في قاعة مساحتها 31 مترا × 7 أمتار في مدرسة الهادي بمنطقة مران صعدة، اكتظت بعدد من طلاب العلم والشخصيات الاجتماعية من مختلف مناطق محافظة صعدة وخصوصا من أبناء همدان.. من هناك أطلق الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي في إحدى محاضراته في تاريخ 17 يناير 2002م جملة عنوانها “الصرخة في وجه المستكبرين”، المشروع القرآني المتمثل بشعار الصرخة والمقاطعة، قائلا: (أقول لكم أيُّها الإخوة: أصرخوا، ألستم تملكون صرخة، جملة أن تنادوا “الله أكبر/ الموت لأمريكا/ الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود/ النصر للإسلام” أليست هذه الصرخة ممكن لأي واحد منكم أن يطلقها؟.. بل شرف عظيم لو نطلقها نحن الآن في هذه القاعة فتكون هذه المدرسة وتكونون أنتم أول من صرخ هذه الصرخة التي بالتأكيد -بإذن الله– ستكون صرخة ليس في هذا المكان وحده, بل وفي أماكن أخرى, وستجدون من يصرخ معكم –إن شاء الله– في مناطق أخرى: “الله أكبر/ الموت لأمريكا/ الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود/ النصر للإسلام”، هذه الصرخة أليست سهلة كل واحد بإمكانه أن يعملها وأن يقولها؟ إنها من وجهة نظر الأمريكيين –اليهود والنصارى– تشكل خطورة بالغة عليهم. لنقل لأنفسنا عندما نقول ماذا نعمل؟ هكذا إعمل وهو أضعف الإيمان أن تعمل هكذا, في اجتماعاتنا, بعد صلاة الجمعة, وستعرفون أنها صرخة مؤثرة, كيف سينطلق المنافقون هنا وهناك والمرجفون هنا وهناك ليخوّفونكم, يتساءلون: ماذا؟ ما هذا؟).
أطلق الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي مشروع الصرخة والمقاطعة وهو يعرف تماما مضمونها المؤثر على أعداء الله تعالى –اليهود والنصارى- وكانت بمثابة البداية لإطلاق مشروع المسيرة القرآنية الذي تبناه عبر سلسلة من المحاضرات التوعوية والتثقيفية، شخّص فيها واقع الأمة المأساوي وفشلها وطرح في طياتها الحلول وصحح ثقافات مغلوطة كثيرة كانت قد استحكمت على عقول وتفكير العامة من الناس تجاه قضاياهم الرئيسية.
ماذا أراد الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي من إطلاق هذا الشعار “شعار الصرخة والمقاطعة”؟.. يقول السيد عبدالملك بن بدر الدين الحوثي في كلمة تأبينية للشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي في تاريخ 28 رجب 1434هـ: “قدم مشروعه المهم جدا الذي هو الشعار والمقاطعة للبضائع الأمريكية والإسرائيلية، ليواجه به مشروع التدجين وفرض حالة الولاء والتسليم المطلق لأمريكا والإذعان لها ولإسرائيل؛ لأنه تفرَّع عن المشروع الأمريكي الإسرائيلي الغربي في السيطرة على الأمة، تفرع عنه مشروع النفاق من داخل الأمة، الأنظمة والحكومات والقوى السياسية التي حذت حذوها، والتي ارتبطت عملياً بالمشروع الأمريكي في السيطرة على الأمة في حالة يُوَصِّفُها القرآن الكريم بأنها حالة نفاق، المنافقون من داخل الأمة الذين يحملون المشروع الهدَّام في ضرب الأمة من الداخل، في فرض حالة الولاء داخل الأمة لصالح أعدائها، في فرض حالة التسليم المطلق داخل الأمة لأعدائها، هذا المشروع النفاقي داخل الأمة الذي حمله منافقو الأمة من حكوماتها وأنظمتها وبعض القوى السياسية التي حذت حذوها، فعملت داخل الأمة لتفرض على الشعوب حالة الاستسلام، وحالة القبول بهيمنة أمريكا، وحتى عدم الاعتراض، ومن يعترض يحاولون أن يقمعوه بعد أن يشوهوه إعلاميا، وسياسيا، ويستهدفوه بكل وسائل الاستهداف، لتبقى الحالة السائدة في أوساط الشعوب هي حالة الاستسلام والإذعان والخضوع الكامل لأمريكا وإسرائيل.
هذا المشروع- مشروع الشعار ومشروع مقاطعة البضائع الأمريكية والإسرائيلية – يواجه المشروع النفاقي، ويُفَعِّل الأمة في حالة من التعبير عن العداء والسخط، ويهيئ الأمة لأي موقف تحتاج إليه بالتالي لمواجهة العدو، خطوة أساسية تخرج بها الأمة من حالة اللاموقف إلى الموقف، وتمنع من حالة العمالة، وحالة النفاق وحالة الهيمنة والقبول بالهيمنة من داخل الأمة نفسها، فهو مشروع يواجه مشروعا آخر، يواجه مشروع النفاق والعمالة من داخل الأمة الذي يحاول أن يفرض على الأمة القبول بالهيمنة الأمريكية، والتسليم لها، وعدم الاعتراض عليها، وعدم تبني أي موقف تجاهها، يحاول أن يفرض حالة الصمت، وحالة القبول، وحالة الخضوع، وحالة الإذعان، وحالة الاستسلام، فأتى هذا المشروع ليقول: (لا) وليدفع الأمة في الاتجاه الصحيح ليكون لها موقف، ولتسخط وتعبر عن سخطها هذا، وليهيئها هذا السخط لأي موقف تحتاج إليه في المستقبل، فكان موقفاً مهماً إضافة إلى النتائج المهمة لمقاطعة البضائع الأمريكية والإسرائيلية على قوة الأعداء أنفسهم، كلما اكتسحت مساحة هذا المشروع، كلما تجلَّى أثره في الواقع –إن شاء الله- أكثر فأكثر”.
بعد إشهار الشعار بدأ السيد حسين بدر الدين الحوثي –عليه السلام- بتوعية المجتمع بأهمية ترديد الشعار كموقف وسلاح ضد أعداء الإسلام، وتعددت أساليبه.. يقول الباحث فاضل محسن الشرقي –وهو أحد المعاصرين لمراحل انتشار الشعار- في مقال له بعنوان “البداية الأولى لترديد الصّرخة الأولى في وجه المستكبرين”: “تطوّرت أساليب رفع الشّعار ونشره بين الفينة والأخرى, ففي البداية كان يردّد في الاجتماعات العامّة, والمحاضرات, في المدارس والمساجد, ثم وجّه السّيد بطباعة المحاضرات وسرعة توزيعها مقروءة في شكل ملازم كما هي عليه اليوم, كما وجّه بترديد الشّعار في كلّ اجتماع, وبعد صلاة الجمعة من كل أسبوع, وانتشر الشّعار انتشار النّار في الهشيم, وحرص السّيد على إرسال المبلّغين والمنذرين إلى كلّ منطقة وقرية, لتبصيرهم وتوعيتهم بأهميّة الشّعار وفحواه, وتعميم ثقافته الثّقافة القرآنيّة (الملازم والدّروس) إلى كلّ مكان ممكن, وتحرّك الشّباب وبذلوا قصارى جهودهم في سبيل ذلك ابتغاء مرضات الله والله رؤف بالعباد, عندما احتدم الخلاف وبلغ أُشدّه بين المعارض والمنكر له, وبين المحبّ والموالي للشّعار طبعاً, وبدأ الشّعار يُردّد بعد خطبتي الجمعة من كلّ أسبوع في أكثر من منطقة, وكان أبناء مناطق وقرى خولان ابن عامر ممن حازوا فضيلة السّبق, وتفانوا في سبيل ذلك, حصلت معارضة شديدة من قبل بعض الشخصيّات الاجتماعيّة المرتبطة بالسّلطات, وبالمصالح, ومن قبل أجهزة الدّولة وموظفيها، ونظراً لسطحيّة النّاس, وضعف وعيهم, وعدم إدراكهم لأهميّة هكذا مواقف, باعتبارها مواقف غريبة عليهم وجديدة.
أصرّ أنصار الشّعار أو المكبّرون- كما كانوا يسمّونهم- على موقفهم, وظهروا أقوياء المنطق, والحجة, والبرهان, بما أعيا كلّ بيان ومنطق, عندها وجّه السّيد بطباعة الشّعار في ملصقات ورقيّة صغيرة الحجم, ومتوسّطة, وكبيرة, ولافتات قماشيّة كُتب عليها الشّعار بالنّمط الذي اختاره السيد وحدّده, وكما هو عليه اليوم.
عندها طبع الشّعار وانتشر بشكل غير مسبوق, وتهافت عليه النّاس يلصّقونه في براقع جنابيّهم, وعلى أسلحتهم, وسياراتهم, وجدران منازلهم, ومساجدهم, ومقتنياتهم الشّخصيّة، حيث حذّر السّيد ومنع من وضع هذه الملصقات على حقّ الغير والأماكن الخاصّة احتراماً للنّهج السّلمي, وحرّيّة التّعبير عن الرّأي, واحترام الآخرين, وتنوّعت الوسائل, والأساليب وفق نمط محّدد وموحّد, وطُبع الشّعار على ملابس الصّدر, الجسميّة الدّاخلية, وعلى الولاّعات, والأقلام, والميداليّات, وجداول الحصص المدرسيّة, والدّفاتر, وكانت تطبعها آنذاك “مكتبة الوحدة” في مدينة صعدة, وتبيعها لمن أحبّ اقتناءها فقط, دون أن يُفرض على أحد, ثمّ تطوّر العمل وارتقى بأسلوب سريع وحكيم, ووجّه السّيد بكتابة عبارات الشّعار الخمس على الجدران, والخطوط, والأحجار, والجبال, وفي كلّ مكان أمكن, يترافق معه توعية قرآنيّة, ونشر, وتوزيع الدّروس والمحاضرات (الملازم) على كلّ النّاس, وكلّ فئات وطبقات المجتمع دون تمييز, سنّة, وشيعة, وموظّفين, ومسؤولين, في كلّ قطاعات الدّولة, وضبّاط, ومثقّفين, وعلماء, وسياسييّن….الخ, وأحرز الشّعار نموّاً مطّرداً, وتقدّماً ملحوظاً, مع توسّع ترديد الشّعار في المساجد بعد صلاة الجمعة, وفي الاجتماعات, عندها قرّرت السّلطة الدّخول في المواجهة المباشرة, لتقيد حركة الشّعار, والحدّ من نفوذه”.
بعد انتشار الشعار الذي أطلقه الشهيد القائد حسين بدر الدين –عليه السلام- بشكل واسع، كان يرسل مجموعة من المؤمنين في المسيرة القرآنية لترديد الصرخة في الجامع الكبير بصنعاء.. فيذهبوا وهم على علم بأن مصيرهم زنازين الأمن السياسي والتعذيب، وهو ما حدث بالفعل، حيث اكتظت سجون صنعاء بما فيها سجون الأمن السياسي بالمكبرين الذين كانوا يرددون الصرخة كل جمعة، وقد تجاوز عدد الذين تم اعتقالهم الـ1000 شخص تقريبا.
وبعد فشل الرئيس السابق علي عبدالله صالح في إسكات المكبرين الذين كانوا يرددون الشعار في جوامع صعدة وصنعاء وغيرهما، وفشلت اللجان التي كان يرسلها الرئيس السابق إلى الشهيد القائد بهدف إقناعه بالتوقف عن ترديد الشعار، شنت السلطة في يوم 17 يونيو 2004م الحرب الأولى على مشروع السيد حسين بدر الدين الحوثي “مشروع المسيرة القرآنية” بهدف إيقاف ترديد الشعار، وأصدر الشهيد القائد في حينه بيانا نذكر منه (أيها الإخوة المؤمنون اعلموا يقينا أنكم تجاهدون في سبيل الله, وأنتم تواجهون هؤلاء المعتدين الظالمين, الذين يحاربوننا بمختلف الأسلحة لصدنا عن سبيل الله, وتذكير عباد الله بكتابه المجيد القرآن الكريم, وإسكاتنا عن الهتاف بهذا الشعار العظيم: “الله أكبر/ الموت لأمريكا/ الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود/ النصر للإسلام”، ضد أمريكا وإسرائيل التي تشن حربا صريحة ضد الإسلام والمسلمين, وكلنا نعلم- كما يعلم أيضا من شن هذه الحرب علينا- أننا لم نعمل شيئا غير هذا, وعملنا واضح منذ أكثر من سنتين ونصف, وأنهم الذين هاجمونا إلى ديارنا وبدأوا بالضرب علينا”.
استمر نظام علي عبدالله صالح الرئيس السابق، في شن الحروب على صعدة حتى بعد استشهاد السيد القائد حسين بدر الدين الحوثي في الحرب الأولى، استجابة لرغبة الإدارة الأمريكية في إيقاف ترديد الشعار، لكن الله أراد لهذا المشروع البقاء والاستمرارية بقيادة علم الهدى السيد القائد عبدالملك بن بدر الدين الحوثي –حفظه الله-، فها هو اليوم يردد في مختلف محافظات الجمهورية بل يردد اليوم في عدد من عواصم بلدان العالم.. وبفضل الله تعالى والعمل بالمنهاج الذي وضعه لنا في القرآن الكريم وبفضل نعمة القيادة الحكيمة، هاهو مشروع “المسيرة القرآنية” اليوم يحقق انتصارات متلاحقة في مختلف المجالات العسكرية والاقتصادية والسياسية وغيرها.. فاصرخوا في وجه المستكبرين كما قال الشهيد، القائد فستجدون من يصرخ معكم في أماكن أخرى “الله أكبر/ الموت لأمريكا/ الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود/ النصر للإسلام”.