قصيدة كُتبتْ في القرن السادس الهجري تتكلم عن العدوان على اليمن وأدواته
العارف بالله أحمد بن علوان ذكر السيد »بدر الدين« باعتباره إمام زماننا.. وذكر »ابن سالم« باعتباره العدو
وصف سلاح الطيران، ونسف الجبال، وتسجير البحار، قبل 800 سنة من الآن
القاعد والنائم عما نكابد مجرد “نسناس” وليس من الناس
العارف بالله، صفي الدين أحمد بن علوان، غنيٌ عن التعريف، فهو أشهر أولياء اليمن صيتاً، وأعلاهم منزلة، وأغلاهم مكانة، وأعمقهم معرفة، وأوسعهم علماً ..
عاش في القرن السادس الهجري، وتعمر فوق المائة، تتلمذ على (أحمد الطيار، وأبي الغيث بن جميل)، وعاش مجاهداً، صادحاً بالحق، ولو لم يعجب قوله الحكام في زمانه، فقد راسلهم برسائل نارية، يردعهم عن تجبرهم، ويردهم عن غيهم.
كتب من التسبيح أعجبه، ومن الدعاء أغربه، ومن النثر أشجاه وأقربه إلى النفس والروح والعقل في آن، ومن الشعر أبلغه وأعذبه..
لم يَدَّعِ وليٌّ من الأولياء، ولا صفيٌ من الأصفياء، ولا عالمٌ ولا شاعر، أنه قد أحاطَ معرفةً بشعره، ولا نثره.. وشعره بالذات، لدى الجميع، ما يزال سراً مبهماً، وقفلاً معجماً..
كل يومٍ يكتشف القارئ المحب لأشعاره أكواناً لا تزالُ تُخلق، وسماواتٍ لا تزالُ تتفتّق، ودلالاتٍ لا تزال تتحقق.
في هذه العجالة، أستأذن سيدي (الباهوت) الشيخ أحمد بن علوان، بتقديم إحدى خرائده الفريدة، بعد أن نبهني صديقي الشاعر زياد السالمي إليها، وهي قصيدة داليّة، تتنبّأ بما يحدث الآن علينا من عدوان خارجي، ساعد عليه بعض مشائخ البلاد، من أرباب الفساد.
ليس غريباً على وليٍّ كامل كسيدي (ابن علوان) أن يتنبّأ بما يجري وسيجري حتى قيام الساعة، فهو وارث المدينة المحمدية، على صاحبها وآله أفضل الصلوات والتسليم، ووارث باب المدينة، مولاه وجده الإمام (علي بن أبي طالب) عليه السلام، الذي قال : ( اسألوني قبل أن تفقدوني، فو الله لو سألتموني عما سيجري حتى قيام الساعة لأخبرتكم، ولأسمية الأماكن والأشخاص)، وهذا من فضل الله عليه، وليس بمكنات ذاتية، لمن سيجادل ويناقش بلا علم ولا هدى.
هنا، في هذه القصيدة التي بين أيدينا، يذكر سيدي (الباهوت) إمام زماننا الحالي، بأنه شاهد، أي من أهل الشهود، وهم قِلّة، قال تعالى : (شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم…)، وذكر بعض صفاته، في البيت الأول والثاني والثالث، غير أنه تدرّج من البيت الأول في مزج صفات هذا الولي بأحداث تحدث في عصره، فهو (يحزن فقداً وهو بالقلب واجِدُ)، وهو كذلك ( يرجو بأن البين بالعين ينقضي)، وأمام هذا الرجاء يتحقق رجاؤه، فنرى في الشطر الثاني من البيت نفسه (ويأتي زمانٌ بالسعود مُساعِدُ)، فبعد الشدة التي تطرأ في زمنه، يأتي الفرج .. ثم يوضح ماهي هذه الشدة، ويصفها بأنها حرب وعدوان، جائر ظالم، بمساعدة بعض مشائخ البلد، العتاة المجرمين.
ويصل إلى ذروة الكشف عند إشارته إلى سلاح الطيران، الذي يستقوي به أعداء اليمن على اليمن وعلى قبائله الأسود.
إلى هنا يمكن أن يكون الأمر مجرد بلاغة ونبوءة خاطرة، وليست مقصودة، لكن أن يذكر (بدر الدين) بالاسم، فذلك غاية الإيضاح، ومنتهى الإفصاح، وكأنه سافر عبر الزمن إلى حاضرنا، ورأى سيدي (بدر الدين) وهو يعد لبناء أمة قوية تتصدى للطغيان العالمي، ويعد أبناءه، الذين برز منهم سيدي الشهيد القائد (حسين بن بدر الدين) رضوان الله عليه، وسيدي قائد المسيرة القرآنية، قائد ثورة الـ 21 من سبتمبر، السيد (عبدالملك بدر الدين) حفظه الله ونصره.
يقول سيدي الباهوت:
ويبلغ بدر الدين ليلة أربعٍ
وعشرٍ، وتجري الراسياتُ الرواكٍدُ
ولو كان يقصد البدر نفسه، أي القمر، لما قال (بدر الدين)، ولقال -مثلاً- (بدرُ الليل)، أو (بدرُ السماء) وغيره، ولكنه قصد شخصاً بعينه واسمه، هذا اسمه وهذه صفته (بدر الدين)، أي من يبين الدين، ويوضحه، ويحل ما غلف به من إشكالات عبر العصور، إلى أن تحول إلى ظلمة، تتداخل فيها الالتباسات، وتكثر حولها الاختلافات، المذهبية والعقائدية، حتى ظهرت الوهابية، التي ألبست الدين زيّاً هو مزيج من اليهودية والمسيحية، وباسم محاربة البدع، خلقت البدع، وروجت لها، حتى صار الدين غريباً، مهلهل الأسمال، ضعيف الحال، فجاء (بدر الدين) في ليلة أربعة عشر، كاملاً منيراً بكماله، ليوضح ما التبس من الدين، ويبين ما اختُلف فيه، ثم استلم الراية ولده الحسين، وأنشأ المسيرة القرآنية، واستشهد دفاعاً عن دين الله، مدافعاً عن نفسه وأهله وأتباعه من السابقين الأوائل، وقد اعتدي عليه من قبل فرعون اليمن (عفاش)، مؤتمراً لسادته الأمريكان والصهاينة وآل سعود، منقاداً لهم، ولم يكتف بقتل الحسين، بل سعى لاجتثاث كل من اتبعه، واستئصال الصرخة من أعمق أعماق قلوب المؤمنين بها، والهاتفين بها، ثم استلم قيادة المسيرة السيد عبدالملك، وهو امتداد لـ (بدر الدين) الذي ذكره سيدي (الباهوت) في قصيدته، وبه يكتمل البدرُ بدراً، وبه يفتح الله، وعلى يديه يؤيد الله المؤمنين بإذنه، وبفضله.
في القصيدة ما هو أبعد من ذلك، فقد ذكر سيدي (الباهوت) المعركة بتفاصيلها الحديثة، فقال: (وتُنسف أجبالٌ وتُسجرُ أبحرٌ) ولم يكن في زمان (الباهوت) مدافع ولا صواريخ ولا قنابل ولا طائرات، فما الذي يجعله يتحدث عن مشاهد، كان يُعتَقَدُ أنها من مشاهد يوم القيامة، فلم يكن هناك إلا السيف والخنجر، والسهم والرمح، ولمن يعتقد حالياً أنها من مشاهد قيام الساعة، عليه أن يكمل البيت (ويُسبَلُ مُزنٌ لم يزل فيه راعدُ)، والمزن الذي يصاحبه الرعد ليس إلا من أمزان الدنيا..
ثم لنواصل القراءة، ولنقف إجلالاً لأول من ذكر الحرب بسلاح الطيران، وهنا ذروة القصيدة، ومنتهى البيان والإيضاح في نبوءة القصيدة، إذ يقول مخاطباً (ابن سالم) وهو إشارة إلى (ابن سلمان) ملك المملكة المعتدية، يقول (الباهوت) في بيتين متتاليين:
فماذا ترى فيما جرى يا ابن سالمٍ
أللسيف كف في رباك وساعدُ
وهل من صقورٍ في طيورك هذه
يصيدُ بها أُسدَ القبائلِ صائدُ
فبعد أن يتحقق النصر العظيم، يسخر (بدر الدين) من (ابن سلمان) أو (ابن سالم) -كما ذكر في القصيدة-، فيقول له: ماذا ترى فيما جرى، هل كان للقوة العسكرية كف وساعد في هذه الهزيمة التي تلقيتها ؟!! وهل من صقور في طيورك هذه، أي هل طائراتك هذه التي زعمت بها السيطرة والقوة، ورحت تقتل بها أسود قبائل اليمن، هل حققت لك ما كنت تبغي من النصر؟!! هل طيورك هذه صقور، أم مجرد خفافيش، وهذه هي حقيقة طيران العدوان، مجرد خفافيش، تهجم في الظلام، ثم تختفي، أو من بعيد ثم تفر خائفة، فهي مجرد طائرات جبانة.
القصيدة مكتظة بالإشارات، ففي البيت التالي يذكر النسناس، وهو نوع من القرود، فيقول:
أم الناس نسناس هناك وها هنا
أنامهمُ السلوانُ عما نكابدُ
وصف الساكتين النائمين، بأنهم مجرد قرود، وفي هذا إشارة إلى اليهود وأتباعهم، (هناك) خارج البلاد، (وها هنا) الصامتين القاعدين من أبناء البلد وفي داخل البلد، فهم لم يعودوا أناساً، بل هم قرود من نوع النسناس، وهو القرد ضئيل الجسم طويل الذنَب، فهم بصمتهم وسكوتهم عن العدوان، وبتخاذلهم عن الدفاع عن دينهم وشرفهم وأمتهم ووطنهم، قد تقزموا، ولكن لهم فضول طويل في الحديث الفارغ، وإفراغ ما يصبه العدوان في قنواته التلفزيونية ومواقع التواصل الاجتماعي، من جديد في المجالس، وفي الباصات، ومقار العمل، دون وعي، ودون بصيرة، فهم بتقزمهم لهم ذيول طويلة (كالنسناس)، قد أرقدهم (السلوان) عما نكابد في سبيلهم، فنحن نقدم التضحيات الجسيمة، ثم نجدهم يتشدقون علينا، ويبحثون عن أصغر حبة، ليجعلوا منها أكبر قبة، وينالوننا بألسنة حداد، وهم المُخَلّفون، والقاعدون، والصامتون، والراضون بالعدوان، والهاربون إلى عواصم دول العدوان، الذين ارتضوا اللقم الممرغة بالذل، وفضلوها على العزة والكرامة.
ثم يصفهم بأن عقولهم كعقول العصافير، إشارة إلى الشهوات الحيوانية الغريزية، التي تحكم عقولهم.. وبأن أحلامهم كأحلام النساء، فيقول:
عقول عصافيرٍ، وأحلامُ نسوةٍ
فقيرٌ ذليلٌ، أو فقيهٌ معاندُ
فهم إمّا فقير ذليل، لا يجرؤ على قول الحق، ولا على التحرك مع الحق، ونصرته، أو فقيه معاند، كعلماء السوء الذين أيدوا العدوان، وشرعنوا له، وأفتوا بأنه (وااااجب شرعي)، وأفتوا بقتل كل اليمنيين، كما قال (الزنداني، وصعتر) الذي أفتى بقتل 25 مليون، ويبقى مليون، هم قوام (حزب الإصلاح)، حسب حسبته وتفكيره، هؤلاء ذكرهم الباهوت بصفة (فقيه معاند) يعرف الحق، ولكنه لا يعترف به، فهو (منافق) والمنافق ( في الدرك الأسفل من النار)، وتحت أقدام الرجال الرجال.
حسود لنا أو ظالم متجبر
وشيخ قبيلٍ مفسدٌ، فيه فاسدُ،
فالحسود والظالم المتجبر اجتمعا في العدوان علينا، متمثلَين في (الأمريكان وآل سعود والإماراتي، ومن ورائهم اليهود) باعتبارهم ظالم متجبر.. والحسود الذي يتجسد في (حزب الإصلاح، والعفافيش) ومن لف لفهم.. ثم هناك شيخ القبيلة، ويتجسد في فصيل المشائخ عباد الريال والدولار والدرهم، فهو شيخُ قبيلٍ مُفسِدٌ، وداخله وحقيقته أنه شخص فاسد، وقد يكون الشخص فاسداً، وليس مفسداً، لكن هذا النموذج جمع بين فساده هو نفسه، وإفساده لغيره، وهذا النموذج الأكثر شبهاً باليهود، باعتبارهم (المفسدون في الأرض) بالنص القرآني.
لم أبين كل إشارات القصيدة، ولم أتطرق إلى جمالياتها البديعة، وسأترك معظمها للقارئ، ليستكشف بذائقته ما في تلافيفها من كنوز مخبوءة، ودرر منثورة، عَلَّ دلوٍ قد يخرج منها غير ما اغترفتُ من كنوز.
وإلى القصيدة..
يُسَلِّمُ غيباً وهو بالروح شاهدُ
ويحزنُ فقداً وهو بالقلبِ واجدُ
ويرجو بأنَّ البينَ بالعينِ يَنقضي
ويأتي زمانٌ بالسعودِ مساعدُ
وتشرق أيامُ الكسوفِ وتنجلي
شموسُ الهدى والغيُّ حيرانُ جامدُ
ويبلغُ (بدرُ الدين) ليلة أربعٍ
وعشرٍ، وتجري الراسياتُ الرواكدُ
وتُنسَفُ أجبالٌ، وتُسجَرُ أبحرٌ
ويُسبَلُ مُزنٌ لم يزل فيهِ راعدُ
ويُرفعُ مخفوضٌ ويُخفضُ رافعٌ
ويَقعدُ قَوّامٌ وينهضُ قاعدُ
وتُشفى صدورٌ عِيلَ بالغيظِ صَبرُها
وأفئدةٌ للخلقِ فيها فوائدُ
فماذا ترى فيما جرى يا (ابن سالمٍ )
أللسيفِ كَفٌّ في رُباكَ وساعٍدُ
وهل من (صقورٍ في طيوركَ) هذه
يَصيدُ بها أُسْدَ القبائلِ صائدُ
أم الناسُ نَسناسٌ هناك وها هنا
أنامَهُمُ السلوانُ عَمّا نُكابِدُ
عقولُ عصافيرٍ وأحلامُ نسوةٍ
فقيرٌ ذليلٌ أو فقيهٌ مُعانِدُ
حَسودٌ لنا أو ظالمٌ مُتَجَبِّرٌ
وشيخُ قبيلٍ مُفسِدٌ، فيه فاسدُ
فوا عجبا كلُ الفحولِ تأنثتْ
عزائمهمْ حتى لَيُعدَمَ واحدُ
فكن عَضُداً ركناً لنا يا ابن سالمٍ
تُصادِرُ فينا من بغى وتُوارِدُ
وتدعو إلى اسمٍ لا تفوهُ باسمه
لهُ في قلوبِ العارفينَ شواهِدُ.
* نقلا عن : الثورة نت