|
الثورة الفلسطينية.. فعل أم انفعال؟
بقلم/ عبدالعزيز البغدادي
نشر منذ: سنتين و 6 أشهر و 15 يوماً الثلاثاء 10 مايو 2022 07:59 م
أثبتت التجارب الإنسانية أن علاقة الشعوب بالثورات الحقيقية -إن وجدت- إما أن تكون علاقة فعل أو انفعال ، ومعيار التفرقة هو حيوية الشعب وقدرته على صنع ثورة حقيقية قابلة للحياة أما معيار حيوية أي ثورة فهو وجود أهداف حقيقية عامة وبرنامج زمني لتحقيقها بعيداً عن المزايدات والشعارات التي تنفصل فيها الأقوال عن الأفعال ، والشعوب الحية هي من تصنع ثوراتها العصية على الموت والجديرة بكسب الثقة أما الشعوب الميتة فليست أكثر من تعداد سكاني يشبه الأحياء يأكل أفراده ويشربون ما تيسر لهم من فتات طعام وشراب ويتنفسون ويتكاثرون كبقية الكائنات ، والفرق واضح بين الكائن الحي والإنسان الحي !، والمشهد العالمي اليوم يوضح أن كثيراً من شعوب الأرض تحولت بشكل أو بآخر إلى كائنات حية أبرزها غالبية الشعوب العربية والإسلامية التي سلَّمت أمرها بفعل تدني وعيها واستسلمت لحكامها المحكومين من قبل من صنعهم وهندس بقاءهم في الحكم باستغلال بعض المفاهيم الدينية والمذهبية والقبلية والعرقية التي تأبى الأنظمة المستبدة أن تفهم بأن الزمن قد عفا عليها لتبقى أداة للتنافر باسم التوافق واحتفظ بها المهندس الأجنبي البعيد ظاهراً عن مسؤولية الحكم وتبعاته والمستفيد من معاناة الشعوب لتكون أداة قتل وإعاقة مع احتفاظه بمفاتيح إدارة اللعبة.
ومن أبجديات شروط نجاح أي ثورة أن يكون الشعب الحاضن للثورة على درجة من الوعي ليكون قادراً ليس فقط على كشف ألاعيب مهندسي الثورات الانفعالية المستغلة من قبل هؤلاء المهندسين بل وفي ابتكار أساليب ووسائل المقاومة الحقيقية الفعالة للظلم والاستبداد ومختلف أشكال الاستغلال والاستغفال لأن كل هذه الممارسات تتطور أساليبها بتطور أساليب المجرمين في كيفية ارتكاب الجرائم وإخفائها.
ولكي تكون الشعوب فعالة في مقاومة الظلم والاستبداد لابد أن تكون يقظة دائما لتكتشف أساليب ووسائل الظلمة والمستبدين المتجددة المتطورة كي تصدها بفاعلية أقوى وتمنعها من تحويل الشعوب إلى منفعلة أي إلى مجرد كائنات حية يحركها الحكام المحكومون حيث يشاءون وفي الاتجاه الذي يرغبون.
وباستعراض مسيرة نضال الشعب الفلسطيني نجده في طليعة شعوب الأرض حيوية وقدرة على ابتكار وسائل المقاومة المبدعة، لا أقول هذا من باب بث المعنويات أو المزايدة ولكني أحاول توصيف واقع تعامل هذا الشعب مع أكثر الكيانات الاستعمارية الاحتلالية بشاعة وعنصرية ودموية وفي محيط عربي وإسلامي علاقته بالعروبة والإسلام لا تتجاوز الشعارات والأصوات إلا ما ندر وبهدف المزايدة والدعاية والاستغلال البشع لمعاناة الشعب الفلسطيني غالباً ، فعلى مدى أكثر من 74 عاما من الاحتلال والقتل والتشريد والاستيطان والقمع وكل أصناف المؤامرات من القريب والبعيد وإزاء كل ذلك أبدع الفلسطينيون وسائل وأساليب وآليات تعكس مدى حيويتهم وقدرتهم على الفعل الثوري المواكب لأساليب وآليات القمع الصهيوني المراهن على عامل الزمن والمتفنن في ابتكار وسائل القمع لإضعاف المقاومة والقضاء عليها مقابل المراهنة الوطنية الفلسطينية على شعبية الثورة التي تعزز متانة أي ثورة وقدرتها على الاستمرارية والبقاء والصمود في وجه المؤامرات وممارسات التسلط فالسلطات وبخاصة العربية التي بات من الواضح أنها لا تعبر عن الشعوب أو هكذا لا يزال وضعها إلى أن تستيقظ هذه الشعوب فتستوعب الفرق بين الثورة المتولدة عن الفعل الثوري الواعي وأكرر إن وجدت تختلف عن ثورات الانفعال(الثورات المضادة )الموجهة ضد طموحات الشعوب وأحلامها وآمالها في التحرر والانعتاق وتحقيق الأمن والاستقرار والرخاء.
حيوية الفعل الثوري الفلسطيني المبدع في ظل سلطة تتجاهل مع سبق الإصرار فرضية كونها ملك الشعب غير مبالية بما يتوجب عليها القيام به من إعلان التخلي عن اتفاقات أوسلو المذلة وما فرضته وما أدت إليه من شرعنة غير مباشرة لأعلى وتيرة من الاستيطان وقتل الفلسطينيين وتهجيرهم إلى جانب التنسيق الأمني ، إنها حالة استلاب لاتفاقات لا مثيل لها في التأريخ ، ورغم أن كل بنود هذه الاتفاقات المهينة تصب في مصلحة الاحتلال وتكريس وشرعنة ممارساته مقابل لاشيء عدا ما يتلقاه رموز السلطة من امتيازات شخصية تافهة ولها أن تندد وتشجب بكل برود تطبيع غيرهم من المطبعين المحسوبين على العروبة وعلى الإنسانية رغم ذلك فإن الاحتلال نفسه يعبر باستمرار بالقول والفعل عن عدم احترامه لتلك الاتفاقات التي جنى كل ثمارها بواسطة سلطة لا علاقة لها بوجدان الشعب الفلسطيني.
الثورة الفلسطينية بدماء الشعب ومعاناته أثبتت قدرتها على البقاء لأنها تستمد حياتها وحيويتها من كونها ثورة شعبية لأن الشعوب وحدها هي صاحبة الحق والشرعية في السلطة والثورة على المتسلطين بكل صورهم وأشكالهم.
في البداية أو في الختام
وحده الشعب يروي
فصول الحكاية
يرسم كل ملامحها |
|
|