|
خيار روسيا الوحيد لكسر العزلة وإفشال العقوبات على نفطها
بقلم/ عبدالله بن عامر
نشر منذ: سنتين و 8 أشهر و 18 يوماً الخميس 10 مارس - آذار 2022 09:43 م
لن يتمكن الأمريكي من إضعاف الاقتصاد الروسي خلال أيام أو أسابيع , الأمر يحتاج إلى عدة أشهر أو نصف عام على الأقل.
لست خبيراً اقتصادياً حتى أجزم بذلك، إنما الحسابات التي يمكن أن يجريها أي شخص تشير إلى ذلك، فروسيا تزود السوق العالمية بما يصل إلى ستة ملايين برميل نفط، وعندما يصعب على موسكو إيجاد أسواق لهذه الكمية تكون في مرحلة بداية التراجع، لكن قبل ذلك يتوجب على واشنطن ضخ نفس حجم الكمية الروسية إلى السوق، بل وبما يزيد على ذلك حتى تعيد أسعار النفط إلى ما دون 100$ ودعونا هنا نلقي نظرة على التحرك الأمريكي لتحقيق ذلك والبداية من ليبيا النفطية التي بدأ إنتاجها يعاود الصعود متجاوزاً مليون برميل، فيما فنزويلا لا تزال تحت طائلة العقوبات محاولة التوصل إلى صفقة النفط مقابل رفع العقوبات، لكن لن يكون بمقدورها ضخ أكثر من مليون برميل بسبب ضعف منشآتها النفطية ولنتجه إلى ايران القادرة على ضخ ما يقارب ثلاثة ملايين برميل، لكن ليس اليوم أو غداً، بل على مدى قد يصل إلى نصف عام هذا إذا وقع الاتفاق النووي خلال الأيام المقبلة.
نحن أمام حسابات دقيقة، ليس للأمريكي المتلهف لرؤية بوتين ضعيفاً، بل وللروسي أيضاً الذي – على ما يبدو – يحاول قراءة المشهد من خلال توقع عدم نجاح الأمريكي على الأقل في المدى القريب، لاسيما وهو – أي الروسي – يستفيد حالياً من ارتفاع أسعار النفط التي قد تصل إلى مستوى غير مسبوق خلال الأيام المقبلة، لكن ماذا سيحدث بعد ستة أشهر حين يتم إغراق السوق بالنفط السعودي – الخليجي وبكميات كبيرة؟ بالتأكيد أن روسيا ستبدأ في مواجهة تحديات كبيرة تماماً، كما فعل الاتحاد السوفياتي في عقده الأخير، عندما وجهت واشنطن الرياض برفع الإنتاج، الأمر الذي أدى إلى انخفاض أسعار النفط وساهم ذلك في إفشال محاولات ترميم الإمبراطورية السوفيتية وسارع في انهيارها.
الروسي يعمل على محاولة إفشال تحركات الأمريكي، غير أن حاجة بعض البلدان إلى رفع العقوبات والاستفادة من الأزمة الحالية لتعافي اقتصادها هو ما يدفعها إلى استغلال الفرصة، وذلك ليس تآمراً على الروسي، الذي كان حتى وقت قريب لا يبادر إلى كسر الحصار الأمريكي لإيران ولا يقدم المساعدة لفنزويلا ودولاً أخرى، وبالتالي ليس بالضرورة أن يتوقع بوتين ممن يتعاطفون معه اليوم لأسباب تتعلق بالعداء لأمريكا أن يقدموا على خطوات من شأنها أن تؤدي إلى المزيد من الانهيار في أسعار النفط، وبما قد يدفع الغرب إلى التراجع عن العقوبات المفروضة عليه، والأمر ذاته بالنسبة لكل من تردد الروسي في اتخاذ موقف إزاء قضيتهم العادلة وهم يواجهون الحرب العدوانية الأمريكية.
يمكن أن تتجه موسكو إلى إعادة قراءة مواقفها مع كل القوى والدول التي تقف على النقيض من واشنطن واتباعها، والأمر ذاته يجب أن تفعله الصين قبل أن يحاول الأمريكي تحييدها من أجل الاستفراد بالروسي ثم يتحول عليها وهنا قد ينجح في معركة تثبيت نفسه على عرش النظام العالمي وبالتالي نكون جميعاً قد خسرنا المعركة، فما يجمعنا اليوم مع الروسي ليس مواقف روسيا أو الصين بل مواجهتنا جميعاً للهيمنة الغربية.
إن الخيار الوحيد أمام الكرملين تشكيل تحالف واسع لمناهضة الأمريكي وهنا يمكن لروسيا كسر العزلة أكثر وفرض واقع عالمي جديد تستطيع فيه مواجهة العقوبات الغربية , والأمر ذاته بالنسبة للصين وهي الهدف القادم للأمريكي ضمن مخطط فصل بكين عن موسكو بتحييد الأولى لإضعاف الثانية وعندما تضعف روسيا يجري الاستفراد بالصين.
الخارطة العالمية قابلة للتشكل من جديد، فهناك عواصم وحركات وقوى تناهض السياسة الأمريكية منذ ما قبل وصول بوتين إلى الكرملين وهناك دول وقوى أقرب إلى هذا التوجه، ومع تضارب المصالح وتدافعها سنجد من يقرر الانضمام وهنا أتحدث عن دول يمكن أن تتحد من فنزويلا في أمريكا الجنوبية إلى سوريا وإيران واليمن ودول في آسيا الوسطى والجزائر، بل ويمكن أن تكون باكستان والهند ضمن هذا المسار، أما التكتل الثاني فبالتأكيد سيكون نتيجة التصدع المتوقع في حلف الناتو من خلال تشكل محور برلين – باريس، وليس مستبعداً أن تنضم إلى هذه الجبهة الجديدة دول أخرى ستصل إلى نتيجة مفادها أنها هي المتضررة من الاستجابة للمخطط الأمريكي في مواجهة روسيا وهنا ستبدأ هذه الدول في التكتل إلى جانب كبار أوروبا التاريخيين.
من خلال هذه الخارطة سيجد الأمريكي نفسه إلى جانب البريطاني وبعضاً من القوى الأخرى ضمن محور واحد، وحينها سيكون العالم قد تشكل إلى ثلاثة محاور أو أربعة كمقدمة لبروز التكتلات العالمية، وذلك أهون شر يمكن أن تصل إليه البشرية بدلاً من استمرار هيمنة القطب الواحد أو إعادة تقسيم العالم إلى كتلتين، فهل يلتقط الروسي والى جانبه الصيني فرصة إعادة تشكيل خارطة العالم وبما يستجيب لتطلعات البشرية في التحرر من هيمنة الأمريكي ولا يعيدنا إلى زمن عسكرة الدول والشعوب ضمن محورين، بل يجعل الأمم والشعوب تعبر عن مصالحها ضمن تكتلات تحفظ قيمنا المشتركة في عالم يتوجب علينا جميعاً الحفاظ عليه والاهتمام به.
* نائب مدير دائرة التوجيه المعنوي للقوات المسلحة |
|
|