كلنا بحاجة للوقوف أمام مرآة الذات.. نتفحَّصُ أنفسنا قليلاً.. ننظر ما أصبحنا عليه.. نكتشف أنفسنا.
تأخذنا من ذواتنا مشاغلُ الحياة والجري خلف لقمة العيش، فنحسُّ أننا نعيش لأجل لا شيء، ونلهث خلف اللاشيء.
الكثير لا يعرف إلى أي مستوىً دراسيٍّ وصل أبناؤه، ولا في أية مدرسة يدرسون، والكثير جداً يعيش في خطٍّ واحد ذهاباً وإياباً مثل جَمَل المعصرة.. ينسى كلَّ أقاربه وأرحامه فلا يذكِّره بهم إلا “عسب العيد”.. ينسى فنَّ التعامل مع أسرته ومع من حوله، وينسى مواهبه وطموحاته ويقنع باللهث خلف لقمة العيش التي يرى أن الحصول عليها أصبح بشِقِّ الأنفس وبشَقِّها أيضاً.
إنها الغربة في الوطن، كما قال الإمام علي بن أبي طالب: “الفقير غريبٌ في وطنه”.
والأنكى أن يعي الواحد منَّا كلَّ ما حوله، ويريد أن يطابقَ بين ما قرأه وتعلَّمه وبين ما يعيشه.. فيحس بألم المعرفة، ويوقنُ أن الجهلَ قد يكون نعمةً في بعض الأحيان وحين تكدُّ وتعملُ طوالَ العام ولا تجدُ وقتاً لتلتقط أنفاسك، أو تفكر بالقيام برحلة مع أولادك إلى أية محافظة لقضاء أسبوع، لأنك لا تجد الوقت الكافي لذلك، ولا تجد المال أيضاً، تدرك كم أنت مغبونٌ.
هذه الضغوط كلها تجعل فنَّ التعامل منعدماً بين الأب وابنه، وبين الزوج وزوجته، وعلى مستوى زملاء العمل أيضاً.. وأصبح النَّزق واللامبالاة شعاراً يرفعه الناس بداخلهم بشكلٍ مفضوحٍ وصارخ، فترى الناس ينفجرون في وجوه بعضهم لأتفه سبب!
نحن بحاجة إلى الوقوف مع أنفسنا لبعض الوقت كي لا ننسى أنفسنا أكثر مما هو حاصل، وتصبح العودة إلى الذات منالاً مستحيلاً يصعب تحقُّقه.
* نقلا عن : لا ميديا