تحَرّكت رمال الجنوب، وبدأت العواصف تجتث فصائل، وتبقي أُخرى في سماء المشهد السياسي اليمني، وبدأت رياح التغيير تصل إلى تعز، وقريباً تصل إلى مأرب، الفكرة أضحت واضحة، وهي اجتثاث الإخوان من المشهد فقد قاموا بالدور المنوط بهم على مدى عقد ونيف من الزمان، وأضحت الضرورة السياسية تفرض تصفيتهم، وقد بدأت المحاكمات الأخلاقية تلاحقهم في الإعلام وفي وسائل التواصل الاجتماعي، ولسوء تعاملهم لا تكاد تجد باكياً عليهم، فالكل قد وجد منهم ما آلمه سواءً في تعز أَو في الجنوب كله.
ففي شبوة مرت عمليات الكنس بدماء، وكان خوف الإخوان هو سيد الموقف، فلاذوا بالفرار من المعسكرات، وأصبحت غنيمة بيد قوات العملاقة، وها هم اليوم في أبين يقومون بذات السيناريو يبكون في إعلامهم ويندبون حظهم تحت غطاء الشرعية والقوات الوطنية، ويهربون كعادتهم من مواجهة الحقيقة، وهي أن عمليات الكنس في الجنوب تستهدفهم؛ باعتبَارهم ميليشيا تتخذ من الشرعية، ومن الجيش الوطني غطاءً يقاتلون ويغنمون ويمارسون كُـلّ الغوايات تحت غطائهما -أي الجيش الوطني والشرعية- فقتال الإخوان كقتال اليهود لا يكون إلا من وراء جدر، أَو من بروج مشيدة -كالتفجيرات والاغتيالات وإقلاق السكينة العامة- بدليل حين رفع الغطاء عنهم فروا كما تفر الحُمُر من قسورة، والغريب أنهم يدعون اليوم بطولات التحرير وصد الانتقالي في الماضي حين حاول الانتقالي التمدد في جغرافيا الجنوب ففشل؛ بسَببِ توحد الإرادَة في تلك الأيّام ضد تمدد الانتقالي، وحين توحدت الإرادَة ضد الإخوان فشل الإخوان ولم يقاتلوا ولم نرَ لهم بطولات بل تكبدوا ويلات الهزائم.
تآمر الإخوان مع أمريكا -باعتراف أمريكا نفسها وإقرار ترامب بذلك– على العرب والمسلمين وكانوا قطب الاضطرابات والقلاقل، والدينامو المحرك لتفكيك الأنظمة، والوصول إلى مشارف الدولة الوطنية الفاشلة، وحين وصلت الدول إلى مراتب الفشل، كانوا مطايا للاستحقاق القانوني لفرض الوصاية الدولية بالاستناد إلى القانون الدولي وإحكام الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة الذي بموجبه يفرض مجلس الأمن ثنائية الهيمنة والخضوع، هذا الحال وصل إليه اليمن بتعاون الإخوان بل بطلبٍ منهم بفرض عقوبات، وبطلب الحماية الدولية ومباركتها.
فما الذي يحدث اليوم؟
يحدث اليوم جزاء سنمار للإخوان، يحدث اليوم احتلال الجزر والموانئ، يحدث اليوم الهيمنة على مصادر الطاقة، يحدث اليوم فشل الدولة الوطنية، وفقدان السيادة والكرامة الوطنية، يحدث اليوم تعطل حركة التاريخ، وفقدان الأمل بعودة الدولة الواحدة والمستقرة، يحدث اليوم الضياع والتيه؛ بسَببِ ذلك التماهي الكاذب مع قيم الغبن والاستغلال وتعويم المصطلحات.
لقد كان الإخوان معول هدم لتقويض قيم وعناصر الدولة، واستغرقوا أنفسهم مع الصهيونية العالمية حتى كانوا زناداً بيدهم يضغطون عليه لإطلاق الرصاصة منه متى شاءوا، وبرغم كُـلّ ذلك لا يزال خطابهم يكرس في الوعي الجمعي، أن الخطر الأكبر يكمن في المد المجوسي، وفي الحوثي، ولا بد من تحرير صنعاء حتى تكون كعدن حرة بلا أمن، وبلا دولة، وبلا استقرار، فهم غاضبون جِـدًّا من حالة الاستقرار والأمن في صنعاء، وغاضبون جِـدًّا من حالة الحفاظ على الصورة المثالية للدولة في صنعاء، وغاضبون جِـدًّا من استمرار مؤسّسات الدولة في ممارسة وظائفها القانونية والدستورية، وغاضبون جِـدًّا من العروض العسكرية التي تحفظ لليمن قيمته وحريته واستقلاله، وغاضبون جِـدًّا من خطاب صنعاء الذي ينادي بالحرية والاستقلال والكرامة والسيادة الوطنية على كامل التراب الوطني، هكذا هو خطاب الإخوان في قنواتهم وفي وسائل تواصلهم كلها وفي حواراتهم، فالقضية لديهم ثابتة عند محور ارتكاز الاتّفاق بينهم وبين الصهيونية وأمريكا ما برحوها حتى وقد فضحتهم أمريكا نفسها، فقد كرسوا خطاباً في الوعي الجمعي -وهم يعلمون غبنه واستغلاله– مبشراً ومتصالحاً مع المستعمر، لكنهم مع أول تجربة كانوا أول من صدق ذلك الخطاب الذي اخترعوه لتمرير اتّفاقهم أملاً في التمكين الذي لم يتحقّق لهم في كُـلّ الجغرافيا التي عاثوا فيها فساداً في المنطقة.
ما يجري في الجنوب اليوم هو حركة احتلال واضحة المعالم والأهداف، كُـلّ ما في الأمر أن القوى المستعمرة تستأجر من أبناء جلدتنا جماعات وأحزاب وتحولهم إلى شركات أمنية وشركات عسكرية للقيام بمهام بعينها، استأجرت الإخوان سابقًا، ورست اليوم المناقصة على غير الإخوان، وهم الانتقالي، وذلك للقيام بهمام الاحتلال للجنوب بالنيابة عن المستعمر، فالانتقالي لا يحمل مشروعاً سياسيًّا هو عبارة عن شركة عسكرية تقوم بمهام وفق الاتّفاقات، ومعسكر العمالقة مثل الانتقالي، وكل القوى الأُخرى العاملة في الجنوب أصبحوا مقاولين لا نستثني أحداً، المشروع الوحيد الذي يحمل همَّ استقلال اليمن، وحرية اليمن، وكرامة اليمن هو المشروع الذي يتحَرّك في صنعاء وفي الشمال كله وقد قالت السنون ذلك فهو من يدافع عن اليمن وحريته واستقلاله وليس أمام أحذية الاستعمار سوى الموت غيظاً ومن لم يتعظ منهم عليه أن يتعظ من موقف المستعمر من الإخوان اليوم، فالعملاء في كُـلّ حقب التاريخ يواجهون مصيراً واحداً.