|
مسؤولية الدولة والمجتمع في تيسير الزواج5
بقلم/ د.حمود عبدالله الأهنومي
نشر منذ: سنتين و 11 شهراً و 17 يوماً السبت 04 ديسمبر-كانون الأول 2021 08:56 م
نستكمل في هذا المقال- وهو الأخير- بعض أنواع التيسير التي بها يتيسر الزواج، وتحل بها الخيرات والبركات، وهي من صميم مسؤولية المجتمع، وهي:
7 – التيسير بالتعاون مع أهل العريس: فمن المناسب أن يتعاون أبناء القرية والحي والأسرة في رفد بعضهم وإعانتهم بما يتيسر لهم ويُحْتَاج إليه، وكانت هناك عادات حميدة عرفها آباؤنا وأجدادنا، من المناسب جدا اليوم العودة إليها، ومنها عادة (الرِّفد)، وهو أن يبادر كل شخص بتقديم ما يتيسر له من طعام أو مأكولات أخرى إلى بيت العريس، لكن ينبغي أن تكون هذه المسألة تحت دائرة الإحسان، وأن لا ينتظر الرافد من المرفود أن يعوِّضه أو يقايضه به وإلا فإنه سيذهب للشكوى به عند الشيخ أو الحاكم، فهذا الانتظار سبّب في نهاية الأمر للتقاطع والتدابر.
وفي هذا السياق يشدد السيد القائد على أهمية الاعتياد على مبادرات الإحسان والتعاون باعتبار ذلك من التعاون على الخير، فيقول عليه السلام “التعاون مع الفقراء من المعسرين من أبناء المجتمع كافة، أن تكون هذه عادة يحاول الناسُ التعوُّدَ عليها؛ لأنها من فعل الخير، ولأنها من التعاون على البر والتقوى، من التعاون على التقوى في الحارة أو في القرية، إذا هناك متزوج أو أحد يسعى لأن يتزوج وهو فقير يسعى الناس إلى أن يعينوه، كلٌّ من عنده، وتسعى وجاهات الخير من علماء، شخصيات مؤثرة في المجتمع، ناس صالحين في المجتمع، وجاهات قبلية، أو بأي شكل، نخب، من له كلمة مسموعة يمكنه التأثير في الناس يسعى، الدال على الخير كفاعله”.
ويضرب مثلا على التعاون الجماعي هذا مشدِّدًا على أهميته، فيقول عليه السلام “مثلاً عندما أتعاونُ أنا وأنتَ والآخرُ ونَجمعُ مبلغاً معيناً، هذا المبلغُ الذي جَمعناهُ مِن مجموعةٍ من الناسِ قد نستطيعُ أن نُساهمَ به في زواجِ مُحتاجٍ للزواج فقير، ويمثِّلُ مساهمةً فعليةً وحقيقيةً أكثرَ من التعاونِ الفردي، التعاونُ الجماعيُ مهمٌ جداً، ويستطيعُ أن يُعالجَ كثيراً من المشاكلِ وبطريقةٍ مُيَسَّرَةٍ”.
8 -من المهم تغيير ثقافة الآباء والأمهات وتوجهاتهم في إحداث أي عملية تغيير، حتى يعتبر الآباء والأمهات أن زواج بناتهم مطلبٌ ديني وثقافة راقية، ويجب أن يبتغوا بذلك وجه الله ومرضاته والامتثال لتوجيهه من منطق المحبة له، وابتغاء سبيله، والتخلص من ثقافة الارتباط بالآخرين، والنظر إليهم، ونحن نعمل مثلما عمل بيت فلان، أو علان، …إلخ.
يُرْجِعُ السيد القائد السبب إلى الآباء الجشعين، وليس إلى الفتيات، فربما تتفهَّم الفتاة، وتوافق على الزواج بأقل كلفة، لكن يبقى الأب حجر عثرة، يقول عليه السلام “البعض مِن الآباءِ يَعتبرُ ابنتَه سِلعةً، يُريدُ أن يحَصُلَ مِن خلالِها على ثمنٍ كبير، لأنَّه يأكلُ المَهْرَ، لو سَلِمَ الناسُ أكلَ المُهورِ لانخفضت التكاليفُ، الكثيرُ مِن النساءِ قد ترغبُ في الزواجِ وقد تتفهّمُ هي؛ لأنَّ الزواجَ هو حاجةٌ للمرأةِ وحاجةٌ للرجل، حاجةٌ لكليهما، فالكثيرُ من العانِساتِ والمعانياتِ مِن بقائِهنّ فترةٍ طويلةٍ لم يتزوجنّ قد تتفهمُ الواحدة منهن أن تُخفِّضَ مِن التكاليف، الكثيرُ الكثيرُ مِن النساءِ ليسَ توجُّهُهَن في هذه الحياةِ مُركّزاً على الحُصول على أموالٍ هائلةٍ جداً، هي تريدُ حياةً مُستقرة، هي بفطرتِها ترغبُ في تكوينِ أسرة، ترغبُ في أن يكونَ لها أولادٌ، وترغبُ في أن تعيشَ حياةً أسريةً مُستقرة، فعندما يُركِّزُ البعضُ مِن الآباءِ على أن يَحصُلَ مِن خلالِ ابنتِه على مبالغَ ماليةٍ هذا ظُلمٌ لها، ظُلمٌ لها عندما يتأخرُ زواجُها كثيراً وتُعاني نتيجةَ ذلك، وظُلمٌ لها لأنَّه سيأكلُ مَهرَها وهو مالٌ حرامٌ، عندما يأكلُ مَهرَها هو أكلَ مالاً حراماً “.
9 -التيسير بإتاحة القروض، ويمكن للمجتمع أن يقوم بذلك، على الناس أن لا ينسوا فضل القرض، وأجره، وخيره، ولا سيما في مثل هذه الأبواب الخيرة، ومنها باب الزواج.
10- التيسير في نفقات المعيشة: حتى تستمر الحياة الزوجية ناجحة، فيجب أن تخفف الأسر عن نفسها في نفقات معيشتها ومصروفاتها الحياتية، وترتب أولوياتها، ولا تجعل نفسها حبيسة لعادات أو تقاليد أو إعلانات السلع الاستهلاكية، ولا تتخذ قرارًا بشراء شيء ولا تتطلع إلى شيء إلا إذا كانت له منفعة معتبرة وله أولوية في حياتها.
إن الغالب في حياة الأسر اليوم أنهم أصبحوا أسرى لدى الشركات التجارية يغرونهم بالجوائز أو الخصومات أو القدرات الخارقة لهذه السلعة أو تلك، إضافة إلى تقديس عادات مستوردة من هنا أو هناك تستنزف دخل الأسرة وترهق الأبوين اللذين يكدحان ليلًا ونهارًا لتأمين هذه النفقات الباهظة.
وكما أمر الإسلام غير القادر ونهاه عن النظر والتطلع إلى ما منَّ الله تعالى به على الأغنياء، وأن ينظر إلى من هو أدنى منه فيحمد الله تعالى على ما أعطاه إياه، فقد وجَّه الأغنياء إلى عدم استفزاز الآخرين بكثرة الظهور بمظاهر الثراء والترف الشديدين؛ حتى لا يكونوا سببًا في تحسُّر غير القادرين على أنفسهم، وقد بالغ الإسلام في الحد من ظاهرة الاستفزاز هذه حتى ولو من خلال رائحة الطعام، كما ورد في بعض الأحاديث.
هذه التوجيهات في ريح الشواء، والفاكهة، فكيف بما هو أعظم منها من سيارات، وقصور، وماركات ملابس وموبايلات، وحلي نساء من الذهب وغيره من المجوهرات النفيسة، هذا كله أولى بالرعاية والرحمة بغير القادرين، وإلا فهناك فواجع ومصائب تحدث بسبب هذا، فكم من امرأة خرجت تتباهى بما عندها من ذهب ونحوه لم تمر عليها ليلة إلا وقد عثروا عليها مقتولة ربما من خادمها أو من جارها أو من موظف معها، وكم من ثري خرج يتباهى بملبسه أو مركبه أو ملبسه وانتهى أمره أيضًا إلى ما لا تحمد عقباه”.
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله الطاهرين. |
|
|