السلطة في أي دولة أداة الإنسان لتنظيم العلاقات والمصالح بين أفراد المجتمع وحفظ كيان الدولة وسيادتها فلا دولة محترمة بلا سيادة على كامل إقليمها أو غير قادرة على تقديم الخدمات وتوفير الحاجات الضرورية للمواطن وإلا فهي دولة فاشلة سواء كانت جمهورية أو ملكية أو إمبراطورية رئاسية أو برلمانية أو مختلطة ، معيار الفشل أو النجاح ينطلق من تحديد صلاحيات الرؤساء أو الملوك والإمبراطوريات والإمارات إذ لم تعد الصلاحيات المطلقة مقبولة وفق أي نظام لمنافاتها لحرية الإنسان في الاختيار، أصبح المعيار الناظم هو : (لا سلطة بدون مسؤولية) ، ويجب أن يبدأ تطبيق هذا المعيار بمحاربة الفساد من أعلى السلم لا من أسفله فكلما كبرت السلطة كبرت معها المسؤولية والمساءلة هذا هو طريق منع صنع الفراعنة لنفرق بين الله وبين البشر فالله وحده هو الذي لا يُسأل عما يعمل !؛
وواقع الحال في البلدان التي تعيث فيها الديكتاتوريات وتلوث عكس هذا سواءً باسم القومية أو الوطنية أو الأممية أو الدين أو العلمانية فالمسؤول الأول يفعل ما يشاء ولا يسأل عن أفعاله بل ولا يجوز انتقاده أي يتحول إلى إله !؛
نشوة السلطة تُعمي وتُصِم حتى في البلدان التي تدعي الديمقراطية ، والمثال الحي ما شغلت به وسائل الإعلام أسماعنا وعقولنا حول ما يجري في أمريكا ، وبالذات منذ أعلن المجمع الانتخابي الأمريكي فوز بايدن ، وتغريدات ترامب التي بلغت أرقاماً قياسية حول مزاعمه تزوير الانتخابات ، ومن العجائب أن الرئيس هو من يتهم المعارضة بالتزوير وليس العكس مع أن السلطة كما اعتدنا هي من يملك الصناديق ويحتكر التزوير والكذب !!، ما شهده العالم هو أن ترامب منذ أن شعر بسير النتيجة في غير صالحه عمل بكل قوته وإمكاناته لتغييرها وشكَّلَ لجاناً لجمع التبرعات في مختلف الولايات لتحريك دعاوى كيدية وجمع ملايين الدولارات لهذا الغرض مع أن إمكاناته المالية تغنيه ، ومارس الابتزاز بكل صوره ووصل به الحال إلى التحريض المباشر والعلني على اقتحام مبنى الكونجرس (الكابتول) يوم الأربعاء 6/ 1/ 2021 كان ضحاياه عدد من القتلى والجرحى وكعادته كان ينسب كلما يقوم به إلى خصمه !!؛
ومن يقارن بين ما تعرض له الرئيس بيل كلينتون حول قضية أخلاقية جرت في الخفاء وما قام به ترامب من جرائم يندى لها الجبين على مرأى ومسمع العالم وعلى مدى أربع سنوات كرست وتكرس خلالها جهود الدولة العميقة لتجنيبه المساءلة بحجة الحفاظ على وحدة أمريكا ، ومواجهة تصريحات رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي بالتجاهل والمغالطات ومنها تصريحها حول ضرورة تفعيل التعديل الدستوري (25) المتضمن إمكانية عزل الرئيس لأن تصرفاته تؤكد أنه مختل عقلياً !!؛
هذه المقارنة تبين حجم النفاق الذي تدار به أمريكا ، ولست مع من يلومها على ما يفعل بنا مختلوها ولا مع من يلوم الخمسة والسبعين مليون امريكي الذين اختاروا المختل رئيساً ليدير معظم حكام العرب ويصف بعضهم بالبقرة الحلوب ثم يزور مملكتهم المقدسة عقب ذلك ليستقبله ملوك البقرة وأمراؤها بالرقص ويصف خطيب الحرم المكي بالمناسبة الحلاب والمحلوب بأنهما مبعوثا العناية الإلهية لتحقيق السلام في العالم !؛
يا هؤلاء ويا أولئك: المختل الأمريكي محكوم بنظام مؤسسي ويحكم مختلينا ويتحكم بمصير بلداننا ، ومن يحللون منا عبر قنوات تزييف الوعي ويقيِّمون النظام الانتخابي والسياسي الأمريكي لا أعتقد أنهم مؤهَّلُون لتقييمه طالما وهو من يحكمنا ويتحكم بمصيرنا سواء بواسطة هذا المختل البجح أو الدبلوماسي السابق لترامب أو اللاحق له !؛
المطلوب ليس أن نقيِّم النظام الأمريكي ببجاحة واستعلاء ونحن في هذا الوضع المزري بل أن نقيِّم أنفسَنا والأنظمة التي تتحكم بحاضرنا ومستقبلنا وتنهب ثرواتنا وتحتل أراضينا وشواطئنا ، وموانئنا وما ينبغي أن يشغلنا هو كيف نقاومه كطريق إلى التحرر الفعلي ، وإذا كانت (رئيسة مجلس النواب) تستنكر عدم اكتشاف الشعب الأمريكي بأن من يحكمه منذ أربع سنوات رجلٌ مختل فما الذي ينبغي أن تفعل الشعوب التي تحكمها كائنات يديرها هذا المختل وهي كالعادة تستورد الديكتاتورية كما تستورد البضائع التالفة والفاسدة ، ونفايات الأحذية أي أنها عاجزة حتى عن إنتاج الديكتاتورية ومن يستورد الديكتاتورية يصعب عليه التخلص منها !!،
وبعد: هل كان ترامب ديكتاتوراً حقاً أم دمية بيد الصهيونية ، وهل كان جلاداً أم ضحية جرى استخدامها بكل هذا العنف لتنفيذ أجندة تم الإعداد لها على مدى عقود ، أم أن العالم سيكتشف عما قريب أن من يحكمه مختلون ولكن بدرجات مختلفة باختلاف البلدان والشعوب ؟؟؟!؛
ترامب إذا يستحق الشفقة كأي مصاب بمرض السلطة وأكثر لأنه عرَّض إمبراطورتيه المالية للخطر ربما لأن مصدرها الفساد والصفقات المشبوهة ويبدو أنه سيفقد سلطة المال بعد سلطة الحكم وهو مصير من يتعلق بالحكم ويفقد الحكمة
(يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ) صدق الله العظيم
تُرى أيهم أخطر مختلٌ يحمل حقيبة نووية تدمر العالم ودولته أمريكا ذات السوابق العدوانية ضد الإنسانية أم المختلون الذين لا يملكون من أمرهم شيئاً ؟؟!!.
(لكل ليلٍ صباحٌ سوف يعقبهُ * وتحت رمشيك صنعاء يرقد السَّحَرُ)
(فقيد الشعر العذب علي عبد الرحمن جحاف)