جاء في قاموس “التعريفات” للفيلسوف والمفكر أبي بكر عبدالرحمن السقاف في تعريف الكرامة أنها “مقولة أخلاقية فحواها قيمة الإنسان المطلقة بما هو كائن اجتماعي عاقل . كتب فلاسفة الإغريق والرومان عن كرامة الإنسان، وفي المسيحية إشارة صريحة وواضحة إلى أن الإنسان مخلوق على صورة الله ،وتكريم بني آدم في القرآن الكريم وقضية استخلافه في الأرض جلية في غير سورة ” (صحيفة التجمع ،العدد٦١٧، الاثنين ٣ مارس ٢٠٠٨).
ويضيف السقاف في تلخيصه لمفهوم الكرامة أنها صورة وعي الذات وتقديرها وضبطها ومعرفة المسؤولية المناطة بها نحو الذات والآخرين، كما يبين أن إثبات الذات والحفاظ على الشخصية وكرامتها ممكن فقط عبر الاعتراف والاحترام الذي يبديه الشخص للآخرين ،وأن هذا هو ما جعل من مفهوم الكرامة في العصر الحديث ، وفي التاريخ المعاصر موئلاً نظريا وأخلاقيا وسياسيا لحقوق الإنسان ،وجعلت منه الدساتير الديمقراطية معينا لحقوق متجددة ومتنوعة.
إن القول بان الكرامة الإنسانية قيمة أخلاقية مطلقة يعني أنها مثال أخلاقي ،وبين المثال والواقع مسافة وإلا لما كان مثالا يرشد ويحفز الوعي والممارسة الأخلاقيين على التطلع إلى الأفضل .ويقدم التاريخ الإنساني أدلة كثيرة على المواجهة الدائمة بين التوحش وشتى أساليب إهدار الكرامة الإنسانية وبين السعي لصون حياة الإنسان وكرامته وجعله قيمة عليا ،وهذا ما أوصت به الأديان وسعت لتبريره عقليا ومنطقيا الفلسفة الأخلاقية على مر العصور .
من هذه الزاوية يجدر بنا التوقف مليا عند النصر الأخلاقي الجلي الذي تحقق في عملية “نصرٌ من الله” ،والذي لا يجوز بأي حال التقليل من شأنه بالتركيز على العربات والآليات المدمرة فقط . إن التعامل الذي لقيه الأسرى جسد عقيدة أخلاقية ثابتة لا تسمح بإهدار كرامة الإنسان او احتقاره وإذلاله حتى لو كان عدوا وفي أخطر وأحرج الظروف .
ففي غمرة المواجهات العسكرية ودوي القذائف ولعلعة الرصاص ، وتحليق وقصف الطيران لم يسمح المقاتل اليمني لنفسه بالتفريط بمبدئه الأخلاقي بل تحمل كلفة تجنيب الأسرى قصف الطيران وقام بإيوائهم ونقلهم وسقط العديد من الشهداء في إنجاز هذه المهمة النبيلة ، وكان يستطيع حصارهم وتركهم لطيران العدوان ليصفي حسابه مع أدواته .
قال أحد الأسرى مخاطبا مجهادي قواتنا المسلحة : “ما سلمنا لكم إلا ونحن نعرف معاملتكم” ، وهذا اعتراف بأن التعامل مع الأسرى انطلاقا من روح الدين وأصالة أخلاق الشهامة والشجاعة والنبل قد صار سلاحا معنويا مؤثرا في جبهة العدو إلا أنه لم يكن ذريعة بل موقفا عقائديا راسخا .
إن احترام كرامة الأسير يعني احترام كرامة الإنسان بوجه عام ، وهذا التعميم هو الأرضية التي نشأت عنها المفاهيم الأخلاقية العامة، وكل خصم يتسم بشيء من الشجاعة لا يستطيع إلا أن يعترف بالتفوق الأخلاقي للجيش واللجان الشعبية في التعامل مع أسرى الحرب منذ بداية العدوان ، وبرز بصورة أوضح وأقوى في عملية ” نصرٌ من الله” التي كانت نصرا مبينا للكرامة الإنسانية . وأي إنسان يستطيع أن يعمل خياله ليرى ما كان سيحدث لو أن العدوان ومرتزقته هم الذين انتصروا وأن تلك الحشود الكبيرة من الأسرى هم من الجيش واللجان !
نحن أمام جبهتين متقاتلتين في مجال الأخلاق ، وقد علمنا القرآن الكريم أن كلا يعمل على شاكلته .