحمر ومن حول مضيق باب المندب، أو حتى لجهة تأمين السعودية من منطلق أن فوضى اليمن قد تستشري، فتهدد أمن المملكة المهمة استراتيجيا لأمريكا وللدول الصناعية غربا وشرقا.
وتشترك الدول الكبرى المهيمنة على مجلس الأمن في ذات النظرة ، مع ملاحظة أن فرنسا كانت إلى قبل 2015م، من أهم الدول المستثمرة في قطاع النفط، بينما تداعب كلا من روسيا وبريطانيا أحلام العودة إلى المنطقة من بوابة علاقاتها التاريخية بالجنوب اليمني.
أضف إلى ذلك، فقد كانت جزيرة سوقطرى في المحيط الهندي محط أنظار القوتين الكبريتيين موسكو وواشنطن، فقد حاولت الدولتان – كلا على حدة- إقامة قاعدة عسكرية في الجزيرة بالتفاهم مع الجانب اليمني، إلا أن صنعاء أظهرت ممانعة إيجابية تحسب لقيادة النظام السابق.
وبالنسبة لبيجين، فقد تضاعفت أهمية اليمن مع النشاط التجاري المتصاعد للتنين الصيني، حيث توفر السواحل والموانئ اليمنية قاعدة الانطلاق الأقرب إلى شرق القارة الأفريقية، ذات الحسابات التنافسية بين الدول الكبرى.
وفوق ذلك فإن اليمن ونظرا لكثافة سكانها مقارنة بدول الجوار العربي والإفريقي، شكلت سوقا مهمة للبضائع الصينية. وضاعف من أهمية اليمن أن طريق الحرير في الخطة الصينية الطموحة يشمل في مساره البحري باب المندب والبحر الأحمر.
إقليميا وجدت إيران من خلال الحراك الشعبي الذي أطلقت عليه ( الصحوة الإسلامية ) فرصة لنسج علاقات مع قوى سياسية وشعبية يمنية في السلطة والمعارضة، وساعدها في ذلك أن السعودية اتخذت موقفا سلبيا تجاه مطالب التغيير ودعمت حلا سياسيا وسطا حافظ على دور كبير للقوى التقليدية في السلطة والحكومة الانتقالية التي تشكلت وفقا للمبادرة الخليجية، ما جعل بعض الفصائل الثورية المستقلة والرافضة للمبادرة الخليجية وللتدخل السعودي، تتجه إلى الانفتاح على الجمهورية الإسلامية، والاستفادة من القواسم المشتركة مع طهران فيما يتعلق بدعم القضية الفلسطينية ومحور المقاومة، ومناهضة المشروع الصهيوأمريكي بالمنطقة.
جمهورية مصر العربية، تعد هي الأخرى من الفاعلين الإقليميين مع اليمن، فبالإضافة إلى الأهمية التكاملية بين قناة السويس ومضيق باب المندب، وأمن البحر الأحمر بشكل عام، تربط البلدان علاقة خاصة ومتجذرة منذ ستينات القرن الماضي حين دعم عبدالناصر ثورتا اليمن في الشمال والجنوب.
وبرغم أن دور مصر انحسر في اليمن لصالح السعودية، إلا أن القاهرة كانت الشريك الداعم لصنعاء خلال المرحلة الأولى من بناء الدولة ومؤسساتها الجمهورية، ومنحت هذه الخصوصية، وما تلعبه “القوة الناعمة” لمصر، علاقة البلدين والشعبين قوة دفع مستمرة. وبرغم مشاركة مصر في التحالف السعودي، إلا أن أغلب اللاجئين اليمنيين من الحرب فضلوا خيار القاهرة على غيرها من العواصم العربية.
حسابات الربح والخسارة في الحرب على اليمن
منذ بدء العدوان على اليمن تكشفت الحقائق تلو الأخرى، وتبين لأرباب العقول أن الشرعية مجرد شماعة استخدمها التحالف السعودي لتحقيق مآربه وأطماعه في اليمن، وليس آخرها العمل على تثبيت سيطرته العسكرية على محافظتي المهرة وحضرموت.
إلا أن الربح الموهوم للسعودية والإمارات، يشكل في جانب منه خسارة فادحة بالنسبة لسلطنة عمان، التي كانت مطمئنة إلى استقرار أمنها في الحدود الغربية مع اليمن، فجاء الاحتلال السعودي الإماراتي، ليهدد أمن اليمن والسلطنة، ويحد من امتيازات عمان وما تحققه من مكاسب اقتصادية عبر المنافذ البرية والبحرية إلى اليمن.
هذا التململ العماني دفع بريطانيا لمضاعفة جهودها في الملف اليمني، بالموازاة مع تنفيذ مناورات عسكرية مشتركة مع مسقط. وبرغم الضغط الذي يواجه حكومة تاريزا ماي، واصلت مبيعات الأسلحة للسعودية، كما تواصل في نفس الوقت التسويق لأوهام السلام منذ النجاح النسبي الذي تحقق في مشاورات السويد.
غير أن الولايات المتحدة كانت ولا تزال المستفيد الأكبر من حرب اليمن، فقد وقعت مع الرياض عدة صفقات بعشرات المليارات، الأمر الذي ساعد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على تحقيق وعوده الشعبوية فيما يتعلق بتوفير الآلاف من فرص العمل للعاطلين وتحسين الأوضاع الاقتصادية للمواطن الأمريكي.
وأمكن لواشنطن أيضا توظيف الجماعات الإرهابية، واستخدامها كمطية للعدوان على سيادة اليمن، حيث نفذت عشرات الغارات من خلال طائرات بدون طيار. ومنذ بدء العدوان تحركت.
” القاعدة “، واستولت على المكلا في حضرموت، ثم تراجعت وأفسحت المجال للقوات الإماراتية المسنودة أمريكيا. ومع التراجع الظاهر لدور التنظيمات الإرهابية إلا أن واشنطن ما تزال تنظر إلى اليمن كمسرح للفوضى المسيطر عليها، خصوصا بعد تلاشي تنظيمي القاعدة وداعش في العراق وسوريا، ما ينذر بأن اليمن ستكون المأوى للعناصر الإرهابية التي يراد إعادة تدويرها واستخدامها أمريكيا، كما جرت العادة.
روسيا هي الأخرى وإن سلكت درب التوازن في الملف اليمني، إلا أنها تنتظر فرصة الوصول إلى المياه الدافئة اليمنية بفارغ الصبر، لكن حتى وإن لم يتحقق هذا الطموح، فإنها لا تزال تضغط باتجاه تحقيق الكثير من المكاسب الاقتصادية مع الجانب السعودي، بما في ذلك العمل على إتمام صفقة بيع صواريخ س400 إلى الرياض، والتي جرى التفاهم عليها أثناء زيارة العاهل السعودي إلى موسكو نهاية 2017م.
لكن على عكس واشنطن وموسكو تبدو الصين حتى الآن المتضرر الأكبر من استمرار الحرب، فبالإضافة إلى تزايد المخاطر على الحركة التجارية في البحر الأحمر، فقد تعطلت مشاريع صينية- يمنية مشتركة، منها اتفاقية تشغيل ميناء عدن الاستراتيجي، وتجد بيجين نفسها في حرب موانيء مشتعلة مع الإمارات العربية المتحدة. اللافت أن الصين قد سارعت عام 2017م إلى إقامة قاعدة عسكرية في جيبوتي هي الأولى لها خارج حدودها الوطنية.
ولا شك أن ثمة مصلحة مشتركة بين أبو ظبي وواشنطن في الحد من النمو الاقتصادي للصين التي يسابق ساستها الزمن بهدف التربع على عرش الاقتصاد العالمي وتجاوز كل العراقيل التي تضعها الإدارة الأمريكية في طريق التنين الآسيوي.
الإمارات العربية المتحدة، وهي الفاعل الثاني ميدانيا وربما الأول، دخلت الحرب وعينها على الموانئ الاستراتيجية في جنوب وشمال البلاد. وفي سبيل الوصول إلى هذه الغاية تسلك الإمارات طريق العدوان ذي النزعة الاستعمارية، فقد قلبت ظهر المجن على ما يسمى بالشرعية، وتولت بنفسها تشكيل ميليشيات خاصة- سمتها أحزمة أمنية- في عدد من المناطق والمحافظات اليمنية، وقد ساعدتها بعض فصائل الحراك الجنوبي في السيطرة على الموانئ والسواحل والجزر المهمة، وما تزال أبوظبي تعمل باتجاه السيطرة على ميناء الحديدة غربي اليمن رغم أن محاولاتها العسكرية السابقة وصلت إلى طريق مسدود.
السعودية وأطماعها السافرة في حضرموت
تعليقا على خطوة السيطرة السعودية على مدينة سيئون بمحافظة حضرموت يمكن للبعض أن يسأل: لماذا تأخرت السعودية أربع سنوات منذ بداية العدوان حتى تتواجد عسكريا في هذه المحافظة الكبيرة والمهمة جيوسياسيا؟
من المعروف أن ما يسمى بعاصفة الحزم التي باشرت عملياتها العسكرية صبيحة 26 مارس 2015م، واتخذت من عنوان استعادة “الشرعية” غطاء لها، ركزت على المحافظات والمناطق التي غدت تحت سيطرة اللجان الشعبية المحسوبة على ” أنصار الله- الحوثيين”. وحيث أنه لم يكن هناك تواجدا لهذه اللجان في حضرموت، فقد انتفت الذريعة لاستهداف المحافظة والعدوان عليها مع بداية الحرب.
هنا استغلت الجماعات الإرهابية وفي مقدمها تنظيم القاعدة، الأوضاع المستجدة ، وتحركت بضوء أخضر أمريكي- سعودي، فسيطرت على مدينة المكلا في حضرموت، الأمر الذي منح تحالف العدوان السعودي الأمريكي مبرر التدخل العسكري تحت غطاء “محاربة التنظيمات الإرهابية “، إلا أن هذه الخطوة تأخرت عدة أشهر، جرى خلالها توظيف عناصر القاعدة والسلفية الجهادية في مواجهة الجيش واللجان الشعبية اليمنية في عدد من المحافظات.
وفي إبريل 2016م، تحركت قوة عسكرية إماراتية وبمساندة أمريكية، وأمكن لها في مواجهة مسرحية وفي ظرف ساعات إعلان تحرير المدينة من القاعدة والعناصر المسلحة. وبعد ثلاث سنوات من الاحتلال الإماراتي للمدينة، يأتي تعزيز الاحتلال بقوة سعودية، ليكشف ضمن عوامل أخرى عن الرغبة الدفينة للنظام السعودي في الوصول إلى المياه الدافئة جنوبي اليمن مهما كان الثمن.
كما أن الحديث عن مشاريع استراتيجية تنوي المملكة إقامتها كـ ” قناة سلمان”، والأنبوب النفطي من الخليج العربي إلى بحر العرب عبر المهرة أو حضرموت، وجسر النور بين جيبوتي واليمن، وغيرها من مشاريع، لا تريد المملكة تنفيذها عبر شراكة حقيقية، بل ضمن تفاهمات على حساب المصلحة الوطنية وسيادة الدولة اليمنية.
التحضير للمعركة الشاملة مع إيران
يتزايد الحديث عن حرب شاملة في المنطقة، تنسج خيوطها بتناغم صهيوأمريكي، وبقبول سعوإماراتي، إلا أن عدم الثقة في نتائج الحرب مع الجمهورية الإسلامية ومن معها من القوى والحركات المدرجة في “محور المقاومة”، يدفع اللاعب الأمريكي إلى تهيئة الأجواء باتجاه عزل إيران لصالح التطبيع المكشوف بين الدول العربية وإسرائيل. وقد جاء مؤتمر وارسو في فبراير 2019م ليكشف عن مدى قبول النخب الانهزامية العربية بإسرائيل، وبالتعاطي معها كدولة صديقة، على الطريقة التي أوحى بها وزير خارجية هادي خالد اليماني.
قبلها وبعدها تصرفت عمان وصرح وزير خارجيتها باتجاه إمكانية التطبيع مع الكيان الصهيوني، والتعامل مع دولة إسرائيل كأمر واقع. ورغم أن البعض فسر الخطوة العمانية على أنها رد عملي على تهديد الأمن القومي العماني، بسبب التواجد العسكري المتصاعد للسعودية في شرق اليمن، إلا أن السلوك العماني قد حد من سمعة السلطنة، ومن دورها المحايد الذي كان يمكن أن تلعبه في التقريب بين دول المنطقة والتخفيف من حدة الصراعات القائمة. ولعل هذا ما يريده اللاعب الأمريكي الذي يجهد نحو تحييد أي صوت عقلاني يعترض مسار الحرب المحتملة.
وفي هذا الإطار كان واضحا أن الاستماتة التي ظهر عليها تحالف العدوان وهو يحاول استكمال السيطرة على الساحل الغربي لليمن، واحتلال الحديدة وميناءها الاستراتيجي، غير منفصلة عن هدف أكبر يشمل تأمين الملاحة في البحر الأحمر، والحؤول دون أي تهديد فعلي للبارجات الحربية التي لا بد من تأمين حركتها خلال وبعد العبور من مضيق باب المندب.
صحيح أن ثمة تهدئة نسبية تشهدها الحديدة مع محاولات متكررة لتنفيذ اتفاق ستوكهولم وتحييد المحافظة عسكريا، إلا أن السيد عبدالملك الحوثي هدد في حوار تلفزيوني لقناة المسيرة في إبريل 2019م على نحو واضح بتفعيل القوة البحرية في حال تعرضت الحديدة لتصعيد عسكري مجددا.
التقسيم، الفوضى، وانفصال الجنوب
أدى ظهور أنصار الله كلاعب سياسي فاعل ومسيطر منذ 21 سبتمبر 2014م إلى ردة فعل سعودية بهدف تحجيم القوة الفتية الجديدة ومحاصرة فرصة خروج اليمن من تحت العباءة السعودية الأمريكية. ولأن هذه المهمة قد فشلت تماما، فإن سيناريو انفصال الجنوب ما يزال قائما، ولا تزال السعودية تتطلع إلى قيام دولة رخوة وتابعة لها في جنوب اليمن، ما يمكنها من تنفيذ مشاريعها الطموحة، إضافة إلى الاستفادة من الموقع الاستراتيجي والموانئ المهمة اليمنية، ودفع أنصار الله للانكفاء في شمال البلاد.
بيد أن صعوبة قيام دولة مستقرة وقوية في الجنوب على المدى المنظور، لا يشجع على المضي في إعلان دعم انفصال الجنوب عن شمال اليمن، كما إن العمل على تثبيت الوحدة وتقوية الدولة اليمنية غير وارد في المشروع السعودي أصلاً.
هنا تتقاطع المصلحة السعودية مع المشروع الصهيوأمريكي، بالعمل على تقسيم اليمن إلى عدة كانتونات تتجاذبها الفوضى والصراعات، وحتى إن استيقظت القوى اليمنية وانفتحت على بعضها، فإن الطموح الأكبر لدى النخب الحزبية أن تتحول اليمن إلى دولة فيدرالية من إقليمين أو أكثر ( مع فارق أن طموح وظروف قيام دولة اتحادية قبل العدوان مختلف جذريا عن تصور الدولة اليمنية التي يريدها التحالف السعودي بعد الحرب).
أما إذا لم يتوافق اليمنيون، فلا مانع بالنسبة للسعودي والأمريكي أن تطول فترة الحرب، مع تغذية الصراع الداخلي في إطار قواعد اشتباك مسيطر عليها، لكن لا مكان فيها لمصطلحات وأوهام من قبيل “الشرعية” وغيرها، فالعدو السعودي الأمريكي كان ولا يزال يتعامل مع فرقاء الصراع اليمني باعتبارهم جميعا “فخار يكسّر بعضه بعضا”..ولا عزاء للأغبياء.!
*ينشر بالتزامن مع مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية اليمني