ورثت الثورة الشعبية أوضاعاً اقتصادية واجتماعية وثقافية متخلفة ودولة ضعيفة ليس لها سلطة على إقليمها ولا يسود فيها النظام والقانون، وتعاني من مشاكل تاريخية أثرت على النسيج الاجتماعي والهوية الوطنية العامة وعلى عملية التنمية.
كانت العلاقة التفاعلية ما بين الاستبداد المحلي والهيمنة الأجنبية هي العملية التاريخية التي أعاقت التطور الاجتماعي والاقتصادي والثقافي والمؤسسي في اليمن، وهو ما يعني أن على ثورة 21 أيلول/ سبتمبر القيام بأربع مهام تاريخية مترابطة لا يمكن فصل واحدة عن الأخرى، بل ترتيب الأولويات ضمن التحرك في المسارات معاً.
المهمة الأولى: صون الاستقلال الوطني وحماية الجغرافيا الوطنية من الاحتلال والتمزق، وفرض سيادة الدولة على كامل إقليم الجمهورية اليمنية.
المهمة الثانية: إعادة بناء الدولة اليمنية على أسس شعبية وتغيير طبيعتها السياسية الاستبدادية.
المهمة الثالثة: إجراء تحولات اقتصادية اجتماعية بما يحقق الاستقلال الاقتصادي ويعزز الاستقلال السياسي ويحقق العدالة الاجتماعية والرفاه العام.
المهمة الرابعة: رفع المستوى الثقافي العلمي للشعب.
مسألة التخطيط
إن أسبقية السياسة على الاقتصاد في البلدان النامية تضمن، في ظل وجود القيادة الثورية المخلصة، تهيئة الظروف الضرورية لأجل التغلب السريع على التخلف في كافة مجالات الحياة الاجتماعية، وتوطيد الاستقلال السياسي والاقتصادي ورفع المستوى المادي والثقافي للشعب، وهي المسألة الهامة فيما يتعلق بالتحولات الاجتماعية الاقتصادية عموماً في بلادن، حيث تبرز الحاجة إلى الإرادة السياسية الثورية المنحازة مطلقاً إلى الشعب والمعتمدة عليه في تنفيذ هذه السياسات التي رفعت كشعارات في الثورة واستقطبت الجماهير حينها.
إن إعادة فلسفة الاقتصاد من "اقتصاد السوق الحر" إلى الاقتصاد المخطط ليس فقط إعادة للاعتبار لخيار الشعب اليمني الذي أقره في التصويت على دستور الوحدة عام 1991، الذي نص على أن الاقتصاد اليمني اقتصاد مخطط، إلى جانب ذلك فإن تخطيط الاقتصاد مسألة ضرورية من أجل إنجاز المهام الثورية بما يخدم مصالح الشعب اليمني عموماً وطبقاته المنتجة والكادحة خصوصاً وهي غالبية الشعب في الريف والمدينة، ومن أجل بلوغ الأهداف المحددة بأقل كلفة ووقت وجهد على نحو أكمل.
تحظى فكرة التخطيط باهتمام واسع في العصر الحديث، فهي سمة العصر في ارتباطها بالنشاط الإنساني، وتدرك البشرية أهمية التخطيط عند وعقب كل ممارسة منهجية، حيث تبرز الحاجة إلى تنسيق نشاط العاملين في كافة مراحل الإنتاج والبناء وتقديم الخدمات. وتغدو الحاجة ملحة إلى التخطيط إبان الثورات التحررية والحاجة إلى تطوير الاقتصاد والارتقاء به والاستقلال عن الهيمنة الأجنبية، وذلك بتجنب الفوضوية والعشوائية في النشاط الاقتصادي عموماً، وامتلاك القدرة على مقاومة العقوبات الاقتصادية الأجنبية والقوى الطفيلية المحلية التي تمثل ركائز الاستعمار الجديد.
تضمن عملية التخطيط إمكانيات كبيرة لأجل الإدارة العلمية لتطوير الاقتصاد، ولأجل الاستخدام الواعي والعقلاني للمواد الخام والموارد المالية والأيدي العاملة، وإعادة النظر في الوظائف التي تقوم بها هيئات الدولة الاقتصادية وأنشطة القطاع الخاص.
إن التخطيط يشمل كل الأنشطة والمجالات والأهداف الاقتصادية الصناعية والزراعية والسمكية والتجارة الداخلية والخارجية وتحقيق التراكم المالي وفي المجالات العلمية والثقافية، فهو البصيرة التي تمضي على ضوئها الأنشطة الاقتصادية والخطط المزمنة الخمسية عادةً.
وفي عملية التخطيط على الدولة أن تقوم بالموازنة في خططها الاقتصادية بين حاجات المجتمع المتزايدة وبين الإمكانات المتاحة بهدف تلبية هذه الحاجات، وبحيث تتفق هذه الموازنة بصورة فعالة مع العمل ووقت العمل الاجتماعي، أي أنه ينبغي تأمين: أولاً: الزيادة المستمرة للإنتاج الاجتماعي بشكل متناسب ومتوازن، وثانياً: زيادة فاعلية الإنتاج عن طريق الاستفادة بشكل متزايد من منجزات الثورة العلمية التكنولوجية في سبيل الحصول على منتجات أكثر بنفقات أقل من العمل والأموال.
مبدأ المركزية الديمقراطية
يعد مبدأ المركزية الديمقراطية أهم مبادئ التخطيط الفعال. ويتضمن هذا المبدأ جانبين مترابطين عضوياً يشترط كل منهما وجود الآخر، فالديمقراطية ترعى مساهمة الجماهير العاملة في التخطيط، بينما تحدد المركزية خضوع والتزام الهيئات الدنيا للعليا (الخطط بعيدة المدى والمتوسطة والجارية)، مع مراعاة المشاركة الفعالة للهيئات الدنيا في وضع ومناقشة التوجيهات والخطط، وبذلك يتوفر النظام المتناسق لإدارة الاقتصاد الذي يعكس المصالح الجماعية والفردية في آن.
ومن المهم أن يكون هناك مضمون اجتماعي واقعي وعادل في عملية التخطيط، ولا يأتي على حساب الطبقة الشعبية، فمن المهم في عملية التخطيط التنبه إلى ما يلي:
- تحديد وتائر نمو الدخل الوطني والتأكد من أنها لن تؤدى إلى تقلص الاستهلاك الضروري للجماهير الشعبية، أي لا يؤدي توجه الموارد نحو أحد فروع الاقتصاد أو إعادة تنظيم حركة السوق إلى التأثير على قدرة المواطنين على الاستهلاك اليومي.
- استخدام الطاقات الإنتاجية المتوفرة والتوظيفات الأساسية بما فيها الكفاءات العلمية والإبداعية استخداماً فعالاً، فالواقعية والتحديد الملموس أهم ما في التخطيط، أي السعي إلى الحصول على النتائج القصوى من الموارد المتوفرة.
- تأمين مقادير ضرورية من التراكم وعدم اللجوء إلى القروض الأجنبية المفرطة أو الاعتماد التام على المساعدات والمنح والهبات وغيرها من وسائل تصدير رأس المال، التي ليست مضمونة وقد تنقطع، والتي تفتح أبواباً للتدخلات الأجنبية في الشأن الاقتصادي الاجتماعي.
- ضمان ميزان تجاري خارجي في سعي دائم لتفوق التصدير على الاستيراد.
- التحليل المستمر للتغيرات في اقتصاد البلاد.
- تحديد الفروع الرئيسية والأكثر أهمية وتهيئة الظروف لأجل تطويرها.
السياسات الاقتصادية العامة
على الدولة في سياستها العامة أن تعمل على تعزيز وتطوير القطاع العام في مجال الصناعة والنقل (شق الطرق وتطوير وسائل النقل) والاتصالات، لكونها إحدى المهمات الأساسية، فالتحولات الاقتصادية العاجلة والآجلة وتحويل الشعب اليمني إلى شعب عامل منتج مبدع متسلح بالمعرفة وآخر منجزات العلم، تتعلق بدرجة كبيرة بنجاح تحقيق هذه المهمة.
تبرز أمام الدولة مهمة تحقيق وتأمين المصالح والاحتياجات الحيوية للطبقة العاملة والفلاحين والصيادين والموظفين الحكوميين، بمن فيهم الطلاب والباحثون والأساتذة والدكاترة والفنانون والمثقفون الثوريون، وسائر المستضعفين، من خلال الاستفادة المثلى من جميع الموارد الداخلية والخارجية للبلاد، وبناء الاقتصاد الإنتاجي الحديث بما يتناسب مع الإمكانيات الموضوعية المتوفرة في اليمن، من أجل تعزيز القاعدة المادية والتكنيكية للاقتصاد الوطني وتأمين التقدم في اتجاه الاستغناء عن السلع الاستهلاكية المستوردة وتحقيق الوفرة السلعية من أجل سد رمق الفقراء والرفاه العام.
ومن السياسات الهامة تأمين التطور الثابت المبرمج لقطاع الدولة والقطاع التعاوني، ورفع دورهما وفاعليتهما ونفوذهما باستمرار، وسيادة الدور القيادي لقطاع الدولة، بما يمكن من تعزيز وتطوير الاقتصاد الوطني بوتائر عالية وفق سياسات علمية تتوخى المصلحة الاقتصادية للتراكم المالي للدولة باعتبارها ثروة اجتماعية.
ومن السياسات الهامة الاستفادة من إمكانيات وقدرات القطاع المختلط والقطاع الخاص واستقطاب رؤوس الأموال اليمنية المغتربة للمساهمة في الإنتاج الصناعي والزراعي، ضمن خطط التنمية، في ظل رقابة حكومية ونقابية صارمة لصالح تعزيز الاقتصاد الوطني، واستخدام كافة الموارد المادية والمالية بدرجة أكبر من العقلانية والجدوى بما يتلاءم ويلبي احتياجات الجماهير الشعبية.
وكذلك رفع إنتاجية العمل في المرافق الصناعية والزراعية والسمكية التابعة لقطاع الدولة وكافة الاقتصاد الوطني، من خلال الاستفادة الكاملة من الطاقات الإنتاجية القائمة، وإدخال التكنيك الجديد، ومن خلال إيجاد الموقف الواعي من العمل وتحسين وتنظيم العمل والاستفادة القصوى من وقت العمل.
كما تبرز أمام الدولة مهمة تأميم واحتكار كل الأنشطة الاستخراجية النفطية والمعدنية والإسمنت، باعتبارها ثروات قومية خاضعة للسيادة (باستثناء كسارات الحجارة مع فرض ضريبة تصاعدية عليها وإلزامها بعدم رفع الأسعار)، وكذلك احتكار الدولة لكل ما يرتبط بهذا النشاط من شركات الخدمات النفطية وأساطيل نقل وتسويق النفط والمشتقات النفطية في التجارة الداخلية والخارجية، وانتزاعها من قبضة الشرائح الطفيلية الاستغلالية المرتبطة بالاحتكارات الغربية، واستعادة ما راكموه من ثروة غير مشروعة طوال الفترة السابقة للثورة عبر الاحتكار والاستغلال وعلاقات الفساد بالارتباط مع النظام السياسي والدول الأجنبية التي كانت تمارس الوصاية على اليمن.
ومن السياسات الهامة للدولة في المجال الزراعي زراعة المحاصيل ذات الغلة الوفيرة بما يلبي الاحتياج المحلي، والتركيز على بعض المنتجات الزراعية ذات المردود المالي المميز، من أجل التصدير، دون أن يعني ذلك الوقوع في الزراعة الأحادية (التي تفرضها السياسات الاستعمارية للإبقاء على كل دولة كمستودع لصنف من المواد الخام المطلوبة لهم)، وتشجيع التقليل من انتشار شجرة القات ومنع التوسع في زراعتها، وزراعة الخضروات والفواكه والحبوب عوضاً عنها.
وفي مسألة التمويل من المهم منع الفوائد الربوية على القروض المالية وديون المواد الخام ووسائل الإنتاج المستخدمة في الصناعة والزراعة، وتوسيع أنشطة بنك التسليف التعاوني الزراعي ليشمل الصناعة ويركز جهوده على تمويل المشاريع الإنتاجية بصورة أساسية.
وتبرز ضرورة تأميم الشركات الكبرى التي ظهرت من مصادر مالية غير مشروعة ومجرمة قانونياً بالاستغلال والاحتكار والفساد المالي والإداري، وتحويل رأسمالها إلى القطاع العام. ومن المهم أيضاً إعادة تنشيط المؤسسة الاقتصادية اليمنية باعتبارها أحد أعمدة الاقتصاد الوطني وأحد أشكال الملكية الاجتماعية العامة للشعب.
المسألة الزراعية
إن الثقل الأبرز في ثورة 21 أيلول/ سبتمبر هو ثقل الفلاحين، وهم بحاجة إلى حل قضاياهم التي دفعتهم إلى المشاركة في الثورة. كما أن البلد محتاج إلى حل "قضية الريف" من أجل الاستقرار والتطور الاجتماعي العام في الريف والمدينة معاً، فالبلدان المستقلة لا تستطيع أن تطور زراعتها وتمد الشعب بالغذاء وتطور الصناعة الغذائية لتأمين الاحتياج الأساسي للشعب إذا كان الفلاحون جياعاً والريف يعاني فقرا مدقعا وتفاوتا طبقيا وتناقضا بين الريف المدينة، بثراء الشريحة التجارية في المدينة على حساب المنتجين الزراعيين في الريف، وتطوير الخدمات في المدينة مع بقاء الريف متخلفا، كما هو عليه واقع الحال في بلادنا.
كان إنتاج المواد الغذائية دوماً ولا يزال مجالاً حيوياً لبذل الجهد البشري. كما كان الخلاص من شبح الجوع -ولا يزال- هو القضية الملحة للبشرية في كل عصر. ونحن بحاجة إلى تحقيق النهوض الزراعي من أجل هدفين مترابطين، هما: ضمان تموين البلد بالغذاء والمواد الزراعية الخام المتنوعة ذات القيمة الغذائية العالية الملبية للاحتياج البيولوجي للإنسان، والمضي قدماً في تخفيف التناقض بين الريف والمدينة، على طريق التقريب بين ظروف الحياة المادية والثقافية والمعيشية.
قضية الأرض
إن من مهام الثورة الشعبية حل المسألة الزراعية ومسألة الأرض في الجمهورية اليمنية، انطلاقاً من الظروف الواقعية الملموسة، وبشكل عادل، بما يقلص الفقر والعوز عمن لا يملكون الأرض، بعد دراسة واستخلاص نتائج تجربة الإصلاح الزراعي والتعاونيات ومزارع الدولة في "اليمن الديمقراطية" وتجربة التعاونيات في "العربية اليمنية" والاستفادة مما كان صائباً ومازال مطلوباً اليوم في هاتين التجربتين وغيرهما من التجارب الإنسانية، وخاصة تجارب بلدان الشرق التي كانت مستعمرة وشهدت أوضاعاً اجتماعية اقتصادية متقاربة في العالم العربي الإسلامي ودول شرق وجنوب شرق آسيا.
وترتبط بمسألة الأرض مسألة تجميع حيازات الأراضي الصغيرة المتفرقة في تعاونيات أكبر على أساس طوعي من أجل إمكانية تخطيطها، وحساب الجدوى الاقتصادية من توجيه النشاط الإنتاجي فيها، وكذلك قدرة الدولة والفلاحين على إدارة عملية الإنتاج في مختلف مراحلها.
لا تقتصر مسألة حل القضية الريفية والزراعية على رفع الإنتاج الزراعي والوصول إلى الاكتفاء الذاتي من المنتجات الزراعية فقط، فلا بد أن يترافق مع هذا الهدف الاستراتيجي والشعار الثوري مضمون اجتماعي للإنتاج، فبدون عملية إصلاح زراعي واقعي عادل -يراعي طبيعة ملكية الأرض في بلادنا- سيؤدي تطور الإنتاج الزراعي والتوجه نحو الاكتفاء الذاتي إلى زيادة التفاوت الاقتصادي الاجتماعي في الريف، وهو الأمر الذي سيخلق مشاكل مستقبلية.
ومن المهم في هذا السياق أيضاً استعادة الأراضي المملوكة للدولة والأوقاف وأراضي المواطنين والشركات والجمعيات، وغيرها من الأراضي التي تم الاستيلاء عليها بصورة غیر شرعية من قبل أطراف النخبة الحاكمة -الذين حولوا الأرض إلى سلعة للمضاربة من أجل الربح ونفوا عنها الوظيفة الاجتماعية الإنتاجية وحقيقة كونها ثروة قومية- وإعادة الحقوق لأهلها.
وفي هذا السياق تبرز مهمة استعادة أراضي الدولة والمواطنين والجمعيات التعاونية ومزارع الدولة في المحافظات الجنوبية والشرقية التي حصلوا عليها بموجب قانون الإصلاح الزراعي عام 1970 وتم السطو عليها عقب حرب صيف 1994 أو شراؤها بالإكراه بمبالغ زهيدة.
ومن ضمن الحلول إيجاد علاقة إيجار عادلة في الأراضي الزراعية بين الملاك والمستأجرين، وفق مبدأ التوازن بين إيجار الأرض وبين ما يحققه المستأجر من ريع، فلا يظلم المؤجر ولا المستأجر.
ومن ضمن الحلول في المجال الزراعي زيادة رقعة الأراضي الزراعية، وتطوير أعمال الري وإنشاء وإصلاح السدود والخزانات والبرك، ورفع مردود الإنتاج الزراعي عبر التوسع الرأسي ومن خلال تطوير أساليب الزراعة ومكننة العمليات الزراعية، وعن طريق التوسع الأفقي في استصلاح الأراضي غير المهيأة للزراعة، والاستفادة الكاملة من أراضي الدولة، ورفع الإنتاج عن طريق الاستخدام الأمثل لقوى الإنتاج من القوى العاملة ووسائل الإنتاج ورأس المال الاجتماعي، وتوحيد الملكيات الزراعية الصغيرة في أشكال تعاونية، واستخدام المدخلات الزراعية الحديثة.
وتكتسب أهمية بالغة -عقب عملية الإنتاج هذه- مسألة تصريف وتصنيع المنتجات الزراعية، وهو ما يعني ضرورة أن تشكل التعاونيات الزراعية (الإنتاجية) وتعاونيات الإمداد والتسويق (الاستهلاكية) لتسويق منتجاتها بديلاً عن الوسيط التجاري الذي يثرى من هذه العملية على حساب المزارعين، وإلى جانبها مسألة تصنيع المواد الزراعية من عمليات تعليب وتجفيف وتجميد، وهو ما يتطلب إنشاء مصانع حكومية وتعاونية متوسطة في القرى الزراعية، وأيضاً إتاحة استثمار القطاع الخاص الوطني في هذا المجال التصنيعي.
المسـألـة السمكـية
وفيما يتعلق بالصيد وهو قطاع اقتصادي هام متجدد، فالصياد كما هو عليه حال الفلاح بحاجة إلى أن يتحرر من الاستغلال. ويعاني الصيادون بشكل أساس من نوعين من الاستغلال: الأول: عدم امتلاك وسائل إنتاج من قوارب ووقود وشباك واضطراره أن يعطي جزءا كبيرا مما يصطاده لمالك القوارب، والآخر: إثراء الوسيط التجاري من بيع السمك حيث يشتريه من الصيادين مباشرة بسعر زهيد ثم يبيعه لتجار التجزئة بسعر باهظ، ففيما لا يجد الصيادون ما يسد رمقهم ويعين على تعليم وصحة وتسكين أسرهم، تتراكم أرباح التجار.
وكما عليه حال المسألة الزراعية، فإن حل المسألة السمكية ممكن وأسهل من حل المسألة الزراعية التي تعقدها قضية الأرض. ومن الحلول الممكنة للمسألة السمكية ما يلي:
- محاربة شركات الاصطياد الاحتكارية الأجنبية التي تصطاد وتجرف البيئة البحرية بصورة غير مشروعة أو باتفاقيات مجحفة مع الحكومة اليمنية.
- تشكيل تعاونيات الصيادين، للقيام بمهمة الاصطياد الجماعي.
- تشكيل اتحاد الصيادين اليمنيين لتجميع الصيادين والدفاع عن مصالحهم الاقتصادية والوطنية العامة.
- تشكيل تعاونيات الإمداد والتسويق السمكي، العائدة للصيادين أنفسهم، والتي تتولى بيع السمك للقطاع الحكومي أو الخاص وشراء مستلزمات الصيد.
- توفير ثلاجات عامة ومراكز تخزين سمكي تؤجر بأسعار رمزية للتعاونيات السمكية.
- إنشاء مصانع تعليب أسماك في السواحل وإنشاء مصانع مختلطة تشترك فيها التعاونيات السمكية والقطاع الحكومي.
- دعم الاستثمار في الاصطياد والتصنيع السمكي المخصص للتصدير، وإخضاع نشاطه لرقابة الدولة واتحاد الصيادين والهيئات البيئية المختصة.
المسـألـة الصناعـية
تحتل الصناعة ما نسبته 12% من مجمل النشاط الاقتصادي في بلادنا، وهي نسبة صغيرة جداً وغير معقولة في زمن الثورة العلمية التكنيكية في العصر الراهن، وهذا ما يجعلنا بلداً في واقعه الاجتماعي متخلفاً وتابعاً اقتصادياً وسياسياً. ولا يعود هذا الأمر لكون الشعب اليمني متخلفاً في ذاته، فهو شعب حضاري عرف الصناعة من آلاف السنين، إلا أن قيود الرأسمالية الاحتكارية والتوجهات السياسية الاقتصادية العالمية فرضت على بلادنا أن تكون مجرد ريف للمراكز الصناعية، تعطي المواد الخام النفطية والزراعية والمعادن، فيما تستورد السلع الاستهلاكية عامة من عود وخيط تنظيف الأسنان والمسمار إلى آخر موديلات السيارات والسلع الكمالية.
تكتسب مسألة تطوير الصناعة أهمية ملحة، فهي كفيلة بتغيير الوضع في اليمن بصورة كلية نحو مستوى أرقى من الحياة المادية والروحية، ومعالجة مختلف القضايا والمشاكل الاجتماعية التاريخية نحو تعميق الاندماج الاجتماعي والوحدة الوطنية، وامتلاك البلاد قدرات أكبر في الوقوف مع القضايا المركزية للأمة وفي مقدمتها القضية الفلسطينية وتحرير الأراضي العربية المحتلة من العدو الصهيوني، ومساعدة الشعوب المضطهدة والمستضعفة في العالم.
ونحن بحاجة إلى التطور الصناعي على أساس سيادة الملكية العامة الاجتماعية بصورة رئيسية، المعبر عنها في القطاع العام والقطاع التعاوني والمختلط، وبمشاركة القطاع الخاص الوطني الخالص والاستثمار الأجنبي ولكن وفق خطط الدولة الاقتصادية وبالحد الذي لا يجعله مهيمناً على القطاع الاقتصادي بشكل عام؛ فبدون مضمون اجتماعي للتطور الصناعي ستزداد المشاكل الاجتماعية، نتيجة اشتداد التفاوت الطبقي وستشتد تبعية بلادنا بتحول الصناعة فيها إلى فروع الشركات الأجنبية ولن يكون للصناعة فوائد وطنية.
إن مسألة تصنيع البلد مهمة من حيث مضمونها الاجتماعي، فالصناعة أساس إنشاء اقتصاد وطني مستقل قائم على أحدث منجزات العلم والتكنيك، التي هي في حالة ثورة مستمرة، والتصنيع مدعو إلى تطوير التركيب الاجتماعي للمجتمع اليمني في المدينة والريف معاً.
وفي مقدمة ما نحتاج إليه إيجاد الصناعات الثقيلة القادرة على خلق وسائل الإنتاج، وهو شرط الاستقلال والتحرر الاقتصادي من الهيمنة الغربية، وشرط أساسي للصمود في ظروف الحصار والعقوبات الاقتصادية واشتداد توحش الرأسمالية العالمية.
والمقصود بالصناعات الثقيلة المناجم والتعدين وصناعــة المـاكينات والصناعــات الحــربية الخفيفـة والاستراتيجية، والصناعات الغذائية... ولدى بلادنا فرص كبيرة للتطور الصناعي، من حيث توفر معظم المواد الخام، وخاصة الحديد ومختلف المعادن والمواد الخام الزراعية ووجود القوى العاملة والفنيين (مع الحاجة إلى تطوير معارفهم ومهاراتهم)، ووجود الطاقة من نفط وغاز، ووجود السوق الاستهلاكية الداخلية، فيما الإشكال هو في مسألة التمويل المالي، وهي مسألة يُمكن معالجتها عبر الجهود التعاونية الداخلية وإيرادات النفط والموانئ في الظروف الاعتيادية، وكذلك تعويضات دول العدوان أو المنح والمساعدات المالية الدولية النزيهة. وفي هذا السياق لا بد من إنشاء شركة تعدين وطنية تعمل في مختلف الفروع التي تتوفر موادها الخام في الوطن، وفي مقدمتها إنتاج الحديد الصلب الذي هو أساس تشييد صرح الصناعة.
ومن أجل قيام قطاع صناعي قوي فهناك سياسات يجب اتخاذها كالتالي:
- الاستفادة القصوى من كل الطاقات البشرية الموجودة في البلاد، والتوزيع الصحيح للقوى العاملة، ورفع مستوى المهارة المهنية والفنية للعاملين، وكذلك التوسع في إنشاء المعاهد التعليمية الفنية والمهنية، وهو الأمر الذي من شأنه دفع الخريجين صوب مؤسسات الإنتاج وضمان الإنتاج وتوفر الأيدي العاملة المدربة، وزيادة إنتاج الطاقة الكهربائية بوصفها الشرط الأهم لتعزيز التنمية وإزالة التفاوت في الأوضاع الاقتصادية الاجتماعية الثقافية في الريف والمدينة.
ومن السياسات التي يجب اتخاذها من أجل قيام قطاع صناعي قوي:
- الاستفادة التامة من الموارد المادية والمالية التي تخصصها الدولة بغرض تطوير وتوسيع الإنتاج وصيانة المشروعات المملوكة للدولة، وتتحمل أجهزة الدولة والوزارات والهيئات والمؤسسات وإدارة المرافق بالدرجة الأولى مسؤولية تحقيق هذه المهمة.
- دعم النشاط الإنتاجي للحرفيين والأسر المنتجة، بقدر ما يساعد ذلك على زيادة إنتاج سلع الاستهلاك الشعبي وتغطية الطلب في السوق المحلية، وكذا الحفاظ على الحرف اليمنية التقليدية وتطويرها، وذلك عبر إنشاء تعاونيات الحرفيين وتعاونيات الأسر المنتجة.
- تصنيع المحاصيل الزراعية والثروة السمكية والحيوانية والأسمنت ومواد البناء وغيرها من الصناعات المعتمدة على المواد الخام الأولية المتوفرة في البلاد بدرجة رئيسية، وإيلاء الأولوية في إنتاج السلع الاستهلاكية من المواد الغذائية والصناعة الخاصة بالاستهلاك الشعبي اليومي، من أجل تأمين المعيشة اليومية للجماهير الفقيرة والكادحة في الريف والمدينة.
التجارة الداخلية
تشترط إدارة التجارة أن تكون علمية مخططة. وأول ما يبرز في السياسة التجارية المطلوبة مهمة تطوير وتوسيع التجارة الداخلية والخارجية، وزيادة دورها في تلبية حاجات السكان من المواد والسلع الأساسية والاستهلاكية والتنموية ومتطلبات الصناعة والزراعة، وكذلك مساهمتها في خلق التراكم المالي للبلد، وضمان التطابق بين التجارة الخارجية ومحتوى السياسة الاقتصادية والاحتياجات الداخلية.
يجب أن ترتبط المسألة التجارية بصورة رئيسية بعملية الإنتاج المحلية، وخصوصاً تنظيم عمليات تسويق الإنتاج الزراعي والسمكي. وبهذا الاتجاه فإن من الضروري أن يقوم القطاع العام والقطاع التعاوني بتسويق المنتجات الزراعية (التعاونية والفردية)، وزيادة حجم الصادرات من الإنتاج المحلي، وربط التجارة الداخلية بعملية الاستهلاك الشعبي اليومي.
وعلى الدولة في إدارة النشاط التجاري الداخلي التركيز على تضييق الهوة بين المنتج والمستهلك، وتجريم تحول دور الوسيط التجاري إلى مصدر لمراكمة الثروة بشكل طفيلي، وتحدد الدولة وفقاً للظروف الاقتصادية والمعيشية أرباح دور الوسيط التجاري، والرقابة على تجارة التجزئة وتحديد أسعار موحدة مستقرة للسلع والمواد الضرورية في عموم الجمهورية، وبالأخص السلع الغذائية، والرقابة عليها، وكذلك الرقابة على حجم ومضمون الاستيراد، وتطوير التجارة الخارجية وتنظيمها على أساس علمي وتوسيعها مع الدول الصديقة والأقطاب الدولية الناهضة المناهضة للإمبريالية الغربية والصهيونية.
ومن مهام القطاع التجاري محاربة الاحتكار والتلاعب بأسعار السلع الأساسية، بتوسيع وتطوير فروع البيع بالتجزئة التابعة للقطاع العام، وتفعيل دور المؤسسة الاقتصادية اليمنية لتقوم بذلك، والعمل على انتشار جمعيات التسويق والإمداد التابعة للتعاونيات الزراعية والصناعية والسمكية في عموم الجمهورية اليمنية لتساهم في عملية إيصال السلع إلى المستهلكين بأسعار معقولة تراعي الواقع الاقتصادي العام، وذلك من أجل مكافحة نمو الشرائح التجارية الطفيلية التي تثرى على جهود العُمّال وعلى حساب احتياجات الشعب.
التجارة الخارجية
في المرحلة السابقة للثورة الشعبية لم يكن للدولة سلطة إدارة للعلاقات الاقتصادية الخارجية، وكان النظام الإمبريالي -وعلى أساس تقسيم العمل العالمي- ترك لبلادنا وظيفة توريد المواد الخام النفطية والزراعية والسمكية واستهلاك المنتجات الجاهزة، فقد ورثت بلادنا من الماضي الاستعماري الاستبدادي اقتصاداً متخلفاً تابعاً.
فعلى الدولة اليوم أن تؤثر بشكل فاعل في تطوير العلاقات الاقتصادية الخارجية واجتذاب واستخدام رأس المال الأجنبي لصالح التطور الوطني، فللعلاقات الاقتصادية الخارجية أهمية حيوية بالنسبة للبلدان النامية، وتعتبر عاملاً هاماً في تطويرها. وفي سبيل ذلك على الدولة أن تسن القوانين الحمائية والاستثمارية وتنشئ وتراقب شتى الهيئات التي تعمل في مجال الاقتصاد الخارجي.
إن قيام الدولة بإدارة الصلات والعلاقات الاقتصادية الخارجية يساعد على تصنيع البلاد وعلى إنشاء اقتصاديات متعددة الفروع، ويقضي على التطور الاقتصادي الأحادي الذي يجعل من الدولة مجرد منجم للمواد الخام بالنسبة للشركات العابرة للأوطان.
كما أن إدارة الدولة للعلاقات الاقتصادية الخارجية يمكنها من الحصول على الأموال اللازمة لتطورها الاقتصادي، وهذه الأموال عبارة عن مداخيل ناتجة عن التصدير واستئجار السفن والسياحة... وغيرها، وتوظيفات رأس المال الأجنبي المنضبط بسياسة الدولة الاقتصادية.
إن ارتباط التجارة بالإنتاج يتضح من خلال العلاقة الضرورية بين القطاعين، فعلى الدولة أن تشجع تطوير إنتاج البضائع المستوردة سابقاً، وكذلك تطوير إنتاج المحاصيل الزراعية بمقادير تكفي لتأمين المقتضيات الداخلية، وخاصة من الحبوب، ومن جهة أخرى أن تعفي أرباب العمل (المُصدرين) من الضرائب وتقدم لهم القروض بشروط تفضيلية، وذلك من أجل تحفيز تطوير فروع التصدير وبقصد تحفيز وإنماء وتنويع التجارة الخارجية، دون أن يؤثر توجيه المنتجات للتصدير على الاستهلاك الشعبي في الداخل الوطني. كما أن على الدولة البحث عن أسواق جديدة لتصريف وتوسيع تشكيلة البضائع المخصصة للتصدير. وعلى الدولة أيضاً إنشاء صندوق وطني لتشجيع وتحفيز التصدير، يراقب نوعية المنتوجات المعدة للتصدير ومطابقتها للمقاييس، ويقوم بمهام البحث عن أسواق جديدة، ويتحقق من خفض الضرائب على المشروعات التي تُنتج من أجل التصدير، وكذلك التكفل بالمشاركات الخارجية وحملات الترويج والمعارض الدولية للسلع اليمنية، وكذلك التنسيق مع البنوك الوطنية من أجل تأمين إقراض المُصدّرين.
تحقيق التراكم المالي
تبرز في مقدمة القضايا الهامة من أجل تطوير البنية الصناعية والزراعية قضية إيجاد التراكم المالي للدولة، بحيث تتمكن من توظيف هذا التراكم برشد من أجل النهوض باقتصاد البلاد ومن أجل إنجاز مهمة التصنيع بالمقام الأول.
إن القاعدة الإنتاجية الضرورية لأجل ضمان التراكم في بلادنا تعتبر ضئيلة جداً، بسبب التخلف الإقطاعي الموروث عن الاحتلال التركي والميراث الاستعماري البريطاني والنهب الاستعماري الجديد الأمريكي الأوروبي، وتعدد الأنماط الاقتصادية وضعف المستوى العلمي - الثقافي والإعداد المهني للسكان عموماً وفي مقدمتهم القوى العاملة، ولذا فإن من الصعب تحقيق التراكم في بلادنا دون إنجاز التحولات الاجتماعية، ومنها تأميم ومصادرة ملكية الطبقات الاستغلالية الفاسدة والخونة، وتأميم رأس المال الأجنبي في الصناعات الاستخراجية أو إخضاعه لرقابة صارمة، وتحقيق الإصلاح الزراعي وتوسيع نطاق وظائف الدولة الاقتصادية والاجتماعية وتشديدها، والاستفادة من حماس الجماهير.
إن إنجاز مهام التطوير الاقتصادي الاجتماعي في بلادنا يستحيل بدون ضمان مستوى معين من التراكم المالي. وحلّ قضية التراكم يقتضي في نهاية المطاف إنجاز تحول عميق في كل تركيب الاقتصاد، ورفع إنتاجية العمل في فروع الاقتصاد الرئيسة، وجمع الإيرادات التي تحصل عليها الدولة بشكل ضرائب وحسومات من أرباح المشاريع التابعة لقطاع الدولة ومساعدات أجنبية وغير ذلك فتراكمها في الميزانية وفي صندوق سيادي.
* نقلا عن : لا ميديا