ذكرت صحيفة اليوم السعودية في عددها الصادر يوم السبت 6-5-2017 أن وزير الخارجية السعودي عادل الجبير قال في لقاء مع الصحفيين في واشنطن “إن زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى المملكة العربية السعودية جاءت نتيجة جهد جبّار لمحمّد بن سلمان” وليّ وليّ العهد السعودي. وقال الوزير أيضاً “الزيارة تعكس احترام الولايات المتحدة الأميركية للقيادة الحكيمة في المملكة العربية السعودية التي تسعى دائماً إلى تعزيز الأمن والاستقرار والسلم في المنطقة والعالم” .
الحقيقة التي لا يمكن لمعالي الوزير إنكارها هي أن ترامب تكلّم عن نواياه لتقوية العلاقات مع السعودية ودول الخليج خلال حملته الإنتخابية. لقد كان الرجل واضحاً، وقال علناً، إنه يخطّط لابتزاز دول مجلس التعاون وإجبارها على .. الدفع .. بسخاء مقابل توفير الحماية الأميركية لها. ترامب لا يحتاج إلى “جهد” الأمير محمّد بن سلمان لإقناعه بزيارة السعودية. محمّد بن سلمان وقّع اتفاقيات ستدفع بلاده بموجبها لإدارة ترامب 200 مليار دولار خلال السنوات الأربع القادمة. لكن ترامب الذي “يعرف من أين تؤكل الكتف” يسعى إلى الحصول على المزيد من المليارات، ويريد ترتيب أوضاع المنطقة بمواصفات أميركية إسرائيلية من دون اعتبار لما تريده دول الخليج والدول العربية والإسلامية.
إدارة ترامب ستقبض مئات مليارات الدولارات من السعودية ودول الخليج الأخرى كثمن لهذه الزيارة … الترامبيّة … الميمونة. فقد ذكرت صحيفة الوطن الكويتية الصادرة يوم السبت 6-5-2017 م أن واشنطن تعمل لإبرام عقود مبيعات أسلحة بعشرات المليارات من الدولارات مع المملكة العربية السعودية”، وإن هذه الصفقة تتضمّن صواريخ “ثاد”، برامج كمبيوتر للقيادة والسيطرة أثناء المعارك، عربات قتالية ومدفعية، أربع سفن حربية قيمتها 11.5 مليار دولار، وذخائر تزيد قيمتها عن المليار دولار. هذا يعني أن ترامب عندما قرّر أن تكون السعودية الدولة الأولى التي يزورها فإنه فعل ذلك بعد أن تأكّد بأنه سيستغلّ هذه الزيارة للحصول على مبالغ طائلة تساعده في إنعاش الإقتصاد الأميركي!
السياسة الأميركية لا تقوم على العلاقات الشخصيّة، والقائمون عليها لا يؤمنون بصداقات شخصية مع الحُكام العرب وغيرهم، ولا بقيادات حكيمة وغير حكيمة كما ذكر الوزير السعودي! إنهم يؤمنون بمصالح بلدهم وبالمكاسب التي يحقّقونها لها. أميركا تعبد مصالحها، وتتخلّى عن حلفائها عندما ينتهي دورهم، وستفعل ذلك مع حُكام الخليج كما فعلته مع غيرهم. أما قول الوزير بأن السعودية “تسعى إلى تعزيز الأمن والاستقرار والسلم في المنطقة والعالم” فهذا أمر يتناقض مع الأحداث الجارية. السعودية ساهمت في تفجير الأوضاع الأمنية في المنطقة بمشاركتها في الحرب العراقية الإيرانية، وحرب الخليج، والحروب السورية واليمنية والعراقية، وأجّجت الصراعات الطائفية والمذهبية من خلال خطابها الديني الوهّابي التكفيري ودعمها للأحزاب والجماعات الإسلامية المتطرّفة.. وترامب يعرف ذلك…!
زيارة ترامب إلى السعودية واجتماعاته المقرّرة مع قادة دول مجلس التعاون الخليجي وبعض القادة العرب، تشير إلى إصراره على تقوية الشراكة الأميركية العربية الإسرائيلية وإخراجها إلى العلن لمواجهة محور روسيا وإيران في المنطقة، وابتزاز السعودية ودول الخليج وإلزامها على دفع مئات مليارت الدولارات لإدارته كثمن أسلحة وحماية وكاستثمارات في السوق الأميركية، وتصفية القضية الفلسطينية، وبسط النفوذ الأميركي الإسرائيلي على الوطن العربي والتحكّم بمقدّراته.
نحن العرب لن نستفيد شيئاً لا من ترامب، ولا من إدارته، ولا من زيارته لأننا نحن سندفع، وأميركا ستقبض، وإسرائيل ستقوى وتتوسّع، وفلسطين ستضيع، وملايين العرب قد يشرّدون ويُقتلون، وحُكام الوطن العربي سينتهون كما انتهى ملوك الطوائف في الأندلس، وكل هذا سيكون لصالح العرب والمسلمين كما يقول شيوخ القبائل العربية المُتناحرة ومن لفّ لفيفهم من تجّار السياسة والدين!
* أستاذ جامعي وكاتب فلسطيني مقيم في الولايات المتحدة