تتصاعد الحرب الباردة بين الصين والولايات المتحدة، لتأخذ صورا غير مألوفة في الماضي البعيد أو القريب، فمحور هذه الحرب يدور حول الاقتصاد والتجارة وتطور تكنولوجيا الاتصالات، ومخاوف الغرب بشكل عام من الوثبة الصينية في مختلف المجالات، وما تحمله من تغيير كبير للمعادلات السياسية في عالم بات يعتمد على المعرفة والمعلوماتية كرأسمال للحاضر والمستقبل.
أما عالمنا العربي، فيبدو مغيبا تماما عن هذه التطورات، بل لا تزال أراضيه مسرحا لتصفية حسابات الدول الكبرى، ومعمل اختبار لكل الأفكار الجديدة في مضمار الثورتين الصناعية والمعلوماتية. والأسوأ من ذلك أن مجتمعاتنا العربية ما تزال خارج الفعل الحضاري، إذ لا تزال غالبيتها تصارع في مضمار ” الأمن الغذائي “، ولما تفلح بعد.
لقد رهنت النخبة الحاكمة قرار الدول العربية للفواعل الخارجية، وفشلت في تحقيق النهضة المطروحة منذ ما يزيد عن مائة عام، إذ تحولت الأهداف الكبرى إلى مجرد شعارات براقة من جانب، وصراعية من جانب آخر، وبرغم الصحوات والتجارب المضيئة المحدودة والمتقطعة في حراك أمتنا، إلا أن الخيبة العامة ما تزال المحصلة المرة لكل ما يعتمل على الأرض العربية المستباحة من الداخل والخارج.
وفي بلادنا اليمن التي تتعرض لحرب وعدوان غير مسبوق على مستوى الصراع في المنطقة، ثمة سياق مختلف يبشر في ظاهره بتوجه مغاير لما ألفته البلاد تحت حكم الأنظمة السابقة، التي أضاعت الكثير من الفرص، التي كان يمكن استثمارها، باتجاه بناء دولة ناهضة مكتفية زراعيا، ومقتدرة صناعيا، فالخطوات المعلن عنها من صنعاء، باتجاه تنمية الزراعة وتطويرها تحت عنوان الاكتفاء الغذائي، تشير ابتداء إلى إرادة الصمود في مواجهة العدوان والحصار، وتبشر من جهة أخرى بنهوض زراعي لا غنى عنه إن كنا نتطلع إلى دولة مستقلة ذات سيادة، يتوافر لشعبها ومواطنيها العيش الكريم، وإن في الحد الأدنى.
مع ذلك تبقى الخطوات المعلنة دون الحد المأمول. ومع اعترافنا بتعقيدات الواقع المعاش، إلا أن الثورات الحقيقية هي التي تقفز بالشعوب إلى الأمام في تغيير جذري شامل ينقلها من الركود والتبعية إلى مصاف الدول والمجتمعات المتمكنة والمقتدرة. ولا يمكن لبلادنا أن تحقق قفزة من هذا النوع إلا إن أقدمت على خطوات سريعة ومتوالية في مختلف المجالات، خطوات مدروسة ومحسوبة النتائج كذلك، الأمر الذي يتوجب إعمال ” الفكر الاستراتيجي ” بهدف التغيير الشامل، مع الاستفادة من المبادرات المحلية هنا وهناك.
وبالموازاة مع التخطيط الاستراتيجي، يتعين استثمار كل الطاقات والإمكانات المادية والبشرية على طريقة ” النفير العام ” إلى الجبهات، فالتنمية الزراعية والاقتصادية تعد نوعا من الجهاد الذي لا يقل أهمية عن القتال وبذل الأرواح للذود عن العرض والوطن. ولا شك أن حراكا تنمويا يستند إلى ” روح الجهاد “، يمكنه ردم الهوة التي تشكلت بفعل ” التيه ” الذي عشناه تحت الأنظمة السابقة. وبدلا من التيه مرة أخرى، لابد من تضافر الجهود في إطار مصفوفة ثورية ذات آفاق مستقبلية رحبة، لا مجال معها للأوهام الماضوية المعشعشة في الأذهان.