هذا الصراع وهذه الحروب التي تجتاح العالم العربي ليست منفصلة- بنظري- عن تداعيات العولمة بمختلف جوانبها السياسية والاقتصادية والاجتماعية.. فبعد أن كنا نتطلع إلى عالم أفضل ، في ظل تبادل المعلومات والمصالح، وتداخل الثقافات وتلاقح الأفكار بين الدول والمجتمعات وانفتاح بعضها على بعض، تبين أن مخاطر العولمة أقسى وأنكى بالمقارنة مع إيجابياتها التي قطفت ثمارها الدول المتقدمة اقتصاديا.
ففي ظل الانفتاح الإعلامي قفزت إلى السطح معالم هشاشة المجتمعات العربية، ومدى التخلف المعشعش في بنيتها الاجتماعية ونظمها السياسية والاقتصادية، ما شجع دول الهيمنة على المزيد من التدخل في شئون هذه الدول، تحت ذريعة تهيئتها للتعاطي مع المناخ العالمي الجديد القائم على حرية التجارة وتبادل السلع، مع امتيازات محدودة للدول الأقل نموا، لكنها لم تمنع من تحويلها إلى أسواق استهلاكية تستورد غالبية احتياجياتها، وسط ترنح القطاع الاقتصادي المحلي، الذي وجد نفسه عاجزا عن المنافسة.
النصائح الاقتصادية تحولت إلى مطالب سياسية، وبلغت ذروتها مع (الربيع العربي)، الذي توافرت له عوامل كثيرة تندرج في إطار تداعيات العولمة، وبالذات مع تطور الميديا الإعلامية، والاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام الجديد، الذي توافر بشكل سريع ومتزايد أمام جيل يعيش إحباطات مركبة، في ظل فشل الأنظمة المستبدة، وعجزها عن فهم المتغيرات، والتعاطي معها إيجابياً.
إلا أن العوامل التي ساعدت على تنامي الحراك الشبابي العربي، هي نفسها العوامل التي ساعدت على الحراك المضاد، والذي انحرف بشكل كبير، فلم يعد منضبطا بالقيم الأصيلة، وسرعان ما تفاقمت كراهية الثقافة المجتمعية، وطفت إلى السطح معارك كلامية قذرة وسخيفة في آن، اختلطت فيها الحقائق بالأباطيل، ومن لم يسعفه الحاضر بما يروي ظمأه، استدعى الماضي ونبش بين سطور التراث، حتى وجدنا أنفسنا في صراع عبثي، لا مكان فيه للعقل، واحترام الذات.
وسط هذه الفوضى المعولمة ظهرت (داعش)، فكرا وسلوكا إرهابيا متوحشا، وعاشت العراق وسوريا فصلا داميا، تجلت مأساويته عند تحرير مدينتي حلب والموصل.
وفي ظل هذه الفوضى المصحوبة بصخب وانفلات إعلامي غير مسبوق، وجدت داعش الكبرى ممثلة بآل سعود، فرصتها للانتقام من اليمن، وشنت على شعبه حربا بشعة، وارتكبت بحق أبنائه أفظع الجرائم، بينما الإعلام العربي ( المعولم ) منخرط في هذه الحرب، ومنساق وراء أجندة ومخططات دول الهيمنة والاستكبار، التي لن تكف عن مؤامراتها ما لم تعود شعوبنا وأنظمتنا إلى عقلها وذاتها، وتتدارك ما يمكن تداركه..!