عرفته في أواخر التسعينيات، في فعالية بمؤسسة العفيف، وفي المرة الثانية التقيته في ميدان التحرير يبحث بين أرصفة الكتب عن كتاب نقدي لرولان بارت، فدعاني إلى المقيل معه في منزله.. لم أكن أريد أن ينتهي ذلك المقيل، وبقيت منصتاً لما يقوله حول الحداثة والصورة الشعرية، وماهية الكتابة وأمانة النقد.
توالت لقاءات المقيل بين الحين والآخر، وكنت أجده بابتسامته الدائمة التي كانت تغطي كل طارئ يطرأ على يومه، وكان يتغلب على كل ما يهمه بتلك الابتسامة.
محمد المنصور من أوائل شعراء الحداثة الشباب في اليمن، إلى جانب بعض الأسماء الذين كانوا يشتغلون على مشاريعهم الأدبية بوعي عالٍ، لذلك لا يمكن لأي باحث أو ناقد أن يتجاوز اسم المنصور.
تعيَّن محمد المنصور رئيساً لتحرير صحيفة الثورة، وبما أنني أعمل فيها فقد أصبح رئيسي.
في يومه الأول بصحيفة الثورة التقاني في ساحة المؤسسة، فجاء بتلك الابتسامة ليسلم عليَّ سلاماً حاراً.. قلت له: عاد احنا أصحاب والَّا رئيس ومرؤوس؟ فقال: الله المستعان، احنا إخوة وأصدقاء من 20 سنة، وكل هذه المناصب مجرد شكليات لا تستطيع حجب شيء بين الأصدقاء ترك المنصور أثراً طيباً طلية رئاسته تحرير صحيفة الثورة، وانتقل بعدها ليشغل رئيس تحرير وكالة سبأ للأنباء، ولا بد أنه ترك نفس الأثر الطيب، لأن له نفساً عالية وقلباً نقياً.
انقطعنا عن التواصل تحت تأثير العدوان وحصاره الذي جعلنا محاصرين في بيوتنا، بسبب انعدام المشتقات النفطية وانقطاع المرتبات، فتوقفت سياراتنا وفرغت جيوبنا، ولم نعد نستطيع الذهاب للمقايل ولقاء الأصدقاء كما كنا قبل العدوان، وأصبح «فيسبوك» هو المتنفس الوحيد والديوان الكبير الذي يجمع كل الأصدقاء.
قبل أمس الجمعة فتحت «فيسبوك» لأفاجأ بصورة محمد المنصور، وبجانبها عبارة «البقاء لله».. وتوالت الصور والتعازي لتأكيد ما ترفض النفس تقبُّله.
رحمة الله تغشاك أيها الصديق النبيل.
* نقلا عن : لا ميديا