لأمريكا والصهيونية مُذ وُجدتا استراتيجية للاحتلال والتدخل في البلدان التي احتلتها أو تدخلت فيها وسيطرت عليها مباشرة أو بواسطة أذنابها استراتيجية تتضمن الإجابة على تساؤلات عديدة مثل: متى تحتل هذه البدان وماذا تريد من احتلالها ومتى تخرج منها وهل خروجاً نهائياً أم تكتيكياً. ومتى يكون الاحتلال مباشراً وبالأصالة أو غير مباشر وبالوكالة, وكيف تواجه من يقاوم احتلالها لأنها تعلم أن كل احتلال لابد أن يواجِه مقاومة طالما كانت شعوب البلدان المحتلة حية ؟؛
وأمام هذه الاستراتيجية هل تملك الدول الواقعة تحت الاحتلال والاستبداد إرادة استراتيجية للسير في طريق واضح المعالم للتحرر ؟؛
محاولة الإجابة على هذا التساؤل تجبرنا حسب العادة على محاولة التفريق بين إرادة الشعوب وإرادة الحكام رغم أنه لا مبرر لهذا التفريق, لأنه بدوره يبرر للشعوب استمرار خنوعها للسلطة التي تحكمها خارج إرادتها وتعبث بسيادتها وكرامتها لتساوم بها المحتل مقابل وصولها إلى السلطة أو بقائها فيها !؛
والشعوب الحرة تعي أن الحكام ليسوا سوى خُدام للشعب لا يحق لهم التفريط في السيادة أو التطبيع مع القاتل والمحتل!، وتمتلك القدرة على المحافظة على حريتها وكيفية المحافظة عليها أو استردادها حينما تسلب ، ولا يمكن لشعب أو أمة استعادة حريتها أو المحافظة عليها دون القدرة على رفض الاستبداد الداخلي والتخلص من المستبدين والطغاة ، فالحرية والاستقلال والكرامة إرادة وعزيمة وعمل ومنهج وليست اندفاعا غير واعٍ نحو الموت أو مجرد انفعال آني تكتيكي موسمي احتفالي أو ضجيج إعلامي ، أو تغني بثورة لا وجود لها على أرض الواقع طالما بقي الظلم والاستبداد وغابت العدالة ، وطالما كان بإمكان أي حكومة أو سلطة جر البلد الذي تحكمه نحو موقع هزلي مشين شبيه بما يسمى التطبيع !؛
ما تقوم به الأدوات الصهيونية وإن كان أقرب إلى المسرحية الهزلية باسم التطبيع إلا أنه كذلك بالغ الخطورة وعميق التأثير على ضمير الأمة إن لم تستيقظ سريعاً يقظة تمكنها من استراتيجية تعي ما تريد وما تعمل !؛
نعم ما ينبغي على الأمة اليوم هو التأكيد على من هم في موقع القرار بأنهم ليسوا ملاكا للقرار ولكنهم مسؤولون عنه وعليهم بالضرورة الابتعاد عن الضجيج الإعلامي الذي لا يعني سوى المزيد من الاحتقان والتذمر وعليهم بالمقابل الحرص على الاقتراب من الفعل التحرري الاستراتيجي المنطلق من رؤية واضحة للمعالم تدرك معنى الحرية والعدالة وأهميتهما في حياة الشعوب وتؤمن يقيناً أن الحرية لا توهب من الحكام المستبدين عبيد الاستعمار الخارجي لأن فاقد الشيء لا يعطيه, بل تصنعها وتصونها الشعوب والظلم والاستبداد والاحتلال عقيدة واحدة وكذلك العدالة والحرية والاستقلال !؛
الخروج من الضجيج الإعلامي الذي لا يزيد الأمة إلا فراغاً واستلاباً وبعداً عن الحرية والتحرر ضرورة ملحة ، إذ كيف لأمة أن تتحرر تلتهي وتنشغل بالضجيج وبين ثناياها من الحكام ورؤساء الحكومات ومن يدعي الثقافة ومن يطلق عليهم النخب من يدافع عن الوجود الأجنبي صراحة أو ضمناً وبذرائع سمجة من خلال عدم ترجمة قرارات الشعوب إلى واقع وهي مهمة بديهية لأي حكومة تحترم نفسها وشعبها ماضياً وحاضراً ومستقبلاً .
من هذا المنطلق فإن قرار مجلس النواب العراقي بإخراج القوات الأجنبية من العراق والمنطقة يأتي في الاتجاه الصحيح نحو استراتيجية مقاومة واعية ومسؤولة .
وأقل ما يطلبه أي شعب من أي حكومة تحترم نفسها هو أن تحترم إرادته وإرادة الشعب العراقي عبَّر عنها برلمانه عقب الانتهاك الأمريكي لسيادة العراق باغتيال ضيفه الشهيد القائد قاسم سليماني ومستقبله القائد أبو مهدي المهندس رمزي توحد دم الأمة ضد الاستكبار والطغيان والفساد ، وهو إخراج القوات الأمريكية وأي قوات أجنبية من أرض العراق دون قيد أو شرط فلا سيادة ولا كرامة لدولة تحتل أرضها دولة أخرى وليست أي دولة إنما أمريكا التي أوجدت داعش التي ارتكبت بحق العراقيين ما ارتكبته من فضائع وسلَّحتها ودرَّبتها ، ومن الواضح أن اغتيال الشهيدين إنما هو انتقام لما حل بداعش على يد الحشد الشعبي والدور الملموس لإيران وقاسم سليماني وأبو مهدي المهندس خاصة .
وفي اعتقادي أننا في اليمن أمام ما تعرضت له وتتعرض له بلادنا من عدوان همجي مستمر منذ ستة أعوام بكل هذه الصلافة والاستكبار ولقناعاتنا الواضحة ضد الظلم وهمجية أمريكا والصهيونية ورعونة أتباعهم لا خيار أمامنا بعد الاستعانة بالله سوى أن نكون شركاء في محور المقاومة التي لابد أن تجد طريقها نحو استراتيجية تخدم التحرر الكامل لشعوب المحور والمنطقة ، فلا ينشد الحرية والاستقلال إلا الأحرار ولا يقبل الخنوع للاستبداد والاحتلال إلا العبيد حكاماً كانوا أو محكومين !.
(كلُّ أرضٍ لم يُسمدها دمٌ * لبنيها لن تبيد الصَّنمَ) المرحوم: يوسف الشحاري