فطرةُ الله التي فطر الإنسانَ عليها لها أثرُها الكبيرُ في تحديد التوجّـه لدى البشر، فكلُّ إنسان يتباهى بانتمائه وهُــوِيَّته وإنسانيته، ويرى أن لهُ الحقَّ في أن يعيشُ مُصان الكرامة، ولهُ استقلاليته في اختيار أُسلُـوب حياته، ويحسُّ في نفسه معانيَ العزّة والأَنَفة والكبرياء. يحبُّ الخير ويعشق قَصَصَ البطولة، والفتوّة أَيًّا كانت، يتفانى مع الحق حتى يذوبَ فيه، لكن سِرعان ما تُدّفَن تلك الخِصال بركام المواقف والأفعال الآتية من دهاليز الأفكار المتعفنة، والثقافات المغلوطة حتى تجعل أغلب الناس يقفون مع الباطل زورا، إذ أن فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تمكّن المرء من مساندة الباطل صراحة.
فمن المعلوم أن هناك أعمالاً ضخمة بإمْكَانيات هائلة لتنفيذ خطط شيطانية في استدراج الإنسان إلى زاويةٍ مظلمة ومن ثَم إعطاؤه جُرَعاً لإخراجه من إنسانيته كمخلوق له مشاعرُ وأحاسيسُ تعرّفهُ أين ينبغي عليه أن يكون إلى كائن حي بليد لا يهتم سوى بإشباع رغباته ونزواته ليس إلا.
ولذا نرى أن الشيطانَ وجنوده يعملون دون كللٍ أَو ملل بكلّ الأساليب لإغواء الإنسان وبطرقٍ ممنهجة، كُـلٌّ على حسب هواه وما تقتضيه الظروف لتحقيق أهداف شيطانية بحتة وهو ما وقع فيه الناس على اختلاف مشاربهم وانتماءاتهم في عالم اليوم، وخَاصَّة ما يجري في منطقتنا العربية.
لقد استخدم الأعداء الترغيب والترهيب لتركيع المجتمعات وسرعان ما يقع في السقوط ذوو الأهواء والرغبات من ضعاف النفوس وما أكثرهم في عالمنا العربي بالذات، حتى أصبح الحاكم العربي دُمية، وأصبح المواطن العربي أضحوكة العالم، بليداً يُعبّد نفسه للآخرين رغبةً منه؛ بسَببِ الأفكار الشيطانية من وهَّـابية وغيرها، وفي اليمن هناك من عديمي الرجولة كُثْرٌ بمستويات متباينة من علماءَ، ومشايخَ، وساسة، وأكاديميين، وإعلاميين،… إلخ، وُصُـولاً إلى المرتزِق التافه البسيط، وهم يُعدَّون بعشرات الآلاف جميعُهم ذهبوا ليأتوا بالعالم السخيف لقتل وإبادة من يفترض أنهم آباؤهم، وإخوانهم، وعشيرتهم، لإهلاك حرث ونسل أبناء جلدتهم لكي يرضى عنهم المهفوفُ أَو حتى يحظَوا من مليكهم بالسماح لهم بتقبيل قدمه التي كانوا يتلهفون لمشاهدته وهو يلهث ككلب مسعور خلف (ترامب، وابنته) في منظر يستحي ذوو الفطرة السليمة من مشاهدته.
وهم في تقديم بلدهم وكرامة شعبهم واستباحة اليمن أرضاً وإنساناً في مساندتهم للباطل يضعون لأنفسهم مبرّراتٍ تصور وقوفهم كمطية للباطل موقف مع الحق، فتراهم يندفعون في سبيل الشيطانُ الأكبر وكأنهم في سبيل الله! بعد أن خدعوا أنفسهم بما يريح البال من تأنيب الضمير، لكن ذلك لا يغيّر من حقيقة الموقف شيئاً سوى الزيف والتمرغ في وحل الوهم أكثر، فيضلّ الموقف الخطأ رقماً مضاف في رصيد الباطل.
وما أكثر الناس الذين يتخذون من هذه الفكرة مخطّطاً استراتيجياً يمارس به حياته، ويتخذ منها مواقفَ مهمة قد تكون غالبًا مصيرية، يخادعُ بها نفسه، إذ يُقنِعُ نفسه أن السكوت موقف سليم، فيرى تلك المجازر البشعة، والأجساد المتفحمة، والطفولة المذبوحة، والأم الثكلى، والجراح النازفة، والأرض المحروقة ولا يحرّك ساكناً وكأن الأمر لا يعنيه من قريب ولا من بعيد أصبح ميّتَ الإحساس فاقداً للضَّمير، وبكلّ بَلادة لسان حاله نفاقاً: “الله ينصر الحق”، وهو يشاهد اليمن يُقصف، وتصادر كرامة أبنائه وتُغتصب النساء في المناطق المحتلة وكأنه يشاهد مقطعاً “هوليودي” للترفيه فقط.
هذا حال من يتَّخذ في قرارة نفسه: لا ريب أن صمتي لا يصُبُّ في مصلحة الباطل، فيصبح شيطاناً أخرسَ، وهو يرى بشاعة ما يرتكبه العدوان من جرائمَ طيلة سبع سنوات، وعند اشتداد الأمور عليه، وتوالي الضغوط المحيطة به يتخلى عن مبدأ الصمت لينتقل إلى مربع أسوأ، وكعادته لن يعدم المبرّرات الواهية، ويسعى لتحقيق مصالحه الشيطانية لا مصلحة الدين؛ لأَنَّه يجدُّ في رضا نفسه لا رضا الخالق سبحانه.
وفي المقابل وليس للمقارنة نجد أصحاب العزيمة القوية، والإرادَة الصادقة، والنفوس الحرّة المرتبطة بالله وأعلام هديه، هم من يتَّخذون المواقفَ القوية الصادقة المساندة للحق والمستضعفين، وقلائل من الناس انفكَّوا من أغلال الأطماع، وتحرّروا من ذواتهم وأنانياتهم، وترفعوا عن شهوانيتهم، وتفلَّتوا من رِبقه الهلع ومصيبة الطمع، وتخلَّصوا من عُقَد الحقد والحسد والأمراض العنصرية المَقيتة، فكانوا رجال الله وأنصاره، ونالوا تاج الكرامة ووسام الحريّة الحقيقة فداسوا بإقدامهم الطاهرة أفخر الصناعات واحدثها، وهشَّموا ممالكَ العهر والانبطاح للصهيونية، فمن تولى الله وأولياءَه تولاه الله برحمته وكرامته وعزته ونصره.
من يسمحون للآخرين بأن يستعبدوهم ويستغلوهم رغبة منهم في شعورٍ زائفٍ بالطمأنينة وتأمين المستقبل المادي، فلن يحافظوا على كرامتهم، ولن يأمنوا حتى أنفسهم عِوضاً عن المستقبل، وهم عبيد تحت أقدام من لا يرحم، فحالهم كفقير اليهود، وصفحات تاريخ هذه الانقلابات في المواقف من الصمت إلى المشاركة الفعلية في ترسيخ دعائم الباطل وأركانه وتماديه في الإجرام فكلُّ موقف لا يحسب مع الحق يصب تلقائياً في معسكر الباطل.
ولَكم نرى الساكتين والمتردّدين في مواجهة العدوان وأدواته هم الصيد الثمين الذي تتوجّـه قوى العدوان لاستمالتهم بمختلف الأساليب منها الإعلامية، وَشائعات الحرب النفسية، وإغرائهم بالريال والدرهم السعوديّ والإماراتي، فترى لعابه يسيل ويسقط في وحل الهزيمة وسرعان ما ينقلب في وجه الحق، فقناعتهم هي من تحكمهم وطباع الغدر تأتي من هذه النوعية من مرضى القلوب المهزومين نفسياً، وحالهم كحال الكوفيين كما وصفهم الفرزدق مختزلاً نفسياتهم المريضة حين قابل الإمام الحسين بن علي عليهما السلام: (قلوبُهم معك، وسيوفُهم عليك).
إن خلق الأعذار الكاذبة، والمبرّرات الواهية، والتحجج والتسويف اللامنطقي، ديدن من فرَّطوا في أي موقف وتخلَّوا عن مبدأ ما، في حين أن العزم القوي والهمّة العالية والسعي الدؤوب إلى الغايات الشريفة والمواقف النبيلة بإرادَة صادقة، وعزمٍ لا يلين أَسَاسُه الارتباطُ القوي بالله ومعرفتُه الواعيةُ بالمنهجية القرآنية والسنن الإلهية والإيمان بأهميّة التولي الصادق والبصيرة بمجريات الأحداث والتعامل وفق التوجيهات الربانية وتربية النفس على الفضائل، والشعور بالعزة والكرامة، وحمل روحية الإحسان مع الالتزام الحَرْفي بتوجيهات أعلام الهداية والغَوص في بُحُور الملازم والاستماع الواعي لمحاضرات قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي -يحفظه الله تعالى- كاستراتيجية إيمانية تنسجمُ كليًّا مع فِطرة الإنسان التي خلقه الله عليها.
كُـلّ هذا هو ما سيدفعُ إلى النصر في كُـلّ مواجهة مع طغيان العصر أمريكا وإسرائيل وأذنابهم.