|
اليمن في مفترق الطرق
بقلم/ عبدالرحمن مراد
نشر منذ: سنتين و شهرين و 26 يوماً الجمعة 26 أغسطس-آب 2022 07:35 م
أشعر أن قادماً يتشكل اليوم، ثمة أمر لا نعلم تفاصيله، إذ ربما رُسمت ملامحه في الدوائر الاستخبارية العالمية، لكن ثمة أثراً دالاً عليه في حركة الواقع اليوم، فنحن في اليمن لسنا بعيدين عن تداعيات الأحداث الدولية بل نحن جزء من تلك التداعيات، وربما كنا جزءا مفصليا في ملامح تشكل القادم الجديد، ومن ضرورات المراحل أن يتشكل الوعي اللازم بها، فالسياسة اليوم لم تعد بذلك الحال الذي كانت عليه في الماضي، بل أصبح ملعبها معلوماً، وهي تعتمد على الذكاء في اقتناص الفرص، فالمعلومات التي كانت تستنفد جهدا ووقتا في الماضي، أصبحت اليوم متوفرة، ومهمة ساسة اليوم تقتصر على توظيف المعلومات لصناعة أمجاد الأوطان .
اللعبة الدولية ذات القطب الواحد، والقرار الواحد على مشارف النهاية، نحن اليوم نعيش حالة تحول دولي، وحضور الذكاء السياسي في المرحلة من الضرورات القصوى، وسياسة الاتكال، أو سياسة الاستبداد، لم تعد من ملامح القادم، ومن أراد البقاء في عالم اليوم، لابد أن يخوض غمار السياسة بكل تلونها وألوانها، ووفق ظلالها في الواقع، أما الذين يفقدون القدرة على التفاعل مع تجلياتها، فسوف تتركهم كضحايا معلقين على أعواد التاريخ .
القوة اليوم ذات أبعاد متعددة، وتكمن في قوة الوعي، والفكر، والطريق، والمنهج، والمشروع السياسي والثقافي والاجتماعي الواضح المعالم، وفي القوة الاقتصادية، فالمرء كلما كان مكتفيا ومصنعا وغير معتمد على سواه شعر بالقوة، يؤازر ذلك العقيدة العسكرية، والهوية الوطنية القادرة على الصمود أمام العواصف والأنواء، وبمثل ذلك تصبح المعادلة ذات قيمة في البناء الدولي، فصاحب الحاجة مستعبد، والسيد من ملك قرار نفسه، وحقق لشعبه كل متطلبات العيش الكريم .
كما أن عنصر العدل والخيرية من عناصر القوة في أي مجتمع، فالذات الفردية حين تشعر بقوتها وفاعليتها وبتوفر فرص البقاء، تعمل جاهدة على تفجير طاقاتها في مجال النفع العام، وحين تشعر بتهديد الواقع لها، تقاومه وتعمل على تقويضه، وهو الأمر الذي نعيش كل ملامحه اليوم، فالذات التي مالت إلى الآخر لم تمل إلا بحثا عن قيمتها في واقع أصبح يهدد وجودها الفردي، ولذلك أصبح الكثير يعمل تحت شعارات قاتلة، وتحولت الكيانات والتعبيرات إلى شركات أمنية، وشركات عسكرية، تعمل لصالح دول ومصالح دولية، شأنهم في ذلك شأن مقاولي الإنشاءات، يتلقون المواصفات ويقومون بالتنفيذ لتحقيق استراتيجيات دولية، هذه الاستراتيجيات تضع المقدمات للمقاولين فيقومون بتنفيذها، وهي على دراية كاملة بالنتائج التي سوف تصل إليها في ظرف زمني معلوم سلفاً، فالعالم قد وصل إلى فضاءات معرفية متعددة ,بها ومن خلالها يدير شأنه اليوم، فالمعرفة من ضرورات المراحل كلها، وكانت عنصرا مهما في صراع الشرق والغرب قبل تسعينيات القرن الماضي، لذلك كنا نلمس سباقاً محموماً بين الشرق والغرب في شتى الفنون، وبعد ان أنتصر الغرب على الشرق سيطر الغرب على الموجهات المعرفية واحتكرها في دوائره الاستخبارية، ومال إلى إطلاق الشبكة العنكبوتية التي كان يحتكرها في دوائره الاستخبارية، وأصبحت في متناول الناس كل الناس، وصنع التطبيقات كبدائل من خلالها سيطر على وعي الناس والرأي العام الدولي، وعمل جاهدا على تصدير الهامشي والمبتذل والسطحي، ولذلك تجد مشاهير المرحلة من أراذل القوم والمجتمعات ومن سفهائهم، كل رصيدهم اللغوي كلمات الشتم التي يروجون لها في منصاتهم ويمنحون على فعل ذلك مزايا مالية كبيرة، في حين غاب أصحاب الرأي والمعرفة والفكر في حالة عزلة وإقصاء، ولا تكاد تجد لهم مناصرا أو متفاعلا في المنصات، ذلك أن من مبادئ الرأسمالية هو التضليل وتسطيح الوعي حتى تتمكن من الاستغلال المقيت لثروات الشعوب، والحال هذا مقروء في واقعنا اليوم وقبل اليوم لمن أراد التفكر والقراءة البصيرة بالواقع، فالتراجع في القيمة الموضوعية والفنية للفنون أصبح واضحا وجليا، والتراجع في المنتج الفكري والنقدي والنظري يكاد يكون في أدنى سلم الاهتمامات، والتراجع في صناعة المستوى الثقافي والأخلاقي أوصلنا إلى الحضيض، ولذلك أصبحنا عبارة عن عبارات تعبر من على ظهورنا مشاريع المستعمر دون وعي أو دراية، وربما بدراية لكن تمر انتقاما من واقعنا .
اليوم يكثر الحديث عن النموذج الغربي في المستوى الثقافي والاخلاقي، تجد الكثير في منصات التواصل الاجتماعي يقوم بإجراء مقارنة بين أخلاقيات المجتمعات، وثمة آراء تقول أن العرب أصبحوا عبئا على الحضارة الإنسانية، وهذا التوجه كان من أهداف الغرب في استراتيجياته المعلنة وغير المعلنة، ويمكن للمرء القيام ببحث بسيط لا يستهلك وقتا في شبكة النت كي يصل إلى هذه الحقيقة المرة .
الجيل الجديد الذي نشأ في زمن الاضطرابات والحروب والقلاقل في المنطقة غادر مربع المعتقدات وأصبح يشك في كل شيء، وكاد الكثير منهم أن يصل إلى مراحل الكفر الصريح، فالنماذج التي أمامه، نماذج غير سوية، ولا يرى مثالا إلا في الغرب الذي يحترم إنسانية الإنسان، ويسعى إلى تحقيق طرق ووسائل الرفاه بغض النظر عن معتقده وقناعاته الفكرية والثقافية، وقد أضحى الجيل الجديد ضحية لكل المستويات الأخلاقية والثقافية النشاز في واقعنا .
نحن اليوم مطالبون بالقيام بثورة ثقافية وأخلاقية واعية ذات بصيرة وقدرة على صياغة واقع جديد، وهذه الثورة لا تعني الجمود والثبات بل تعني مناقشة الظواهر والقراءة والنقد والتفكيك وصناعة البدائل القادرة على الثبات، مالم تحدث الثورة الثقافية والأخلاقية فإننا سائرون إلى مصائر الفناء والموت والضياع والتيه فالأمة اليوم على وجه العموم واليمن على وجه الخصوص على مفترق الطرق . |
|
|