في شتاء 2016، كان السفيرُ الأمريكي لدى اليمن يتنقلُ بين طاولات مفاوضات طرفاها الوفدُ الوطني، ووفد حكومة المرتزِقة، في دولة الكويت.
لم يكن قد مضى من زمنِ العدوان على اليمن سوى أشهرٍ معدودة، لكنه بالزمن الذي صار بالنسبة لواشنطن ملائماً جِـدًّا لقراءةِ مصيرِ المعركة التي أفرزت مؤشراتُها الأوليةُ خيبةَ الأمل في إحراز حسم ميداني ناجز وخاطف ضد صنعاء.
لقد أرادت واشنطن فرْضَ اشتراطات حربها العدوانية مبكراً، عبر أدواتها في الرياض وأبو ظبي، ولكن من خلال الكويت، وبالتلويح بنُذُرٍ عدوان اقتصادي رديفٍ للعدوان العسكري، حَيثُ توعد السفير الأمريكي، بأن تصلَ العُملةُ اليمنية إلى مستوى لا تساوي قيمةَ الحبر الذي طُبعت به، في حال عدمِ قبول الوفد الوطني بشروط العدوان والمرتزِقة.
إنه منطقُ الاستكبار الذي يرفُضُ استدراكاتِ العواقب غير السارة من محاولات استضعاف الشعوب وتسخيرها في خدمة نزاوته وأطماعه.
وبالمناسبة، يُعرَفُ الاستكبارُ الأمريكي باعتماده على إثارةِ استياءِ الخصومِ وحتى الحلفاء في كثيرٍ من الأوقات، عندما يحاولُ فرضَ ما يريدُه أَو يخطِّطُ له.
ففي الحالة اليمنية، بدلاً عن إبداءِ أي نوع من الاستياء الذي أراد أن يختبرَه السفيرُ الأمريكي من تهديدِه بتدميرِ عُملة اليمن، أسرف وفدُ مرتزِقة العدوان في تبادل الابتسامات قبلَ أن يضمروا الكثيرَ من التشفي لاحقاً عند كُـلّ موجة انهيار للعُملة، انحصرت كارثيتُها أخيرًا على مناطقِهم التي تعاني الاحتلال.
ويُحسَبُ لصنعاء ما حذقته من وراءِ التهديد الأمريكي الذي يتجاوزُ العُملةَ الوطنيةَ إلى مخطّطٍ أوسعَ وأكثرَ خطراً يستهدفُ منظومة الاقتصاد في اليمن، وقد ساعدتها هذه القراءةُ في التعامُلِ الجيد مع المِلف الاقتصادي، بما في ذلك الدورة النقدية التي استخدمها العدوانُ الأمريكي السعودي الإماراتي والمرتزِقة كأدَاةِ حربٍ لتدمير العُملة الوطنية.
في الواقع، بدأ العدوانُ الاقتصادي على اليمن، بالتوازي مع العدوانِ العسكري منذ اليوم الأول في 26 مارس 2015م، ومثّل القطاعُ المصرفي هدفاً استراتيجياً في مخطّط العدوان، وقد حرِصَ العدوُّ الأمريكي على أن يتولى مخطّطَ التآمر في هذا الجانب، فكانت بصماتُه واضحةً في قرارِ نقلِ الدورة المالية من صنعاء إلى عدن، بعد أشهرٍ قليلة من تهديد السفير بتدمير قيمة العُملة.
بالطبع، لم يكن هناك ما يبرّرُ نقلَ وظائف وعمليات البنك المركَزي اليمني إلى عدن، في سبتمبر 2016، إلا أن الخطوةَ بحَدٍّ ذاتها كانت مؤشراً واقعياً لبدء عدوان اقتصادي مترافِقٍ مع عدوان عسكري أثبتت فشلَه في حسم المعركة، غير أنه سيتسبِّبُ بتدميرٍ هائلٍ للبُنية الاقتصادية اليمنية، من المنشآت والمؤسِّسات الصناعية والإنتاجية إلى المزارع والطرقات وحتى آبار مياه الشرب، إلى جانب فرض الحصار الشامل، وضرب العُملة في مقتل.
وللأهميّة، ينبغي قراءةُ انهيار العملة مؤخّراً في المناطق المحتلّة، ضمن حلقات التصعيد الذي يحرِصُ العدوُّ الأمريكي على فرضِه في صميمِ مخطّطِ عدوانه الاقتصادي، وفي الوقت نفسه يعد التصعيدُ تعبيراً عن المأزق السياسي والعسكري الذي يعيشُه حَـاليًّا.
لقد لاحظنا كيف منح العدوُّ الأمريكي الضوءَ الأخضرَ لعملائه للبدءِ بتنفيذِ مخطّطِ العُملة المزيَّفة التي كان قد أشرف على تخطيطها وتنفيذها قبلَ وبعدَ فترة إحباط مخطّط العُملة غير القانونية بقرار حظر تداوُلِها والتعامل بها في صنعاء.
كما ليست بعيدةً عن السياق، العقوباتُ التي أصدرتها الخِزانةُ الأمريكية خلالَ الفترة الأخيرة، مستهدفةً شركاتٍ وأفراداً يتواجدون في المناطقِ اليمنيةِ المحرَّرة. بل يبدو هذا الأمرُ من صميمِ مخطّطِ العدوانِ الاقتصاديِّ الذي يأملُ العدوُّ الأمريكي من خلاله أن يضغَطَ سياسيًّا وعسكريًّا للقبولِ بشروطِه كعادته.