تحدثنا في مقالٍ سابق وبإيجاز عن طبيعة الغزو الثقافي الغربي وأهدافه والحرب الناعمة وآثارها وكيف يمكن أن نحصِّنَ أنفسنا وأبناء أمتنا من خلال التمسك بالقرآن الكريم في مواجهة خطر الوقوع في شراك الفساد وَالانحراف وَمستنقع الابتذال والانحلال الأخلاقي والتي تعتبر إحدى وسائل وأساليب الحرب الناعمة الصامتة التي تستهدف القيم الإيمانية والأخلاقية بين أوساط المجتمع المسلم.
وقد تمت الإشارة إلى أنواع ومستويات عصيان أرباب الشرك والنفاق لله ورسله وَالتي تمثِّل في مخطّطاتها وغاياتها حرباً وغزواً لأفكار وتوجّـهات وثقافة الأمم السابقة واللاحقة وكأن التاريخ يعيد نفسه مع اختلاف الوسائل وبما يناسب تطورات العصر والإمْكَانيات.
ولذلك فقد سعى من يمثلون محور الشر والطغيان جهدهم في محاولة إخراج الناس من النور إلى الظلمات ومن العفة والطهر إلى الرجس والفُحش والارتداد عن دين الله وإطفاء نور الله والشرك به ولكن يأبَى اللّهُ إلّا أن يُتم نُورهُ وَلو كَرهَ الكافِرون.
ولأهميّة الموضوع كان لا بد من تناول إضافة لما سبق لتبيين مواجهة التحديات والأخطار العصرية وَالتي تهدّد الأُمَّــة الإسلامية بالضياع والضلال ومنها الثقافات الغربية الدخيلة الخادمة لمصلحة قوى الاستكبار الطامعة وعلى رأسها الصهيوأمريكية التي تسعى لتحقيق آمالها وأحلامها في إبعاد الأُمَّــة عن الله ورسوله وأوليائه وَالصدّ عن دين الله والانسلاخ عن الهُــوِيَّة الإيمانية والتخلي عن المبادئ الإسلامية والقيم الأخلاقية والإنسانية.
ومما يمكن أن نعتبره مثالاً حياً لاستهداف القيم والأخلاق ما يتم عرضه من مواد إعلامية وَمقاطع وَأفلام عبر مئات من الفضائيات ووسائل التواصل الاجتماعي يحكي بعضها على سبيل المثال تفاصيل عن وضع أُسر مفككة من الداخل يسود أفرادها التذمر والتضجر بالرغم من وضعها المعيشي الرغيد ومن ثم الخروج عن الضوابط الدينية وَالقيم والأخلاق والعادات الحميدة وفي تلك المشاهد يوحي مخرج تلك المسلسلات للمُشاهد أن أهل الباطل هم أصحاب مظلومية وأنه من حق أفراد الأسرة أن تتحرّر من قيود وضوابط الأسرة المتحفظة الملتزمة بأخلاقيات الدين الإسلامي.
الأمر الذي يجعل أبناء الأُمَّــة المستهدفة وبالذات من يفتقدون إلى الوازع الديني والقيمي أن يستلهموا الانحرافات والسلوكيات السيئة وبالتالي التطبع عليها.
ومما يشكل اغتيالاً لثقافة القيم والتحفظ الترويج لنساء ماجنات في مشاهد فاضحة مخلة يتم فيها استعراض قوام المرأة كسلعة رخيصة مبتذلة في ظهور فاضح لحرية الجسد ودفع مشاعر الجمهور المتلقي للانجرار وراء الرغبة التي تتبعها الشهوة المحرَّمة.
وبالتالي العمل على هدم النفوس وسقوط المجتمع والتمهيد لفتح أبواب الخيانة وضرب بُنيان الأسرة مما يعطِّل إنسانية وأخلاقيات الرجل وَالمرأة في الحياة، ولذلك ينهى سبحانه وتعالى عن اتباع الأهواء والشهوات ويقول في كتابه العزيز:
“وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَىٰ، فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَىٰ”.
كما يتحدث سبحانه وتعالى عن تزكية النفوس وعفافها وفوز من يتزكى فيقول: “قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى” وفي آيةٍ أُخرى يقول “قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا”.
ولهذا يجب علينا أن نحذر ونتنبه بألّا توجّـه الوسائل الحديثة نحو الاتّجاه الخاطئ وألاّ تكون تلك الوسائل مرتبطة بالبرنامج اليومي والحياتي للأبناء بشكلٍ دائم كي لا تُتخذ آثار استخدامها السيئ سلوكاً وممارسةً لا سمح الله.
ومما يتم تعميمه والترويج له من غزوٍ ثقافيٍ آخر، محاولة ترسيخ وسيادة الباطل على أنه حق وإظهار الانحياز للماديات والأهواء على حساب الجوانب الروحية فيُمجد فيها محور الشر والطغيان ويتم تزييف التاريخ وَتغييب وَتهميش المظلوميات الحقيقية وَأصحاب القضايا العادلة وهذا ما ندركه واقعاً تمارسه وتفرضه قوى الاستكبار في كُـلّ زمانٍ ومكان،
قال تعالى: “فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَىٰ أَن تَعْدِلُوا، وَإِن تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا”.
وقوله سبحانه: “وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ”.
ولذلك فإن تمسكنا بالقرآن الكريم واتباع أوامر الله واجتناب نواهيه والتأسّي برسول الله ومنهج أعلام الهدى كفيلٌ بأن نتقي شرور الغزو الثقافي الصامت، وبالتالي إذَا كنا نريد أن نحقّق ونتلقى رسالات الأنبياء ونترجمها في الواقع العملي فعلينا أن نتمعن ونعي آيات الله الكريمات ونتعلم الحكمة وَتزكية النفوس وصلاحها وتطهيرها من فُحش ودنس الطاغوت ورجس الشيطان، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، طاهراً مطهراً زكياً زاكياً تقياً وكان أشد حياءً من العذراء في خدرها.
وَالحكمة هي تحقيق صلاح الأمور ورجاحة العقل التي تجسد استقامة الإنسان وعدم انحرافه عن منهج الله وكذلك حسن الرأي والتدبير في شؤون الحياة الاجتماعية الكريمة الفاضلة البعيدة عن أهواء وشهوات الدنيا وَنزغات شياطين الإنس والجِن والوقوف بصدقٍ وَثبات في مواجهة الباطل وعدم الخوف أَو الخشية من أحد سوى الله سبحانه وتعالى.
ولذلك يوضح الله سبحانه ويؤكّـد مراراً في كتابه العزيز الأهداف السامية التي جاء؛ مِن أجلِها الأنبياء في آياتٍ كثيرة ومنها قوله تعالى:
“هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ”.