في العام الماضي وفي مثل هذه الأيام من الشهر الفضيل، ارتكب تحالف العدوان السعودي الأمريكي جريمة بشعة بحق المدنيين في حي الرقاص بالعاصمة صنعاء.. هذه المرة كنت وأسرتي هدفا للغارة العدوانية، التي قلبت حياتنا، وكل ضحاياها رأسا على عقب..
لا أريد أن أكرر نفسي هنا بالحديث عن إرادة الصمود، وكيف أمكن لنا تجاوز هذه المحنة، فتلك قضية مفروغ منها، فقد سطرت يوميات العدوان حكايات يمنية أشبه بالأساطير، ومع ذلك فإن أبطالها يدبون على الأرض كشاهد على حقارة العدوان وعظمة أبناء شعبنا، الذين أراد العدو قهرهم وإذلالهم، فارتد كيدهم وبالا عليهم وعلى مرتزقتهم وكل من جندوه لخدمة أهدافهم وأجندتهم.
عشرات المجازر ارتكبها هذا العدو المتغطرس، فقتل الآلاف من المدنيين، واستهدف كل التجمعات الآمنة ولم يستثن صالات العزاء ولا مخيمات النزوح أو مقابر الموتى.. استباح دماء الأطفال والنساء ووزع الموت بالجملة على كل قرية ومدينة، وخلفت غاراته الدمار على مختلف المرافق والبنى التحتية، وكلما ارتكب مذبحة هنا خطط لأخرى هناك، فلم يشبع أو يرتوي، بل بدت شهيته مفتوحة وبلا حدود. ولولا تصاعد الردع اليماني الذي لم يتوقعه لما توقف يوما عن ارتكاب الجرائم، وانتهاك الحرمات.
حاول أن يبرر، أن يفبرك.. تملص تارة، وأنكر تارات، وحين اضطر للاعتراف، ونادرا ما كان يعترف، فقد تعمد التمييع، فإذا وجد نفسه محاصرا بشكل أو بآخر، بادر إلى التبرؤ، متهما طرف المرتزقة برفع إحداثيات مغلوطة. وفي المجمل فقد كشر عن أنياب متوحشة، وقلوب متحجرة، وعيون لا يرف لها جفن، أو يسيل عنها دمع.
هذا وقادة التحالف عرب ومسلمون ولنا عليهم حق الجوار والإنسانية، فلم يردعهم وازع ديني، ولا أخلاق عروبية، ولا ضمير إنساني، بل لعل في عالم الغاب قواعد مرعية بين المفترسات وضحاياها أكثر احتراما من هذا الانحطاط السعودي الإماراتي، الذي ضرب بكل القيم وتجاوز كل الحدود والأسوار التي يتعين مراعاتها في السلم أو الحرب.
ربما ظنوا وبعض الظن إثم إن الرضا الأمريكي عنهم، ودعمه المباشر وغير المباشر لحربهم العدوانية، قد منحهم الضوء الأخضر ابتداء وصكوك الغفران انتهاء، ونسوا أن قوة الله هي القاهرة أولا وأخيرا، وأنه سبحانه يمهل ولا يهمل، فأين يذهبون من سخط الله، وهم يرون كيف تدور عليهم الدائرة بأسرع مما كنا نتوقع أو نتخيل، أما عذاب الآخرة فأكبر وأخزى..
ومرة أخرى أقول: نعم لقد فجعونا وأوجعونا، لكن عناية الله ورحمته كانت أقوى وأمضى فلله الحمد والمنة، وللقتلة والمعتدين الخزي والعار والخسران.
أرادوا إبادتنا ومحو ذكرنا فشاء الله لنا العزة والشرف والاصطفاء.. فما أكرم خاتمة أمي الشهيدة الغالية، وأي ارتقاء أجمل من شهادة الولدين الصالحين لؤي وحسن. أما من أصيب منا فقد من الله عليه بالعافية والصبر والثبات واحتساب الأجر عند الله. وعند الله تلتقي الخصوم.