ندلف اليوم في رحاب شهر الخير والإحسان ، شهر البذل والعطاء ، شهر الجهاد والتضحية ، شهر القرآن ، شهر الصيام والقيام والطاعات والعبادات ، شهر حصد الحسنات والتنافس على الظفر بالجوائز الإلهية الكبرى التي أعدها الله سبحانه وتعالى لمن صام أيامه إيمانا واحتسابا ، إنه شهر الله ، أيامه أحلى الأيام ، ولياليه أفضل الليالي ، وهو محطة سنوية يتزود فيها الصائمون بما يخدمهم وينفعهم في آخرتهم ، ويرفع من موازينهم ، ويزكي نفوسهم ، ويمنحهم قوة الصبر والعزم والإرادة ، والتي تعد من أبرز الغايات والأهداف التي شرع الله من أجلها الصيام.
وهو فرصة أتاح الله من خلالها للغارقين في وحل الذنوب والآثام والتيه والغواية والانحراف والضياع والغفلة ، بالعودة إلى الله ، وإعلان التوبة وتصحيح المسار وتقويم الاعوجاج ومعالجة الخلل ، لتسمو نفوسهم وتحلِّق بهم في فضاءات رحبة من الإيمان والتقوى ، فالغرض والغاية من الصيام هي التقوى {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } وإذا لم تتحقق التقوى ، ولم نلمس أي أثر لها في حياتنا ، فالواجب علينا مراجعة حساباتنا ، وتصحيح صيامنا ، وتشذيب الهفوات والأخطاء التي نقع فيها ، والإقلاع عن اقتراف الذنوب والمعاصي ، والإقبال على الله بنفوس راضية مطمئنة مفعمة بالإيمان ، ومتجردة من كل الرزايا والآثام.
فيه تمتلئ المساجد بالمصلين ، ويزال الغبار من على المصاحف التي ظلت على رفوف المساجد منذ اليوم الأخير من شهر رمضان الماضي ، وهذه نعمة يحرم منها البعض ، ممن ينظرون إلى رمضان على أنه الامتناع عن الأكل والشرب في نهاره ، ويهجرون المساجد والقرآن ، ويقضون ليالي هذا الشهر الفضيل أمام شاشات التلفزة ، يتنقلون بين القنوات الفضائية ، لمشاهدة المسلسلات والمسابقات والبرامج التي يتم إنتاجها خصيصا لإلهاء المسلمين عن صومهم وإفساده عليهم ، والإدمان على تضييع الوقت في اللهو واللعب والانشغال بما لا ينفع ولا يسمن ولا يغني من جوع.
ورمضان موسم للعطاء يضاعف الله فيها الأجر والثواب ، ولذلك حري برجال المال والأعمال والميسورين ورجال الخير والإحسان والعطاء المبادرة إلى مد يد العون للفقراء والمساكين والمحتاجين والأيتام والمعسرين وأسر الشهداء والجرحى والأسر المتعففة التي لا عائل لها ، ولا تجد ما تشبع به جوع أطفالهم ، و يروي ظمأهم ، ويسد فاقتهم ، فهو شهر البذل والجود والعطاء والإحسان ، وهنيئا لمن جادوا بالخير مما أعطاهم الله ، وأنفقوا من طيبات ما رزقهم الله.
واليوم وفي ظل منع السلطات السعودية الحج والعمرة ، فإن الفرصة مواتية لأولئك الذي أدمنوا على الحج والعمرة سنويا ، وجعلوها أشبه بالموضة ، لطرق أبواب الفلاح والسعادة في الدنيا والآخرة ، بالالتفات لذوي الفاقة والحاجة ومن يستحقون العون والمساعدة في الأحياء والحارات ، ويقدموا لهم العون ، وسيبارك الله لهم في حالهم ومالهم وأولادهم ، وسيجزيهم الله أضعافا مضاعفة من أجر الحج والعمرة.
بالمختصر المفيد: رمضان هل هلاله ، وأسأل الله جل في علاه أن ينعم علينا فيه بالخير والصحة والسلامة والأمن والأمان والنصر والتمكين على الشيطان الرجيم وقرنه اللعين ، وأن يجعلنا من الفائزين ، في أوله بالرحمة ، وفي أوسطه بالمغفرة ، وفي أواخره بالعتق من النار ، وأن يعيننا على صيام نهاره ، وقيام ليله ،ويبلغنا ليلة القدر ، وأن يرحم والدينا ووالديكم ، أحياء وميتين ، وأن يرحم الشهداء ، ويشفي الجرحى ، ويفك الأسرى ، وأن يكتبنا فيه من الذين صاموه إيمانا واحتسابا ، وأن يجنبنا البلاء والغلاء والكوارث والفتن ما ظهر منها وما بطن.
شهر مبارك و كل عام وأنتم بألف ألف خير ، وعاشق النبي يصلي عليه وآله وسلم.