«القدس أقرب» لم يكن اختيار شعار يوم القدس لهذا العام اعتباطياً أو ارتجالياً أو نابعاً من حماسة زائدة على اللازم، بل كان شعاراً نابعاً من يقين حتمي بقرب التحرير والانتصار في زمن التوثب لمعركة «وعد الآخرة»، واللافت أيضاً أن شعار هذا العام لم يكن خاصاً باليمن وحدها، بل كان شعاراً للمناسبة في أرجاء المعمورة، ورأيناه يرفرف في حواضر وعواصم دول وشعوب محور المقاومة من اليمن إلى فلسطين، مروراً بلبنان وسوريا والعراق، وصولاً إلى إيران، وذلك يحمل دلالات ورسائل مهمة للعدو بأنه بات مطوقاً من الناحية الاستراتيجية بالمحور، كما يؤكد هذا التوحد ، وما سبقه من تنظيم فعالية المنبر الموحد بأن التنسيق بين دول وقيادات المحور بلغ أعلى درجاته، وأننا بتنا في زمن مختلف لم يعهده العالم العربي والإسلامي منذ قرابة نصف قرن من الزمن.
إنه زمن «الحتميات الثلاث» التي أشار إليها السيد القائد الحكيم عبد الملك بدر الدين الحوثي في خطابه عشية ذكرى يوم القدس، بيقين منقطع النظير وثقة عالية، يحس المتابع له أن زمن تحرير الأقصى ودخول المسجد الأقصى، وانهيار محور الخيانة والتطبيع، والغلبة للمؤمنين الصادقين بات وشيكاً جداً ولم يعد بعيداً كما نتصور، وينسجم هذا الموقف مع موقف الإمام السيد علي الخامنئي- يحفظه الله- بأن «الخطَّ البيانيَّ الانحداريَّ باتجاه زوالِ العدوِّ الصهيونيِّ قد بدأ ولن يتوقّف»، ويلتقي معهما التشخيص الاستراتيجي الدقيق للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله وتشريحه للبيئة الداخلية للعدو، والتوقف عند مؤشرات الوهن والضعف داخل كيان العدو الإسرائيلي، وكل ذلك يصب في خدمة الطموح الفلسطيني وطموح محور المقاومة بـ « تحقيق الوحدة الإسلامية وتشكيل أكبر تكتل عربي إسلامي وعلى رأسه محور المقاومة لصياغة استراتيجية التحرير والمواجهة الشاملة مع الاحتلال الإسرائيلي»، كما جاء على لسان القيادي في حركة حماس د. إسماعيل رضوان خلال مشاركته الجماهير اليمنية في مسيرة يوم القدس عبر الدائرة التلفزيونية.
في ظل كل هذه المعطيات وهذه الخطابات وهذا التوجه العربي الإسلامي، فإن الدائرة تدور على إسرائيل ومن طبِّع معها، وهذه الجهود والتوجهات هي نتاج تحولات قرابة نصف قرن، رست على تشكيل محور قوي وممتد كما أشرنا من اليمن إلى فلسطين مروراً بلبنان وسوريا والعراق وصولاً إلى إيران، محور لا يحمل فلسطين كشعار، بل يحمل هم تحريرها ويعد ويجهز لهذه المهمة في الليل والنهار، ويدفع ثمناً كبيراً في سبيل ذلك، ومن يدري لعل هذه المسيرات والتلاقي في السنوات القليلة المقبلة سيأخذ منحى آخر عسكرياً في سياق تنظيم مناورات مشتركة في يوم القدس، أو الذهاب نحو تشكيل غرفة عمليات مشتركة لمحور المقاومة مهمتها الأولى تحرير فلسطين.
البيئة الاستراتيجية مواتية لهذا المشروع في ظل ما طرحه الأمين العام لحزب الله، السيد نصر الله عن البيئة الاستراتيجية، وتشخص البيئة الداخلية للعدو وتصدع جبهته الداخلية وضعفها، ووهنها مقارنة بالعقود الماضية.
وهنا نشير إلى العوامل الداخلية، فعلى المستوى الأمني شهدت الفترة الماضية الكثير من العمليات والاختلالات المتوالية في غضون أقل من أسبوعين من سقوط صاروخ ديمونا إلى حريق مصافي النفط في حيفا، وحريق بالقرب من مطار «اللِّد» بن غوريون، والاختراقات المهمة لبيئة العدو التي كان يعتقد أنها محصنة، تزامن ذلك مع أزمة سياسية عميقة داخل كيان العدو نفسه، تمثلت في فشله لأربع مرات في تشكيل حكومته غير المعترف بها طبعاً، إنما يوحي ذلك – بحسب السيد نصر الله – إلى أن العدو الإسرائيلي يعيش مرحلة أزمة قيادة وأزمة قادة، وهذه من أبرز مؤشرات الوهن والضعف والأفول، وبموازاة الانقسام السياسي النخبوي، هناك انقسام أفقي على مستوى اليهود وفرقهم داخل فلسطين المحتلة (الحريديم والفلاشا، والسفارديم وغيرها) ، وفي هذا السياق يشكك بعض المراقبين أن حادثة الجليل التي أسفرت عن مقتل وإصابة العشرات بانهيار جسر خلال حفل، كان ناتجاً عن صدامات داخل الصهاينة أنفسهم على خلفيات أخرى، وهو ما يعزز قول الله تعالى “وتحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى”.
الجيش الإسرائيلي الذي كانوا يصفونه بـ «الجيش الذي لا يُقهر»، يرتعد اليوم خوفاً بعد أن استأسد دهراً مستفيداً من التراجع العربي والإسلامي آنذاك، اليوم بات أمام حقائق مختلفة وواقع مختلف يتشكل في محيطه، وينظر بقلق وخوف وخشية لكل قوة صاعدة وصادقة وتحب فلسطين بما في ذلك اليمن، فمع كل ضربة على العمق السعودي نجد اليهودي يعبِّر عن قلقه ومخاوفه من الحشد الشعبي، ومن حزب الله وامتلاكه أسلحة نوعية ودقيقة، ومن تعاظم قوة الردع الفلسطينية في قطاع غزة، ويتعاظم ذلك القلق الإسرائيلي يوماً بعد يوم ومن فترة إلى أخرى، إلى أن وصل العدو إلى مرحلة اللا يقين من قدرته على التصدي للنيران من جبهات مختلفة إن وقعت حرب شاملة، وذلك ما يفسر استنفاره ومناوراته المكثفة بين الحين والآخر، سعياً منه للحفاظ على ما تبقى لديه من قوة الردع التي تتآكل وتضعف باستمرار.
يدرك العدو أن الواقع والوقائع والمتغيرات باتت تصب في مصلحة محور فلسطين، ويخشى من فكرة تشكيل تكتل عربي إسلامي لتحرير فلسطين، ولذلك سارع لفتح خطوط التلاقي والتواصل والتطبيع والولاء مع بعض دول الخليج وبعض دول المغرب العربي والسودان، لكسر حالة العزلة المفروضة عليه، ومحاصرة محور فلسطين، وسارعت هي (الدول المطبِّعة) للولاء لإسرائيل طمعاً في حمايته وتقرباً للبيت الأبيض، لكنهم جميعاً في مأزق تاريخي، فمن يحمي من؟ فـ «الحتميات الثلاث» في طريقها نحو التحقق وملف فلسطين بات في عهدة الصادقين والجادين كما وصفهم السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي – يحفظه الله.
تضافر هذه المعطيات والعوامل، وتحول المقاومة الفلسطينية من الحجارة إلى الصواريخ الدقيقة وتنامي قدرات المحور، وتوفر البيئة الاستراتيجية لتحقيق الحتميات الإلهية الثلاث، وتصدع جبهة العدو داخليا وخارجيا، توفر المناخ الملائم لتشكيل غرفة عمليات مشتركة مهمتها الأولى تحرير فلسطين والمقدسات، وإسقاط وإزالة العدو الإسرائيلي من الوجود.