للشاعر الكبير الراحل عبدالله البردوني تجلياته ورؤاه الشعرية والفكرية الثاقبة والكاشفة والمستقرئة للكثير من الحقائق والوقائع والخبايا والاستنتاجات المذهلة التي تدل على عبقرية هذا الشاعر الأديب والمفكر، وعلى عمق رؤاه واستنتاجاته المبنية على خلفية ثقافية كبيرة وعلى فكر نيِّر وخلاَّق..
ومن يقرأ ويسترجع العديد من قصائد الشاعر الكبير، يجدها تكشف الواقع الراهن، وعلى الرغم من أن القصائد تلك كتبت ونشرت قبل أكثر من أربعين سنة، ولكنها ناطقة وكاشفة للكثير من الوقائع التي نعيشها اليوم ونكتوي بنارها، وما أشارت إليه في السابق تلك القصائد من مؤامرات قائمة وقادمة وحروب وعدوان وكوارث، ونوايا خبيثة تسعى إلى الاستحواذ على المقدرات والمستقبل وطمس ملامح الهوية الوطنية وحرية واستقلال القرار الوطني نراها ونلمسها اليوم من قبل دول التآمر والعدوان على اليمن.
وفي ديوانه الجديد والذي نشر بعد رحيله بعشرين سنة، وهو ديوان “ابن شاب قرناها” نجد العديد من المقاطع الشعرية التي تشير إلى ذلك، بل وتسمّي الأشياء بأسمائها بكل وضوح وصراحة.. وهي لا تحتاج إلى تعليق وتفسير، ومنها المقاطع التالية من قصيدة “الجمع المختصر”:
يوم افتدينا والديار
مدارة من ذا اندحر؟
والآن لا أحد أغار
على المغير ولا ثأر
أوغلتما بحشى القتيل
فما استجار ولا جأر
يا من أناح من انبرى
يا من سعى، قل من ظفر
فعلى أكفكما دم
خضَّبَ (الحسيني) من (يعز)
وعلى جلودكما أديم
(سمارة) والمنحدر
وحريق (ريمة) إذ تأبَّت
أن ترى دمها هدر
ماذا؟ هل استسقى (المشبَّك)
من وريد (بني هجر)
***
الآن دعنا إننا
أعنى بتفجير (الخُبر)
وأخاف أن به عليه
كل يوم منفجر
ما كان معتبرا فأضحى
اليوم، أفصح معتبر
هذا بذاك وتلك با
لأولى، ومن غدر انعذر
***
من ذا رأى من هربوا
(عطان) في علب الخدر ؟
قل من أذاب نجومه
واقتاد أحفاد (التتر)
بالأمس حجَّ وما انتوى
وبقصر (سلطان) اعتمر
ولذا استفاد الأرض
فانقادت كأفواج البقر
من لصَّ أقدرنا علينا ؟
حين أوهانا اقتدر
من ذا أبي ؟ ذاك انحنى
هذا بلحيته استتر
لا ثغَّ كبش (عبيدة)
لا استنبح الراعي (شمر)
***
أين الذي أرسى هنا؟
قل يا حطام : متى اندثر؟
هل خط سطراً كي نرى
ماذا انتوى ؟ ومن ادكر
قل : إن خبت نار الوغي
أكل الرماد من استعر
بالأمس شع هنا عريضاً
كالسما طلقاً أغر
بالأمس قبل (قدار) أو
بعد العقور وما عقر
***
هذا جوازي علَّه
عند الأفندم معتبر
ما تلك صورته ولا
هذا اسمه (صبح العقر)
ومن الذي اوشى به ؟
ذات الفجور المغتفر
أكتبته ؟ لا خلته
كقضية فيها نظر
والحل نقتله المسا
ونقول فر أو انتحر
***
هذي الأخيرة سوف
تستدعي السوابق يا غجر!!
يغدو من الباب الصغير
إلى شفا (وادي طبر )
لا من يرى من أين راح
ولا إلى أين ابتكر
رحم الله الشاعر الكبير عبدالله البردوني رائي اليمن، ومبصر الحقائق وأديب الوطن الكبير.
* نقلا عن :الثورة نت