أنذرهم اليمنيون طويلا، وأعطوهم بعضا من الدروس، فلم يفهموا وحاولوا التملص والهروب من تبعات تلك الدروس، وصولا إلى صباح أمس إذ نزلت بساحتهم عمليةُ توازن الردع الثانية، (فساء صباحَ المُنْذَرِيْنَ).
لأول مرة تقريبا تسبق السعوديةُ إعلامَنا الحربي بالإعلان عن تعرُّض منشآتها النفطية للاستهداف؛ لقد كانت العملية مُدَوِّيَةً، أسمعت الصم البكم، وأهل الأرض وأهل السماء، فَبُهِتَ بها الذين كفروا بقضيتنا، واعتدوا على حرماتنا، ودَوَّتْ انفجاراتُها فأصاخت مسامع الإنس والجن، وصوّرها المواطن والمقيم، فلم تستطع السعودية كِتْمانَ مَا يَجْرِي، فأعْلَنَتْ ظَنًّا منها أن الإعلان المبتسر ربما سيهوِّن من العملية، ويغضُّ مِنْ طَرْفِ نتائجها، ويخفِّفُ من ألم آثارها.
ومع ذلك لم يحدث ما أرادوه، بل فرضت العملية نفسها على العالم كله؛ لأنها أصابتِ البقرةَ الحلوب في مقتل، البقرة التي وَسِعَتْ أثداؤُها أفواه بني الأصفر والأحمر، والأبيض والأسود، فكان لا بد أن تتداعى نتائجها لتصيب بالهلع قلوب الراضعين، في جميع أنحاء العالمين.
خمسة ملايين برميل نفط يومية تأثرت بهذه العملية، ونصف إنتاج السعودية النفطي يمر من هذه المضروبة في (بقيق) و(خريص)، والنتائج الموجِعة تتابع، ويكشف عنها الإعلام ساعة بعد ساعة، عملية زلزلت أهل الأرض، وأسرّت أهل السماء، ملأ دخانُها صفحات السماوات!! وقد تكفَّلَتْ وكالة ناسا بنشر صور فضائية لأعمدة الدخان فيها، فإذا بها تُغطِّي مساحة تساوي مساحة (قطر) مرتين.
خبيرٌ بالطائرات المسيرة يقول: إنَّ اليمنيين باتوا رقما صعبا في عالم صناعتها وتسييرها واستخدام أعداد منها في آن واحد من جانب، وتشغيل أنواعٍ منها من جانب آخر، والخبراء يجمعون أنَّ كُفَّةَ أبطالنا راجحة ووازنة بالمستوى التكتيكي والاستراتيجي، ونحن نقول: إنه السر اليماني، والحكمة اليمانية، والثقة بالله، والتوكل عليه، وأبطالنا هم اليمانيون الإيمانيون، الذين طالما عرف التاريخ عنهم صولاتِ أبطالٍ، ونهضاتِ سباع، أسقطت إمبراطوريات، ودمَّرَتْ ممالك، وشادت صروح حضارات، فإذا قاموا لأمر لم يقعدوا حتى ينالوه ولو كان دوين الثريا.
في الردِّ اليمني تتزاحم المفاجآت، ويصدق الوعد والوعيد، ويتحقق التوصيف، قالها اليمنيون من أول يوم: إن العدوان أمريكي بأدوات سعودية وإماراتية، وإن العدوان سيستمر ما دامت هناك (بقرة حلوب) تُدِرُّ نتاجا مدرارا إلى أفواه الأمريكيين وسواهم، والأمريكيون يحاربون الشعب اليمني من أجل (شفط) هذا الثدي الملعون، واليمنيون يكتوون بنار الحرب بسببه أيضا.
إذن بات اليمنيون على قناعة أكيدة بأن الحرب لن تضع أوزارها ما دامت (بقرة حلوب) تقف، وضرعٌ يُحْلَب، وأمريكي يَرْضَع، فتبيّن أن عدونا ليس هو السعودي، ولكنها البقرة، وأصبح من الضروري العملُ على نحرها، وإخراجها من حظيرة الأطماع الأمريكية، ومفاتن الإغراءات السعودية.
النظامُ السعودي اليوم يريد الخروج، لكنه في وضعية الذي يتخبَّطه الشيطان، بلا عقل استراتيجي، ولا رؤية عملية، وهو يحاصر نفسه بالغرور الخاوي، والكِبر المتصَنَّع، بيد أن اليمنيين أدركوا من أين تُنْحَرُ البقرة، ولماذا وكيف، وها هي تترنّح تحت الضربات المتكرِّرة والمؤلمة، ومثلما كان قرار الحرب ليس بيد السعودي، فإن قرار الخروج ليس عنده أيضا، وتسديد وتشديد وتكثيف عمليات قوية ونوعية وقاصمة وقاتلة نحو (البقرة) هو ما سيُعَجِّلُ بصاحب قرار الحرب أن يقرر إيقافها. السلام في اليمن والانتصار للمظلومين يمُرُّ من حظيرة (بقرة ترامب المقدسة).