من الغباء المفرط الذي يقعُ فيه “الإخوانُ” ومن شايعهم حديثُهم بمكر عن تجريف الهُــوِيَّة الثقافية اليمنية، يشعُرُ المرء حينها أن الإخوانَ وتلك الثلة ذات التحيز الجغرافي يرون الأشياء بعين طبعهم، فكل فكرة أَو قضية يكرسون الخطاب عليها تجدهم قد وقعوا فيها هم دون سواهم ويرون جواز أفعالهم ولا يرون إلا عدم جوازها على غيرهم، أي حلال لهم – وقد يحضر الالباني في تصحيح بعض الروايات التي يجدون فيه مسوغا شرعيا- وحرام على غيرهم – وقد يحشدون كُـلّ الآراء التي تؤيد وجهة نظرهم – ومثل ذلك أصبح من طبائع جماعة “الإخوان”.
المهم عمل الإخوانُ على مدى ستين عاماً في اليمن وحاولوا تجريف الهُــوِيَّة الثقافية والإيمَـانية والتاريخية والحضارية ونشط الكثير من رموزهم في تكفير السلطات والجماعات والأحزاب ونشط الكثير في تكفير رموز ثقافية، وبعد التمكين لهم في عقد التسعينات اتسع بهم المدى حتى كفروا رموز ثقافية عربية فقد تجاوزوا البردوني والمقالح إلى نزار ونجيب محفوظ وما تزال شواهدُ ذلك في صحفهم ومجلاتهم الصادرة في عقد التسعينيات مثل صحيفة الصحوة ومجلة النور.
اليوم يهاجمون المراكز الصيفية ويتحسّرون على الهُــوِيَّات التي جاءوا بها إلى اليمن دون أن يتفاعَلَ معها المجتمع؛ لأَنَّها لا تتسقُ والعنصرَ التاريخي الثقافي ولذلك ظلت على تضاد مع طبائع المجتمع حتى عادت الأمورُ إلى نصابها فرأينا المجتمعَ يتنفسُ الصعداء ويخرجُ من دائرة التقليد إلى دائرة الإبداع، وهو الأمر الذي عجزوا عنه طوال سنوات التمكين لهم في اليمن؛ ولذلك يبكون ضياعَ جهودهم في تجريف هُــوِيَّة اليمن الثقافية التي لم تترك إلا الانقسام في الهُــوِيَّات والتباس الوعي، فضلاً عن اضعاف روح المواطنة فقد كانت حركتهم في الواقع اليمني بمثابة الانقطاع الحضاري المتجدد في المكان الجغرافي والزمان التاريخي بما تركته من أثر سلبي في النسيج الاجتماعي والثقافي والأخلاقي الأمر الذي كان سبباً مباشراً في ازدواج الشخصية وتنافر السلوك بل شكل تعارضاً مباشراً بين الفكر والممارسة وهو الأمر الذي انتج في واقع حال أهل اليمن ما أصطلح على تسميته علماء الاجتماع ثنائية التسلط والخضوع في بنية الشخصية كما تدل الوقائع منذ خرجوا من أروقة السلطة ظاهراً وظلوا في نسيجها باطناً، فكان جهازهم الأمني يقوم بالعلميات الإرهابية التي تقلق السكينة العامة، ويخرجون في تظاهرات للتنديد والإدانة، ويقومون بخطف السواح وقطع إمدَادات الكهرباء ورفع سقف المطالب التي تكون على قرب من وجدان الجمهور ومن همومه اليومية، ثم يقودون المظاهرات التي تعيث في الأرض فساداً كحرق المحلات التجارية وتحطيم السيارات ونهب وسلب المؤسّسات ثم تجدهم يشجبون ويندّدون في السياق نفسه، هذا الازدواج في بنية الشخصية الإخوانية كان أكثر وضوحا في أحداث 2011م وفي المبادرة الخليجية وفي صمت محمد قحطان في لجان الحوار والتلويح بعصى السعوديّة ثم كشف عن ساقه في العدوان على اليمن، فكانت ثنائية التسلط والخضوع في بنية الشخصية التي مالت التي الارتزاق أكثر بيانا ووضوحا من غيرها.
اليوم تعود لليمن ذاتُها وقيمتُها الثقافية وهُــوِيَّتُها الإيمَـانية، ومثل ذلك يقلق المرتزِقة؛ لأَنَّه يتضادّ مع بُنيتهم النفسية والثقافية والاجتماعية فيسارعون إلى النيلِ من كُـلّ عمل يعززُ من هُــوِيَّة المجتمع أَو يعمل على رأبِ المتصدع في بنيان الشخصية الوطنية الحرة والمستقلة والقادرة على الإبداع والابتكار لا الاجترار والتقليد فيحاولون التقليل من قيمته أَو يعملون على تخويف الآخر منه، كما نلحظ اليوم من خلال حجم التناول للمراكز الصيفية في وسائل إعلام الإخوان والمرتزِقة.
البرامج الثقافية في المراكز الصيفية برامج قرآنية محضة ولا قلق من البرنامج القرآني إن كانوا يؤمنون بالقرآن حقا لكنهم قوم وقفوا عند حدود النص ولم يتجاوزوا ما قاله رموزهم فكان الثباتُ سمتَهم، والانغلاق وعدم التفاعل مع المستويات الحضارية الحديثة ديدنَهم، فالتبس الوعيُ وتنافر الناس وضعفت روح المواطَنة في نفوسهم فكأنك ترى الولاء لتركيا وقطر أكثرَ من الولاء لليمن فتناقضوا، ففكرهم في وادٍ وممارساتهم وواقعهم في وادٍ آخر.
خلاصة القول: المراكز الصيفية هي بناء لشخصية وطنية حرة ومستقلة قادرة على الإبداع والابتكار معتزة بهُــوِيَّتها الإيمَـانية والثقافية والتاريخية ولا عزاء لكل الأبواق التي تنال من اليمن سوى الخزي والعار.