الاحتفاء بمولد النبي الأعظم، صلوات الله عليه وآله، احتفاءً بالفرحة التي لن يأتي بعده من يقطعها أو يحتكرها.. وحمداً وشكراً لله أنْ بعث فينا هذا النبي، الذي رفع شأننا بين الأمم، بعد أن كنا مجتمعاتٍ نكرةً دون شأن.
حين نحتفل بمولده فنحن نحتفل بمولدنا نحن، وبنجاتنا من ظلمات الجاهلية وطباعها، وطرق تفكيرها، وأسلوب عيشها الذي كنا سنتوارثه جيلاً بعد جيل، لولا مجيء محمد بن عبدالله الذي أخرجنا من الظلمات إلى النور، وكان بمثابة إغاثة لتغيير طريقة الحياة التي لا تليق بآدمية الإنسان، فقد كنا قبله بشراً، لكننا بعيدون عن معنى الإنسانية.
ورغم ذلك، لم يقل لهم إنهم لا يمتلكون شيئاً من الإنسانية والأخلاق، فقد لخَّص بعثته حين خاطبهم، قائلاً: إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق.
قبل مجيء النبي الأعظم، كنا نقبع في قبو العقل المظلم، ونخاف من الضوء، ونحارب المبادئ، ونتحاشى الكرم، ونحارب العلم، وننتقص من شأن النساء، وندفن البنات خشية العار وندفن الأولاد خشية الفقر، ونذمُّ كل من يتحدث عن القيم والفضيلة.. لذلك حاربته قريش وعتاولتها وسفهاؤها، لأنها رأت في دعوته توحيداً لا يطيقه المعدِّدُون، ورأت في دعوته إنسانيةً لا يستطيع تقبُّلها تجار الرقيق، ورأت في دعوته بذلاً لا يقدر عليه عُبَّاد الدرهم والدينار، ورأت في دعوته رحمةً لا تحتملها أنانيتهم، ورأت في دعوته إلهاً واسعاً لم يستوعبه انحيازهم الضيق للأصنام.
كل نبي من أنبياء الله، عليهم السلام، كان له معجزة، أما محمد بن عبدالله فلم يكن يحتاج إلى معجزة تؤيد نبوَّته، لأنه كان بحد ذاته معجزة تمشي على قدمين، وسيظل إعجازه ونفحاته وعلوُّه، وخلقه العظيم، ورحمته التي شملت العالمين أبداً ما بقيت الأرض تدور، وما بقي الليل والنهار.
اللهم صلِّ على محمدٍ وآل محمد، النور الذي لا ينطفئ، والكرم الذي لا يردُّ سائلاً، والإنسانية الكاملة التي لا تتجزأ، والرحمة التي اخضرت بها الأغصان اليابسة، ولانت لها حجارة القلوب، وأشرقت باسمها كل الظلمات. صلاةً دائمةً لا مقطوعة ولا ممنوعة، توصلنا إليه، وتجمعنا به هادياً وشافعاً من كل ما علق بنا من مستنقع الحياة.
* نقلا عن : لا ميديا