المتأمِّلُ لواقعنا قديماً وحديثاً يجدُه على نسقٍ واحد، فالثباتُ صفةٌ لازمةٌ للعقل العربي، ومن النادر أن يحدث التحول فيه، أَو التغاير والتمايز، حتى قيل: إن العقل العربي يتقبل القضايا ككليات دون تحليل أَو تفكير أَو تمحيص في حين العقل الغربي لا يتقبل القضايا إلا بعد الفحص والتدقيق والتحليل والتجزئة.
ما تزال مشكلتنا هي ذاتها وندور حولها منذ بدأت تباشير الإسلام إلى اليوم وربما من قبل ذلك إلا أن الإسلام كحالة تحولية كان أكثر جلاء للمعضل في الذهنية العربية، وأكبر معضل هو الثبات وعدم التفاعل مع الجديد مهما كانت محاسنه ومزاياه، ولعلنا اليوم ندرك هذه المعضلة من خلال معركة الإصلاح التي بدأها قائد الثورة في محاضراته في عشر ذي الحجّـة.
الثبات يشكل حجر عثرة لكل متحول أَو جديد في الفكر وفي الممارسة فالعلاقة الجدلية التي قالها الإمَامُ عَلِيٌّ -عَلَيْهِ السَّـلَامُ- لأبي ذر بعد أن أخرجوه إلى الربذة ما تزال هي ذاتها اليوم في كُـلّ حركة تحول أَو تغاير في الفكر وفي الثقافة وفي الممارسة “إن القومَ خافوك على دنياهم، وخفتهم على دينك “….” فلو قبلت دنياهم لأحبوك ولو قرضت منها لأمنوك”.
طبيعة العلاقة بين الحاكم والمحكوم ماتزال شائكة رغم التطورات الحضارية الني حدثت، وطبيعة العلاقة بين الحق والباطل بينة لكن أهل الباطل أكثر ميلاً إلى وحشة الباطل منهم إلى أنس الحق، ولذلك نجد نفوسهم أكثر ميلاً إلى زخرف الباطل ولو صدع أهل الحق بالحق ولو غضبوا لله كما غضب أبو ذر لنفوه إلى الربذة ولم تأخذهم في الله لومة لائم، النماذج كثيرة في عصرنا وفي واقعنا اليوم وفي تأريخنا القديم والحديث، ولذلك حين ننادي بضرورة أحداث ثورة ثقافية فنحن ندرك ثيمات المشكل العام في واقعنا ولن نتحرّر من تلك المعضلات إلا بحركة إصلاح ثقافي وأخلاقي، وهذا أمر يتطلب جهداً ووقتاً ومالاً واشتغالاً واعياً ومدركاً ومكثّـفاً.
لدينا في تراثنا من المبادئ والقيم ومن الأفكار ما يجعلنا خير أُمَّـة أخرجت للناس، لكن قتلنا الكسل والخذلان وقتلنا أهل الباطل الذين يحاربون أي حركة إصلاح للأُمَّـة من باب خوفهم على الدنيا فتكون النهايات مفجعة إما إلى السجون وإما إلى مقاصل الحرية دون مراعاة للحرمات، وشواهد ذلك كثيرة عبر التاريخ العربي كله.
نحن اليوم نخوض معركة وجود على كُـلّ الأصعدة، فالحرب المعلنة على اليمن هي حرب على الثقافة والمعتقد وعلى الفرد والمجتمع يريدون مجتمعاً خاضعاً خانعاً ذليلاً مهاناً، يريدون أن يسكتوا صوت الحرية في النفوس والضمائر حتى نكون كقطيع يساق بالتوجيهات التي يمليها البيت الأبيض أَو يمليها شياطين البنك الدولي، فحركة الرفاه للمجتمعات العربية المسلمة خاضعة لاشتراطات البنك الدولي وَإذَا تجاوزتها فسوف تحارب ولن يكون نصيبك من الاقتصاد إلا شظف العيش لك ولشعبك.
ولذلك ونحن أمام معركة الوجود يفترض أن نخوض معركة الإصلاح الثقافي والأخلاقي حتى نتمكّن من بناء الأفراد والمجتمع بناءً حراً وسليماً، وبحيث نقدم من خلاله نموذجاً يكون مؤثراً لا منفراً، وتلك مهمة صعبة، ولنا في رسول الخير والعدل والحرية محمد عليه وعلى آله الصلاة والسلام قُدوة، فقد أحدث ثورة وقاد حركة إصلاحات ثقافية وأخلاقية في المجتمع العربي جعلت الآخر يقف أمامها بكل إجلال وبكل تبجيل فدخل الناس؛ بسَببِ تلك الإصلاحات دين الإسلام أفواجاً، وتحول حال العرب من الهوان إلى العزة، ومن الانكسار إلى الرفعة والشموخ إلى أن كان يطأ المسلم بحوافر خيله بساط كسرى كأكبر دولة في ذلك الزمان مهابة وعظيمة القدر وهو يعتز بما وصل إليه من كرامة.
ما يعيق حركتنا اليوم هو الفساد الثقافي والفساد الأخلاقي ومهمة إصلاحهما ليست صعبة إذَا توفرت النوايا وكانت مخلصة أما إذَا خفنا الإصلاح على دنيانا فلن نفلح.