في الخامس عشر من فبراير/ شباط 2018 عُين مارتن غريفيتث مبعوثاً أممياً خاصاً إلى اليمن، خلفاً لإسماعيل ولد الشيخ أحمد سيئ الصيت. لكن الزمن لا يأتي بالأفضل كما يقال، وهذا ما أثبتته الأيام بعد عامين من عمل المبعوث الأممي الذي أصبح اليوم لا يتحرج من تبني مشاريع تحالف قوى العدوان السعودي الأمريكي الظالم على الشعب اليمني.
هذا الانخراط الواضح والصريح لغريفيتث في صف العدوان دفع الناطق الرسمي لأنصار الله رئيس الوفد الوطني المفاوض، محمد عبدالسلام، إلى إعلان موقف صريح من مواقف المبعوث، حيث قال في تغريدة له على حسابه في "تويتر": "من حديثه الأخير يتضح أن مبعوث الأمم المتحدة قد انفصل عن مهمته وما تتطلب من حيادية وإنصاف، وبات منخرطا مع قوى العدوان على اليمن، متبنيا أطروحتهم بشكل كامل، وهو بذلك يساهم في إطالة الحرب العدوانية العبثية ويغطي على آثار الحصار الظالم، وهذا التعاطي السلبي يجعل من صاحبه جزءا من المشكلة".
هذه التصريح القوي من الرجل الأول في الوفد الوطني يضع مهمة المبعوث الأممي على المحك، لأنه جاء عقب تصريح سابق فتح فيه عبدالسلام النار على الأمم المتحدة عقب قيام الأخيرة برفع تحالف العدوان وعلى رأسه السعودية من قائمة العار، حيث قال: "رفع أمين عام الأمم المتحدة تحالف العدوان ومملكة الإجرام من لائحة العار خطوةٌ مدانة، وهي لا تنفي جرائم العدوان بحق الشعب اليمني وأطفاله الأبرياء، بقدر ما تدين صاحبَها، وتؤكد أنها منظمة متواطئة مع القاتل المعتدي، وأنها غير جديرة برعاية أي حل سياسي، لا في اليمن ولا غير اليمن".
كلام عبدالسلام أثبت أن الأمم المتحدة ومبعوثها جزء من المشكلة، وكيف يمكن لمن هو جزء من المشكلة أن يصنع حلاً، لذلك غدا تواطؤ الأمم المتحدة ومشاركتها في العدوان على اليمن ليس خافياً على أحد، من خلال صمتها على الجرائم الوحشية للعدوان بحق الأبرياء والمدنيين كل يوم، ومشاركتها في الحصار الذي تفرضه قوى العدوان على اليمن براً وبحراً وجواً منذ بدء العدوان في 26 مارس 2015.
لكن كل هذه الأسباب والتراكمات لم تكن وليدة اللحظة، بل كانت تزداد يوماً بعد آخر، لتكشف نوايا المبعوث الأممي، بدءاً ذلك من "اتفاق ستوكهولم" بشأن الحديدة في 13 ديسمبر عام 2018.
كان يمكن لاتفاق الحديدة أن يمثل بداية حقيقية لإنهاء العدوان وإيقاف الحرب ورفع الحصار، لو كانت بريطانيا ومعها أمريكا من خلف السعودي والإماراتي يريدون حقيقة إيقاف الحرب العدوانية على اليمن، لكن التعامل مع اتفاق الحديدة منذ اليوم الأول كان ينبئ بعكس ذلك، من خلال عدم الإيفاء بالالتزامات التي وقع عليها الطرفان، حيث تنصل العدوان ومرتزقته من تنفيذ أغلب النقاط، ومارسوا الخروقات اليومية التي سقط خلالها عشرات الضحايا من المدنيين ومئات الجرحى، لكن مراقبي الأمم المتحدة يغضون الطرف عن كل ذلك حتى اليوم.
هذا الانحياز والتساهل الذي تظهره الأمم المتحدة والعاملون معها يبين مدى الانغماس وتشابك مصالح المنظمة الأممية مع قوى العدوان التي تدعمها بعشرات المليارات، لذلك رمت بكل القيم الإنسانية عرض الحائط، ما دام القاتل يدفع لها المال ويشتري مواقفها بالبترودولار.
لذلك نرى المبعوث الأممي إلى اليمن، مارتن غريفيتث، الصامت على الحصار الجائر الذي تفرضه السعودية على اليمن وتمنع دخول الدواء والغذاء والمشتقات النفطية، والأعمى عن جرائم العدوان الوحشية بحق الشعب اليمني، لا يأتي إلا عند حاجة العدوان ومرتزقته له، لذلك ظهر لإدانة التصعيد في الجوف ومأرب. ما كل هذه الوقاحة للأمم المتحدة ومبعوثها الذي أصبح صبي بن سلمان المدلل وصوت مملكة المنشار؟!
لذلك فإن أنجع الحلول هو استمرار ضربات العمق السعودي واستهداف المصالح الحيوية كمحطات تحلية المياه والكهرباء التي ستشكل ورقة ضغط على النظام السعودي المعتدي، وكسر كل قواعد الاشتباك التي أظهرت القيادة العسكرية اليمنية براعتها فيها، حتى إرضاخ العدو السعودي المتغطرس للحوار والسلام المشرف الذي تصنعه أفواه البنادق لا الصالات والغرف المغلقة.
* نقلا عن لا ميديا