|
السياسة فن صناعة الحيوات
بقلم/ عبدالرحمن مراد
نشر منذ: 4 سنوات و أسبوع و 5 أيام الجمعة 20 نوفمبر-تشرين الثاني 2020 07:40 م
السياسة في غالبها ليست بطولات وعنتريات ولا هي آليات وترسانة عسكرية بل هي صناعة .. صناعة مناخات، وخلق فرص، واقتناص فرص، والخيار العسكري والأمني في السياسة ليس خيارا منطقيا في كل تموجاتها لأنه لا يفتح طرقا لمراحل وأزمنة آمنة ومستقرة .
وعلينا أن ندرك أن السياسة هي فن الممكن وفن صناعة المستحيل، وهنا يكمن التحدي في التفاعل اليومي والبيني والقفز على الحواجز وتجاوزها بذكاء اللاعب في المضمار وقدراته الذهنية لا قوته العضلية أو المادية أو العسكرية .
ويمكن أن يقال إننا أمام مرحلة جديدة، هي متغايرة لكنها لا تسير وفق أحلامنا ولا وفق تطلعاتنا بل تكاد تكون صادمة ومعيقة أكثر منها منسابة أو ساربة في مجرى التطلعات الوطنية، وتبعا لها لابد من الوعي بها حتى نضع فرضياتها المحتملة، فالوعي بها هو الوعي بالقدرة والسيطرة على مقاليد الزمن الذي يسير وفق قراءات واستراتيجيات تريد له أن يكون فاعلا ومحققا لمصالحها، وتلك الاستراتيجيات وضعت من قبل مختصين في العلوم الإنسانية المختلفة، وهو الأمر الذي يفرض علينا ضرورة التعاطي معه بقدرة ذهنية تفوقه، وتقفز على شروط “الأنا” المظلل في الصناعة والإبداع والابتكار .
لاشك أن العدوان على اليمن ترك ظلالا قاتمةً، وعمل على الإخلال بحركة التوازنات في المجتمع، وهو غير واضح المعالم كون المجتمع اليوم تتنازعه ثلاثة أبعاد نفسية تنحصر في الخوف، والتربص، والمداهنة، ولذلك لا يمكن الوثوق بالظاهر وإن بدا شكله واضح المعالم، فالتناقض في المجتمع اليمني قديم، ومحاولة التآلف فيه والتناغم تحتاج زمنا غير قصير يمتاز بالاستقرار والرفاه، بحيث ترتبط الفئات الاجتماعية بمصالح مع السلطة، ومثل ذلك غير متحقق في مثل الظروف التي تمر بها اليمن اليوم – من حيث العدوان والانقسامات – كما أن الشرخ والهوة اتسعت بالقدر الذي لا يمكن ردم الصدع فيه، ولذلك فكل المحاولات لردم الصدع ستكون فاشلة، فالعدو الذي تواجهه ليس محدود الإمكانيات ولا قليل الوفرة المالية بل يملك قدرات مهولة ..مهنية ومادية وتقنية، وأمام مثل ذلك تكون نسب النجاح ضئيلة في السيطرة والردم، مع قناعتنا وثقتنا المطلقة في تدابير الله لكن تدابير الله تسير وفق قانون فطري وهو يقول “فقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله”.
وعلينا أن ندرك أن الاشتغال الطائفي للقنوات الفضائية – في ظل الظروف القاهرة التي يمر بها المجتمع منذ سنوات عديدة والمعاناة التي يعانيها – ذو أثر بالغ على التناغم، ولذلك فتنمية معاني الفرقة والانقسامات في نفوس الناس تجعل من القوى الوطنية قوى معزولة من مجتمعها ومحط سخطه وغضبه، وأثر ذلك كبير حاضرا حين تفقد حاضنتك الاجتماعية وأنت في حرب مع عدو، وفي المستقبل من خلال يقظة حركة الثأرات .
من هنا يصبح المسار السياسي ضبابيا بعد أن أصبح الخطاب الإعلامي المعادي في كل اتهاماته واقعا مكرسا في الوجدان العام، ولم نقدم على خطوات لوضع المعالجات اللازمة له عن طريق الفنون والدور الثقافي المتعدد وقد يصبح الفاعلون اليوم قوى وطنية متوحشة ومعادية لمجتمعها أو هكذا يراد لها من خلال المقدمات التي نلحظ في الواقع، في حين ظلت معالجاتنا للآثار بطيئة الحركة، وظل خطابنا الإعلامي يتمحور في بؤر الاشتعال دون وعي بخطورة ما نقدم عليه فالخطاب الذي نكرسه في الوعي الجمعي – بالإضافة إلى أثره الواسع – يترك أثراً في البناء الهرمي للسلطة والبناء التشريعي.
كل حركة ثورية حقيقية تطمح إلى تحول تاريخي عميق يجعل منها مركزا مهما في حركة التاريخ ويمكنها مع غيرها من صنع القرار والمبادرة والإسهام في الحضارة الكونية كند وليس كتابع، وهذا ما نطمح للوصول إليه وكل هدف يحتاج طاقات وفرضيات وعملا مكثفا حتى يكون واقعا.
لقد حملت حركات التحرر في القرن الماضي الكثير من الإجابات عن السؤال الحضاري وقطعت شوطا يمكن البناء عليه، فالثورة الحقيقية هي التي تحمل مشروع دولة ومشروع مجتمع وتكون على قدر من التحرر من الغرب ومن الماضي، لتبدع وتبتكر واقعا جديدا يمتاز بالاستقلال والمعرفة والخصوصية التي تكون تعبيرا عن العرب والمسلمين وعن هويتهم الثقافية والحضارية ذات رؤية في البناء الذي يقضي على الشتات السياسي ويحاول إنجاز القوة الاقتصادية والديمغرافية في عالم أصبح ينمو بسرعة البرق في اتجاه التكتلات السياسية والاستراتيجية الكبيرة والفاعلة في القرارات الإنسانية الكبرى، من حروب وسياسات وثقافات وغيرها من الأدوات القادرة على الإقصاء والإضعاف .
ولذلك نقول إنه لا يجوز تحليل الوعي المجتمعي، من خلال مواقع طبقية أو آيديولوجية واحدة، لأنه سيكوّن قراءة منحازة ، فنحن نخطئ إذا استنتجنا أن الأفكار التي تحرك الفرد موجودة في الفرد وحده، فالتفكير يقوم به الناس في جماعات معينة، وضمن سياقات كانت قد طورتها لنفسها كأسلوب خاص في التفكير، وهو ما يمكن اعتباره تشكلًا لـ “هوية ثقافية”. وبعض المفكرين يرى أن الناس يعيشون في جماعات لا يكونون فيها كأفراد منفصلين، بل يتصرفون مع أو ضد بعضهم، ضمن جماعات متنوعة التنظيم.
لذلك نقول إن الثورة الحقيقية لا تقبل مستعمرا ولا مستبدا وكل الذين يظهرون ولاء لثورة 26سبتمبر 62م زائفون وهدفهم الاحتماء بالماضي من استحقاق الحاضر الذي يطالبهم اليوم بتحديد مفهوم الاستعمار والحرية والكرامة والسيادة الوطنية من أجل إعادة ضبط الخيارات ومحاكاة القناعات، وتحديد المفاهيم وهو الأمر الذي يجعلهم أمام سؤال وطني كبير هم يهربون من الوقوف أمامه بتجرد معرفي وأخلاقي ووطني محض لأنه يجلد ضمائرهم الباحثة عن المصالح من بين ركام الوطن الذي يتاجرون بدمه وبمقدراته. |
|
|