هناك من الكتاب والباحثين والناشطين والإعلاميين مَن استطاع إجبارنا كمتابعين له على أن ننحني له احتراماً وإجلالاً، وذلك ليس نتيجةً لجودة وعمق وثراء ما يجود به من أطروحات، أو يناقشه من قضايا وأفكار، أو يقدمه من قراءات شاملة لمجمل الأحداث والمستجدات، أو يتصدى له من ثقافات باطلة وظواهر سلبية واختلالات وقصور في الواقع العملي، وإنما لقربه من الناس، وإحساسه بهم، وإصراره على القيام بأي شيء لكي يخفف عنهم حتى ولو جزءًا من معاناتهم وآلامهم، وما أكثرها اليوم لو نتأمل قليلاً!
ومع أن هذا الشخص يشارك الكثيرين ممَن يلتقيهم معظم ما يقاسونه من ظروف وأوضاع إلا أنه ينسى نفسه، ويبذل كل ما بوسعه للتخفيف عنهم وحل مشكلاتهم، وذلك بنقل ما يعتريهم إلى غيرهم من الناس، لعل وعسى يجد بين من سيطلعون على ذلك مَن سيبادر لمساعدتهم، وكان من بين ما اطلعت عليه مؤخراً بهذا الخصوص: قضية أحد الشعراء والمبدعين، والذي سبق أن نُشر له عملان شعريان، ولكنه اليوم لا يجد في بيته قطرة ماء، أو حبة من القمح أو الأرز، بل لقد تم سجنه في أحد الأقسام، من قبل مالك الشقة التي يسكنها، نتيجة عجزه عن سداد الإيجار، ولم يتم إطلاق سراحه إلا بعد مرور ثلاثة أيام على سجنه، وبعد أن تعهد بإخلاء الشقة خلال ثلاثة أشهر، فليت شعري مَن لهذا وأمثاله؟ وأين سيذهب بعد انقضاء المدة المحددة لكي يغادر مسكنه بنفسه وأسرته؟
أدري أن مناشدة أو لوم الجانب الرسمي لن تجدي نفعاً، ولن تقدم أو تؤخر في شيء، وقد فطن لذلك قبلي مَن يُعنون بنقل هذه الصور المليئة بمشاهد الأنين لبطونٍ جوعاء، ووجوهٍ باكية حزينة، ونفوس مكلومة معذبة مقهورة، إذ اتجهوا لمخاطبة الخيرين من عامة الناس، ولم يضيعوا الوقت، ويستنفدوا الجهد في مخاطبة حكومة الكساح، التي باتت لا يرجى نفعها، ولا يخفى ضرها الذي طال الجميع، إذ كيف لحكومةٍ تعيش الرفاه والنعيم؟ في الوقت الذي يعيش الشعب من حولها في أسوأ حالاته المعيشية، أن تلتفت إليه؟ ولاسيما أن جميع وزرائها لم يعانوا من انقطاع الرواتب والمخصصات والحوافز والعلاوات، وبدل المظهر والتنقلات، فهم ليسوا من الشعب كي يقال لهم: اصبروا نحن في ظل عدوان ظالم غشوم، وحصار جائر وشامل.
نعم لمثلنا سيحلو العيش ويطيب، كيف لا وحكومتنا قد قسمت الشعب ولاسيما موظفي الدولة إلى قسمين هما:
1. موظفو الجهات الإيرادية، وهؤلاء لهم الحق في استلام رواتبهم كل شهر ودون انقطاع.
2. موظفو الجهات غير الإيرادية من التربويين وأساتذة الجامعات والإعلاميين وغيرهم، وهؤلاء بالكاد يحصلون على نصف راتب في كل أربعة أشهر على أقل تقدير.
وهكذا سيستمر الحال على هذا النحو، حتى يستفيق الواقع الثوري على ما سيتمخض عن كل هذه السياسات، من صراع طبقي قائم على وجود حالة جملية جديدة، لا يمكن لأصحابها القبول بالمساواة في العطاء والحقوق والواجبات كما هو حال عامة الناس.
* نقلا عن : لا ميديا