لم يكن القرار الأمريكي الأرعن ضد الشعب اليمني هو القنبلة الوحيدة التي قذفتها إدارة ترامب في المرحلة المضطربة من عملية نقل السلطة، فبعد خسارته الانتخابات في تشرين الثاني/نوفمبر قلب دونالد ترامب سنوات من السياسة الأمريكية من خلال قرارات وتحركات هستيرية أكدت بأن أمريكا باتت على حافة أزمة أهلية وسياسية متداعية سببها المبالغة في الغطرسة والترهيب والبلطجة التي اتبعها ترامب وإدارته، لكن القرار بتصنيف أنصار الله في حد ذاته يعد تعبيرا عن حالة متقدمة من الإفلاس يأتي في لحظات من الاحتضار السياسي لأمريكا التي تشن العدوان على اليمن منذ مارس 2015، وحققت فشلا ذريعا في كسر إرادة الشعب اليمني .
وقد انشغل الوزير الساقط سياسيا وأخلاقيا في أيامه الأخيرة بقائمة من المهام المرتجلة والعشوائية والتي تعكس الرعل والتهور الذي وصلت إليه إدارة المنتهية ولايته ترامب، وبمعزل عن أن بومبيو لم يقدم دلائل ادعاءاته المجنونة والكاذبة فإن الحقيقة الماثلة أننا أمام سياسة خرقاء لا تفهم إلا في الدعايات والبلطجة ، فمن المفارقات أن ترامب الذي وجهت له تهم قيامه بالتحريض على أعمال الشغب والعنف في مبنى الكابيتول الأميركي في 6 يناير ، أصدر بياناً يدين فيه السلوك غير القانوني، قائلاً “لا مكان للعنف والتخريب في بلدنا”، وقد كان يملأ الفضاء بالتحريض والعنف ومواجهة إجراءات نقل السلطة بالسلاح والتمرد! ثم ماذا عن سلوك بومبيو وهو يرتجل يمينا وشمالا يحرض على العالم من الصين إلى إيران إلى كوبا وصولا إلى فانزويلا ثم اليمن كثور مذبوح ينازع نفسه الأخير!
من الواضح أن بومبيو عمل على تفخيخ إدارة بايدن وبالطبع يمكن لفريق بايدن التراجع عن الكثير من أعمال بومبيو في ربع الساعة الأخير من عمر إدارته ، لكن ليس هناك من شك في أن الهدف البغيض يتمثل في محاولة إخضاع الشعوب والدول للسياسات الأمريكية التي فشلت بالحروب والحصار والإرهاب فلجأت إلى عصا العقوبات والتصنيفات وكل ذلك السلوك البلطجي يعكس عقلية المسؤولين الأمريكيين ومنهم بومبيو الذي تفاخر وهو رئيس وكالة المخابرات المركزية سابقاً، بأن عقيدة عمله كانت “الغش، الكذب والسرقة”.
ولم يكن مستغربا أن يرفض الاتحاد الأوربي زيارة بومبيو الأخيرة قبل أيام ، يبدو أن الرعل الترامبي قد وضع حدا لعلاقات أمريكا حتى مع الأوروبيين الذين وجدوا أنفسهم عاجزين عن مجاراة دبلوماسية البغيض بومبيو التي يجسد بها سياسة ترامب المتهورة والوقحة.
ولعل ردود الفعل التي توالت منذ اللحظة الأولى لإعلان وزير الخارجية الأمريكي “مايك بومبيو” اعتزامه تصنيف انصار الله في لائحة الإرهاب وفرض عقوبات على اليمن ، منددة ومستنكرة ورافضة للقرار يحشر أمريكا بكل إداراتها في زاوية ضيقة ..
ويضع حدا لسياسات الغطرسة وانتهاج أساليب الإخضاع بالضغط والحصار والعقوبات ضد كثير من الدول والشعوب الحرة الرافضة للهيمنة الأمريكية في المنطقة والرافضة أيضا للتطبيع مع الكيان الصهيوني الغاصب ، وبقدر ما تؤكد المواقف الرافضة من دول وشعوب ومنظمات دولية وأممية أن عهود الهيمنة الأحادية قد ولت إلى غير رجعة وأن كل ما تفعله وستفعله أمريكا من حروب وجبهات وقرارات لن ينال من إرادة الأحرار في العالم ، بقدر ما تعكس وضوح الصورة وحالة الوعي المتنامية في أوساط الشعوب إزاء السياسات الأمريكية الظلامية والمشاريع البائسة التي تنتهجها وتتبناها سواء على مستوى اليمن أو المنطقة والعالم.
وعلاوة على الرفض والإدانات الواسعة من المجتمع الدولي والمنظمات الدولية واعتراض أعضاء في الكونغرس الأمريكي وإدانة كل فصائل المقاومة والهيئات والمؤسسات المعنية بحقوق الإنسان ، فإن الغضب الشعبي العارم الذي يعبر عنه الشعب اليمني بوقفات مسلحة ومظاهرات يومية تؤكد بأن لغة التهديد والغطرسة والترهيب واتباع سياسة إبادة الشعوب وتجويعها في سبيل تنفيذ المخططات التخريبية لم تعد مجدية لأمريكا وأنها هي من تعزلها وتشرعن استهدافها وتصعيد وتجذير العداء الشعبي ضدها.
مضي الإدارة الساقطة أخلاقيا وسياسيا التي تغادر البيت الأبيض اليوم مهزومة- رغم التحذيرات الأممية والدولية من أن هذا التصنيف سيشلّ عمليات إيصال المساعدات الإنسانية؛ ويعيق التواصل مع المسؤولين واستخدام المنظومة المصرفية ودفع الأموال للعاملين في المجال الصحي وشراء الأغذية والوقود، وحتى القدرة على الوصول إلى شبكة الإنترنت ، ويعقد جهود الحل السياسي- يقدم برهانا إضافيا على أن أمريكا لن تعترف بحق ولن تنصاع عن باطل ولن ترعوي عن ممارساتها الإجرامية بالأصوات والنداءات وأن اللغة الوحيدة التي تفهمها هي لغة القوة والمواجهة والتصدي ، علاوة على أنها فقدت رشدها واتزانها بفعل الأوزان الناتجة عن تورمات الإرهاب والبغي والسطو على الثروات الذي تمضي به الإدارات الأمريكية المتعاقبة ، وما ترامب وإدارته إلا تعبير واضح وصريح لتلك السياسات الرعناء والعدوانية.
وبينما تُجمع الأوساط على أن القرار يأتي مدفوع الثمن من السعودية وهو تسديد لمستحقات سابقة دفعها بن سلمان لترامب، فإن لدى المسؤولين الأمريكيين من الوقاحة ما يجعلهم يظهرون كمقاولين وباعة قرارات وجيوش وتجار حروب ، وقد اعترف ترامب علنا في أكثر من مقام بأن على كل حلفائه دفع أثمان خدمات الجيوش الأمريكية وأثمان القرارات وأثمان البلطجة على العالم.
وبينما يعاني العالم من الإرهاب الأمريكي المنتشر في كل الأصقاع مذخرا بالأسلحة الأمريكية ، وممولا بأموال حلفاء أمريكا وأصدقائها في السعودية والإمارات وغيرهما ، ومحركا بأوامر المخابرات الأمريكية والجيش الأمريكي ، فإن قرار بومبيو يعد ورقة أخيرة رمى بها إلى مستنقع الفشل المتراكم لبن سلمان في حربه على اليمن بعدما احترقت كل أوراق العدوان الأمريكي السعودي واستحالت رمادا متطايرا ، ولن يحصد النظام السعودي من ورقة الوقت الضائع إلا الفشل والخيبة.
الحرب العدوانية على اليمن في آخر فصولها ، ولو لهثت أمريكا وكل أحلافها وأدواتها سعودية وإماراتية وعلى اختلاف الأشكال والأولون والجنسيات ، فإن كل شبر يمني لابد أن يتحرر بسواعد الرجال ، ولو صبت أمريكا كل ما لديها من قوة على الشعب اليمني وحده لما زاده ذلك إلا تمسكا بالحق ووضوحا في الطريق ، وعلى السعودية والإمارات أن تتعلم من الدروس والصفعات التي تلقتها في معارك اليمنيين طيلة سنوات العدوان ، وعليها أن تعد نفسها لطعنات أمريكا في عهد الإدارة الجديدة ، فما هو معروف أن أمريكا تمتهن طعن أدواتها وترمي بهم على قارعة الطريق إذا ما فشلت في مهامها الإرهابية والعدوانية.
لا قرارات أمريكا ستحيي الشعب اليمني أو تميته ، ولا إرهابها وجرائمها وعدوانها سيفت من عضده شيئا ، ولكن على المرتزقة اليمنيين أن يقرأوا الواقع الذي يؤكد اقتراب نهاية فصول العدوان ، وأن المخرج ليس بمزيد من الغرق في أوحال العمالة والارتهان طمعا في مكتسبات يتوهمون الحصول عليها ولن يصلوا إليها ، رغم خسارتهم لدينهم ووطنهم وإنسانيتهم وآخرتهم والعياذ من حال من لا حال له إلا الوبال والخسران.