الشهداءُ هم من عشقوا ميادينَ الجهاد والعزة، وهم من رسموا لنا طريقَ الحرية والسيادة والاستقلال، وهم رسالتُنا إلى العالم بأننا أصحابُ قضيةٍ عادلة وبأن الشعب اليمني الأبي بأجياله المتعاقبة هو من سيُحيي شعوبَ الأرض المستضعفة المظلومة لتنتفضَ في وجه أعتى وأطغى دول الاستكبار العالمي.
الشهداءُ هم الذين شهدوا الموقفَ الحَـقَّ في ميدانِ الجهاد الذي طالما كان هو الآخرَ بجباله وسهوله وصحاريه شاهداً حياً على عظمة وشموخ الشهداء الذين أدركوا حقيقةَ هذه الحياة وعالمَها الفاني المليء بالشهوات وَالماديات والخالي من الروحية العالية والنفس الزاكية التي لا نجدُها إلا في من كان لديه الغيرة والحمية على الدين وَالأرض والعِرض.
الشهداءُ العظماءُ كانوا أمام خيارَين لا ثالث لهما ولا بديلَ لأحدِهما، إما نصرٌ تعتز به شعوب الأرض، وإما تكريمٌ إلهي بالشهادة التي تعتبر أعلى شرفاً وأكرمَ درجةً وأفضلَ منزلةً وهبها الله لعباده المخلصين.
ولذلك يُحدِّثُ كُـلٌّ منا نفسَه كيف ننال الشهادة وما السبيلُ إليها وسيأتي اليوم الذي نقولُ فيه: يا ليتني كنت شهيداً حتى لو انتصرنا وحُزنا تمكينَ الله وتأييده؛ لأَنَّنا لم نعرف بما وعد اللهُ الشهداءَ وماذا أعد الله لهم إلا إذَا أدركنا تماماً وفهمنا معنى ودلالات الآيات الكريمات التي تتحدث عن مكانتهم وفضلهم ومنزلتهم، ولعل الكثير منا يتمنى الشهادة لكنه يخشى صبارة القَر وحمارة القيظ أَو يخاف مواجهة ترسانة الأعداء العسكريّة أَو كيف يتوقى لفح الرياح وحرّ الشمس أَو يخشى أن يلتحف السماء ويفترشَ الأرض بجبالها وسهولها وشطآنها وقيعانها أَو يخاف المعاناة والوصب والمكابدة أَو التضحية بعضوٍ من أعضاء الجسد؛ ليكون بعد ذلك عالةً على أهله وذويه.
من يُرِدْ نيلَ الشهادة والفوز بها فعليه أن يتذكرَ أن الشهيدَ لم يعتبر لتلك التضاريس المتنوعة الوعرة أَو المناخ المتقلب؛ لأَنَّه باع من الله وانطلق في ميادين الجهاد ببأسٍ شديدٍ وشجاعةٍ وقوة إيمانٍ وثبات على الدين ورهان على النصر وعزم على رفع راية الحق مجلجلةً ويقين بجعل كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا هي السفلى.
نحن بحاجة إلى أن نتأسى بالشهيد ونخطو على خطاه ونسير على المنهج الذي انتهجه في سبيل مقارعة الطغاة المتجبرين ونترجم إحياءَ يوم الشهيد إلى فعل وتحَرّك في الميدان.
وَأن يكون كُـلُّ واحد منا صورةً حقيقيةً له في البذلِ والعطاء والعزم والثبات والتضحيات بالأنفس والجوارح أكثر من حاجته إلى صورة وهُتاف والشهيد بحاجة إلى أن يكون لتلك الأصوات الرنانة والجهورية حضورُها في ميادين البطولة والشرف فاعلاً ومؤثراً وتدفعنا واحداً تلو الآخر إلى مواجهة الطاغوت والطغيان أكثر من حاجته إلى زوامل وأناشيد دون أن يكونَ لها أثرٌ وتحَرّك في نفوسنا، والشهيد بحاجة إلى نكون قد تهيأنا نفسياً ويكون لنا الاستعداد التام للانطلاق دون استثقال نحو دحر العدوّ الطامع اللدود لنجسّدَ العنفوان والرهبة والإقدام الذي يزلزل محور الشر والطغيان ويقذف الرعب في قلوب المنافقين والعملاء من باعوا دينَ الله بعَرضٍ من الدنيا قليل.
الشهيد استحق وسام الشهادة؛ لأَنَّه انطلق وتحَرّك ولم يكن لديه أدنى شك في عدالة القضية التي تحَرّك؛ مِن أجلِها لم يكن يفكر إلا في عزة وفي كرامة وفي انتصار للمستضعفين على المستكبرين والمتجبرين.
لم يكن لديه إلا شموخ وكبرياء وأنفة وحمية وغِيرة على دين الله وعلى أرض وَسيادة واستقلال أرضه ووطنه، لم يكن لديه إلا أن يضحي ويبذل نفسه وجوارحه رخيصة في سبيل أن تتخلص شعوب الأرض من جبروت وسلطان ونفوذ الصهيوأمريكية وأذيالها على مصالح العباد والبلاد العربية والإسلامية.
ولذلك فَـإنَّ الذكرى السنوية للشهيد ستبقى بصمةً محفورةً في ذاكرةِ الأممِ وَالأجيالِ، وستوجّـهنا تلك الذكرى إلى صورٍ صامتةٍ في ظاهرها لكن يملؤها البأسُ الشديدُ وتنبعث منها شراراتُ العزة والكرامة، وستبقى تفاصيل تلك الصور حيةً وقّادةً في قلوبِنا، فخلفَ كُـلّ صورة صلابةٌ وثباتٌ، وأمام كُـلّ صورةٍ بطولةٌ وانتصار.